تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة .
كل قصائد و أشعار الشاعر نزار قباني
وُجُوديَّة
--------
كانَ اسْمُها جَانِينْ..
لقيتُها أَذْكُرُ في باريسَ من سِنِينْ
أَذْكُرُ في مغارة (التابُو).
وَهْيَ فَرَنْسِيَّهْ..
في عَيْنَيْهَا تَبْكي
سماءُ باريسَ الرَمَادِيَّهْ
وَهْيَ وُجُوديَّهْ
تعرفُها
مِنْ خُفِّها الجميلْ
مِنْ هَسْهَساتِ الحَلَقِ الطويلْ
كأنَّهُ غَرْغَرَةُ الضوء بفُسْقِيَّهْ..
تعرفُها
من قَصَّة الشَّعرْ الغُلاميَّهْ..
من خُصْلةٍ في الليل مَزْرُوعَةٍ
وخُصْلةٍ .. لله مَرْمِيَّهْ
***
كانَ اسْمُهَا جَانينْ
بِنْطالُها سَحْبَةُ كُبرياءْ
خَيْمَةُ حُسْنٍ تحتَها .. يختبيءُ المَسَاءْ
وتُولَدُ النُجُومْ
وخُفُّها المُقَطَّعُ الصغيرْ
سفينةٌ مَجْهُولةُ المصيرْ
تقولُ للجاز: ابْتدِيءْ..
أريدُ أَنْ أَطيرْ..
مع العصافير الشتائيَّهْ..
إلى مَسَافاتٍ خُرَافيَّهْ
أُريدُ أَنْ أَصيرْ
أغْنِيَةً أو جُرْحَ أُغْنِيَّهْ
تمضي بلا اتِّجاهْ
تحتَ المصابيح المسائيَّهْ
في حَارَةٍ ضَيِّقةٍ ،
في ليل باريسَ الرَمَادِيَّهْ
***
كانَ اسْمُها جَانِينْ..
وَهْيَ وُجُوديَّهْ
تعيشُ في التابُو .. وللتَابُو
وليلُها جَازٌ وسِرْدَابُ..
صَنْدَلُها المنسوجُ منْ رُعُودْ
يزيدُ من إغرائِها
وكيسُها الراقصُ من ورائِها..
صديقُها في رِحْلَة الوُجُودْ
تقولُ لللحْنِ : انْهَمِرْ
أريدُ أن أَرُودْ
جَزَائراً في الأرضِ مَنْسِيَّهْ
جَزَائراً مَرْسُومةً بأدْمُع الوُرُودْ
ليسَ لها سُورٌ .. ولا بابٌ .. ولا حُدودْ
***
كانتْ وُجُوديَّهْ
لأنَّها إنسَانةٌ حيَّهْ..
تُريدُ أنْ تختارَ ما تَرَاهْ
تُريدُ أنْ تُمزِّقَ الحَيَاهْ..
مِنْ حُبِّها الحَيَاهْ..
***
كَانَتْ فَرَنْسِيَّهْ
في عَيْنِها تبكي سَمَاءُ باريسَ الرَمَادِيَّة
كانَ اسْمُهَا جَانِينْ..
عِنْدَ واحِدَة
--------
قُلْنَا .. ونَافَقْنَا .. ودَخَّنَا
لم يُجْدِنَا كُلُّ الذي قُلْنَا ..
الساعةُ الكُبْرَى .. تُطاردُنا
دَقَّاتُها .. كَمْ نحنُ ثَرْثَرْنَا !
حَسْنَاءُ ، إنَّ شِفَاهَنَا حَطَبٌ
فلْنَعْتَرِفْ أنَّا تَغَيَّرْنَا ..
ما قيمةُ التاريخِ ، ننبُشُهُ
ولقد دفَنَّا الأمْسَ وارْتَحْنَا ..
هذي الرُطُوبةُ في أصابعنا
هيَ من عويل الريح .. أَمْ مِنَّا؟
أَتْلُو رسائلَنا .. فَتُضْحِكَني
أبمثْلِ هذا السُخْفِ قد كُنَّا ؟
هذي ثيابُكِ في مَشَاجِبها
بَهَتَتْ .. فلستُ أُعيرُها شأنا ..
فالأخضَرُ المُضْنَى أضيقُ به
ومتى يُمَلُّ الأخضَرُ المُضْنَى ؟
اللونُ ماتَ .. أم أنَّ أعْيُنَنَا
هيَ وَحْدَها لا تُبصِرُ اللونَا ..
يَبِسَ الحُنُّو .. على محاجرنا
فعُيونُنَا حُفَرٌ بلا معنى ..
ما بالُ أيدينا مُشَنَّجَةٌ
فالثلجُ غَمْرٌ إنْ تَصَافَحْنَا
مَمْشَى البَنَفْسَجِ في حديقتنا
قَفْرٌ .. فما أَحَدٌ به يُعْنَى ..
مَرَّ الربيعُ على نوافذنَا
ومَضَى ليُخبرَ أنَّنَا مُتْنَا ..
ما للمقاعد لا تُحِسُّ بنا
أهِيَ التي اعتادَتْ أم اعتَدْنَا ..
أينَ الحرائقُ ؟ أينَ أنفُسُنا ؟
لمَّا أضَعْنَا نارنَا ضِعْنَا ..
كُنَّا ، وأصْبَحَ حُبُّنا خَبَراً
فلْيَرْحَمِ الرحْمَنُ ما كُنَّا ..
يتنفَّسَ الوادي ، وزنبقُهُ
وشَقيقُهُ ، إمَّا تَنَفَّسْنَا ..
نَبْني المَسَاءَ بجرِّ إصْبَعَةٍ
فَنُجُومُهُ من بعض ما عِفْنا ..
كُتُبي .. ومِعْزَفُكِ القديمُ هُنا
كَمْ رَفَّهَتْ أضلاعُهُ عَنَّا
وصَحَائفٌ للعَزْفِ شاحبةٌ
غَبْرَاءُ .. لا نُلْقي لها أُذْنا
هذا سِجِلُّ رُسُومِنَا .. تَرِبٌ
العَنْكَبُوتُ بَنَى له سِجْنَا ..
هذا الغلامُ أنا .. وأنتِ معي
ممدودةٌ في جانبي .. لحنا
لا .. ليسَ يُعْقَلُ أن صُورَتَنا
هذي .. ولَسْنَا من حَوَتْ لَسْنَا
***
قُلْنَا .. ونَافَقْنَا .. ودَخَّنَا
لم يُجْدِنَا كُلُّ الذي قُلْنَا ..
حَسْنَاءُ .. إنَّ شِفاهَنَا حَطَبٌ
فَلْنَعْتَرِفْ أنَّا تَغَيَّرْنَا ..
شمْع
-----
جِسْمُكِ في تَفْتيحِهِ الأرْوعِ
فانْغَرِسي في الشَمْع يا إصْبَعِي
في غابةٍ ، أريجُها مُوجَعٌ
ولوزُها .. أكثرُ مِنْ مُوجَعِ ..
كُلي شُمُوساً .. وامْضَغِي أنْجُمَا ..
لا تقنعي ، مَنْ أنتِ إنْ تقنَعي ..
وَلَقِّطي الغُرُوبَ عن حَلْمةٍ
كَسْلَى ، بغير الورد لم تُزْرَعِ
جادتْ وجادتْ ، حين شجَّعتُها
وحينَ حَطَّتْ .. لم أجِدْ أضْلُعي
مُنْزَلَقُ الإبط .. هُنا .. فاحْصُدي
حشائشاً طازجةَ المطلعِ ..
الزَغَبُ الطفلُ على أُمِّهِ
بيادراً .. فيا يدي قَطِّعِي ..
والنَهْدُ ، مِشْكَاكُ النجومِ ، الذي
شالَ إلى الله ولم يَرْجِعِ ..
عَرَفْتُهُ أصغَرَ من قَبْضَتي
أصغرَ ممَّا يدَّعي المُدَّعي
حُقاً من اللؤلؤ .. كَمْ جئتُهُ
أعجنُهُ بالجُرْح والأدْمُعِ ..
**
تَنَقَّلي ، قِطْعَةَ صَيْفٍ ، على
وسائدٍ مَمْدُودَةِ الأذْرُعِ ..
أَثَرْتِ لَوْحَاتي على نَفْسِهَا
وفَرَّ من تاريخهِ .. مَخْدَعي
والتَفَتَ الليلُ بأعصابِهِ
إلى إزارٍ .. بَعْدُ لم يُنْزَعِ..
أينَ يدي .. لا خَبَرٌ عن يدي
قَبْلَ سُقُوط الثلج كانَتْ معي ..
مِنّي
-----
إنْ رفَّ يوماً .. كتابي
حديقةً في يدَيْكِ
وقالَ صحبُكِ : شِعْرٌ
يقالُ في عينيكِ ..
لا تُخبري الوردَ عنِّي
إنِّي أخافُ عليكِ
ولا تَبُوحي بسرِّي
ومَنْ أكونُ لديكِ
ولْتقرأيهِ بعمقٍ
ولْتُسْبِلي جفنيكِ
ولْتجعليهِ بركنٍ
مُجاورٍ نهديْكِ
هذي وُرَيْقَاتُ حُبٍّ
نَمَتْ على شفتيكِ
عَاشَتْ بصدري سنيناً
لكي تعودَ إليكِ
أزرار
-----
وتلكَ بضْعَةُ أَزْرَارٍ .. لقد كَبُرتْ
على جداري .. فبيتي كلُّهُ عَبَقُ
تَعَانقتْ عند شُبَّاكي .. فيا فَرَحي
غداً .. تُسَدُّ الرُبى بالورد .. والطُرُقُ
ما هذه العُلَبُ الحمراءُ .. قد فُتِحَتْ
مع الصباحِ ، فسالَ الوَهْجُ والأَلَقُ
لي غُرْفةٌ .. في دروب الغيم عائِمَةٌ
على شريطِ نَدَىً ، تطفو وتنزلقُ
مَبْنِيَّةٌ من غُيَيْماتٍ مُنَتَّفةٍ
لي صاحبانِ بها .. العصفورُ .. والشَفَقُ
أمام بابيَ .. نَجْماتٌ مُكَوَّمةٌ
فتستريحُ لدينا .. ثم تنطلقُ ..
فللصَباح مُرُورٌ تحتَ نافذتي
وفي جوار سريري ، يرتمي الأفُقُ
كم نَجْمةٍ حُرَّةٍ .. أَمسَكْتُها بيدي
وللتطلُّعِ غيري ، ما له عُنُقُ
يُقصِّرُ الشِّعْرُ مِن عُمْري ويُتلفني
إذا سعيتُ ، سعى بي العظْمُ والخِرَقُ
النارُ في جبهتي .. النارُ في رئتي
وريشتي بسُعال اللون تختنقُ ..
نهرٌ من النار في صِدْغي يعذِّبني
إلى متي ، وطعامي الحبرُ والوَرَقُ ؟
وما عتبتُ على النيران تأكُلُني
إذا احتَرَقْتُ ، فإن الشُهْبَ تحترقُ
إني أَضأتُ .. وكم خَلْقٍ أتوا ومَضَوا
كأنُهمْ في حساب الأرض ما خُلِقُوا ..
***
غداً ستحشدُ الدُنيا لتقرأَني
ونَخْبَ شعري ، يدورُ الوردُ .. والعَرَقُ
اليومَ بِضْعَةُ أَزْرَارٍ .. ستعقُبُها أُخرى
وفي كلِّ عامٍ ، يطلعُ الورقُ ..
بلادي
-----
مِنْ لَثْغَةِ الشُحْرُور .. مِن
بَحَّةِ نايٍ مُحْزِنَهْ ..
مِنْ رَجْفَة المُوَّال .. مِنْ
تَنَهُّداتِ المِئْذنَهْ ..
مِنْ غَيْمةٍ تحبكُها
عند الغروب المَدْخَنَهْ
وجُرْحِ قِرْميدِ القُرى
المنشورةِ المزيَّنَهْ ..
مِنْ وشْوَشَاتِ نَجْمَةٍ
في شرقنا مُستَوطِنَهْ
مِنْ قصَّة تَدُورُ
بين وردةٍ .. وسَوْسَنَهْ
ومِنْ شذا فَلاحةٍ
تَعبَقُ منها (الميْجَنَهْ)
ومِنْ لُهاث حاطبٍ
عاد بفأسٍ مُوهَنَهْ ..
جبالُنا .. مَرْوَحَةٌ
للشرقِ .. غَرْقى ، ليِّنَهْ
تُوزِّعُ الخيرَ على الدنيا
ذُرانا المُحْسِنَهْ
يطيبُ للعصفور أن
يبني لدينا مسكنَهْ ..
ويغزلُ الصَفْصَافُ ..
في حضن السواقي موطنَهْ
حدودُنا بالياسمينِ
والندَى مُحصَّنَهْ
وَوَرْدُنا مُفَتِّحٌ
كالفِكَرِ المُلوَّنَهْ ..
وعندنا الصخورُ تهوَى
والدوالي مُدْمِنَهْ
وإنْ غضِبْنَا .. نزرعِ
الشمسَ سيوفاً مُؤمِنَهْ ..
***
بلادُنا كانتْ .. وكانتْ
بعدَ هذا الأزمِنَهْ ..
الخَطُّ الأَحْمَر
---------
خلالَ خمسينَ سَنَهْ
عرفتُ أَلفَ امْرَأَةٍ .. وامْرأَةٍ ..
وأَلفَ جسْمٍ رائعٍ
وألفَ نَهْدٍ نافِرٍ ..
لكِنَّني ..
لم أَخْلُطِ النساءَ بالدَفَاتِرِ
والحِبْرَ بالضفائِر
ورنَّةَ القوافي
برنَّةِ الأقراطِ والأَسَاوِرِ
فَثَمَ خَطٌّ أَحمرٌ رَسَمْتُهُ
بين العَشِيقَاتِ .. وبين الشَاعرِ ...
كأَنَّني شِرَاعْ
----------
ليلاً ، إلى شواطئِ الإِيقاعْ .
يَفْتَحُ لي ، أُفْقَاً من العَقيقْ
ولَحْظَةَ الإِبْداعْ
وجْهُكِ .. وجهٌ مُدْهِشٌ
وَلَوْحَةٌ مَائيَّةٌ
ورِحلَةٌ من أبْدَعِ الرِحْلاتِ
بينَ الآسِ .. والنَعْنَاعْ ..
*
وجْهُكِ ..
هذا الدفترُ المفتوحُ ، ما أَجْمَلَهُ
حينَ أراهُ ساعةَ الصَبَاحْ
يحملُ لي القَهْوةَ في بَسْمَتِهِ
وحُمْرةَ التُفَّاحْ ...
وجْهُكِ .. يَسْتَدْرِجُني
لآخِرِ الشِعْرِ الذي أَعرفُهُ
وآخِرِ الكَلامْ ..
وآخِرِ الوَرْد الدِمَشْقِيِّ الذي أُحبُّهُ
وآخِرِ الحَمَامْ ...
*
وجْهُكِ يا سيِّدتي .
بَحْرٌ من الرُمُوزِ ، والأسئلةِ الجديدَهْ
فهل أعودُ سالماً ؟
والريحُ تَسْتَفِزُّني
والموجُ يَسْتَفِزُّني
والعِشْقُ يَسْتَفِزُّني
ورِحْلتي بعيدَهْ ..
*
وَجْهُكِ يا سيِّدتي .
رسالةٌ رائعةٌ
قَدْ كُتِبَتْ ..
ولم تَصِلْ ، بَعْدُ ، إلى السَمَاءْ ..
وَشْوَشَة
-------
في ثغرها ابتهالْ
يهمُسُ لي : تَعَالْ
إلى انعتاقٍ أزرقٍ
حدودُهُ المُحَالْ
نَشْرُدُ تيَّاريْ شَذَا
لم يخفقا ببالْ
لا تَسْتَحي .. فالوردُ في
طريقنا تلالْ
ما دمتِ لي.. مالي وما
قيلَ ، وما يُقَالْ ..
***
وَشْوَشَةُ كريمةٌ
سخيَّةُ الظلالْ
ورَغْبَةٌ مَبْحُوحَةٌ
أرى لها خيالْ
على فمٍ يجوعُ في
عُرُوقِهِ السؤالْ ..
يهتُفُ بي عَقيقُهُ
غداً لكَ النَوالْْ
***
أنا كما وشْوَشْتِني
مُلقىً على الجبال
مخدَّتي طافيةٌ
على دمِ الزَوَالْ
زَرَعتُ ألفَ وردةٍ
فدى انفلاتِ شالْ
فدى قميصٍ أخضرٍ
يُوَزِّعُ الغِلالْ ..
قومي إلى أُرجُوحَةٍ
غريقةِ الحِبالْ
نأكلُ من كُرُومنا
ونُطعمُ السِلالْ
وأشربُ الفمَ الصغيرَ
سُكَّراً حَلالْ
إنْ ألثمِ اليمينَ منكِ
قلتِ : والشِمالْ ؟
لا تسألي : تُحبُّني ؟
كنت ولا أَزالْ
لولاكِ
------
أُفَكِّرُ .. لولاكِ
لو لم يَبُحْ عن عبيركِ عَيْبُ
لو أن اشقرارَ صباحيَ .. لم ينزرع فيه هُدْبُ ..
ولولا نعومةُ رجْليْكِ ..
هل طرَّزَ الأرضَ عُشْبُ ؟
تدوسينَ أنتِ ..
فللصبح نَفْسٌ .. وللصخر قلبُ
تُرى يا جميلةُ ، لولاكِ ، هل ضجَّ بالورد دربُ ؟
ولولا اخضرارٌ بعينيك ثَرُّ المواعيد ، رَحْبُ
أيسبَحُ بالضوء شرقٌ .؟
أيبتَلُّ باللون غربُ ؟
أكانتْ تذرُّ البريقَ الرماديَّ ، لولاكِ ، شُهْبُ ؟
أكانت ألوفُ الفراشات في الحقل ، طيباً تَعُبُّ؟
لو أنيَ لستُ أُحبُّكِ أنتِ ..
فماذا أُحِبُّ ؟
على البَيَادِر
--------
وَتَقُولينَ لي : أَجيءُ مع الضوءِ
بحُضْنِ البيادر الميعادُ ..
أنا مُلْقىً على بساط بريقٍ
حوليَ الصحوُ .. والمدى .. والحِصادُ
جئتُ قبل العبير ، قبلَ العصافيرِ ،
فللطَلِّ في قميصي احتشادُ
مَقْعَدي ، غَيْمَةٌ تُطِلُّ على الشرقِ
وأُفْقي تحرُّرٌ وامتدادُ
أتَملَّى خلفَ المسافات .. وجهاً
بَرْعَمَتْ من مُرورِه ، الأبعادُ ..
وتأخَّرتِ .. هل أعاقكِ عنّي
كُوَمُ الزَهْرِ ، أَمْ هُمُ الحُسَّادُ ؟
أم نسيتِ المكانَ حيث دَرَجْنا ؟
منزلُ الورد بيتُنا المعتادُ
والجدارُ العتيقُ وكْرُ حكايانا
إذا نحنُ في الهوى أولادُ ..
نحنُ من طرَّز المساءَ نجوماً
ولنا عُمْرُ وردةٍ .. أو نكادُ ..
وزَرَعْنَا على الجبال الدوالي
فإذا الأرضُ تحتنا أعيادُ
لم يكُنْ حُبُّكِ العميقُ ارتجالاً
هو رأيٌّ .. وفكرةٌ .. واعتقادُ ..
لا تقولي أعودُ .. بُحَّ انتظاري
حُبُّنا كان مرةً .. لا تُعَادُ
أين هُدْبٌ يمرُّ .. منسبلَ الريش
قصيفاً ، يُغْمَى عليهِ السوادُ
تَعِبَ الجُرْحُ يا مُلوّنةَ العيْنِ
وطاشَ الهُدى ، وضَلَّ الرشادُ
فاهمُري في المدى ضفيرةَ نُورٍ
يسفحِ الخيرَ ، طيفُكِ المرتادُ
وتلوحينَ .. ديمةً تعصُرُ الرزْقَ
فيجري النَدَى .. ويرضى العِبَادُ
فإذا منزلي مَسَاكِبُ وردٍ
وبثغري ، هذي القوافي الجيادُ
***
ومتى تُدْركينَ .. أنَّكِ أُنثى
عند نَهْدَيْكِ .. يُؤمنُ الإلحادُ ؟
عَلى الدَّرْب
-------
زُرْ مرةً ما أَصْبَحَكْ !
وابسُطْ عليَّ أَجْنُحَكْ
هيّأتُ قلبي .. فالْتَصِقْ
تعرفُ أنتَ مَطْرَحَكْ
طريقُكَ الوردُ فَدُسْ
وَشْْوَشَني : لَنْ يَجْرَحَكْ
سألتُ فيكَ الله يا مُعذِّبي أن يُصْلِحَكْ
إقلَعْ حبيبي .. أجرَمَ الوشاحُ حين وشَّحَكْ
واقعُدْ معي ..
أبيعُ عمري كلَّهُ كيْ أَرْبَحَكْ ..
الضَفائِر السُّود
----------
"رآها تتسرّح مرة وتنثر
الليل على كتفيها ..."
يا شَعْرَها .. على يدي
شَلالَ ضَوْءٍ أسودِ ..
ألمُّهُ .. ألمُّهُ
سنابلاً لم تُحْصَدِ ..
لا تربطيهِ .. واجعلي
على المساءِ مَقْعَدي ..
من عُمْرنا .. على مخدَّاتِ
الشذا ، لم نرْْقُدِ ..
***
وحَرَّرَتْهُ .. من شريطٍ
أصفر .. مُغرِّدِ
واستغرقتْ أصابعي
في ملعبٍ .. حُرٍّ .. نَدِي
وفَرَّ .. نَهْرُ عُتْمةٍ
على الرُخامِ الأجْعَدِ ..
تُقِلُّني .. أرجوحةٌ سوداءُ
حيرى المقصدِ ..
توزّعُ الليلَ .. على
صباحِ جيدٍ أجْيَدِ
هناكَ . طاشتْ خُصْلةٌ
كثيرةُ التَمَرُّدِ ..
تُسِرُّ لي .. أشواقَ صدرٍ
أهوجِ التنهُّدِ ..
ونَبْضةَ النهد الصغيرِ
الصاعِدِ .. المُغَرِّدِ
تَسْتَقْطِرُ النبيذَ مِنْ
لون فمٍ لم يُعْقَدِ ..
وتَرْضَعُ الضياءَ .. من
نَهْدٍ .. صبيِّ المولِدِ
***
قد نلتقي في نجمةٍ
زَرْقَاءَ .. لا تَسْتَبْعِدي
تَصوَّري .. ماذا يكونُ العُمْرُ
لو لم تُوجَدي !
دَوَّرْنا القَمَر
--------
جُعْتُ .. وجَاعَ المُنْحَدَرْ
ولا أزالُ أنتظِرْ ..
أنا هُنا وحدي .. على
شرقٍ رماديِّ السُتُرْ
مُسْتلقياً على الذُرى
تلهثُ في رأسي الفِكَرْ
وأرقُبُ النوافذَ الزُرْقَ
على شوقٍ كَفَرْ ..
أقولُ : ما أعاقَها
فستانُها .. أم الزَهَرْ ؟
أم وردةٌ تَعلَّقتْ
بِذَيْلِ ثوبِها العَطِرْ؟
أم الفراشاتُ .. ترامتْ
تحت رجليْها .. زُمَرْ ؟
وأقْبَلَتْ .. مَسْحُوبةً
يخضرُّ تحتها الحَجَرْ ..
ملتفَّةً بشالها
لا يرتوي منها النَظَرْ
أَصْبَى من الضوء ..
وأصفى من دُمَيْعاتِ المطَرْ
تُخْفي نُهَيْداً .. نِصْفُهُ
دارَ .. ونِصْفٌ لم يَدُرْ
قالتْ : صباحَ الوردِ ..
هذا أنتَ ، صاحبَ الصِغَرْ؟
ألا تزالُ مثلما
كنتَ .. غلاماً ذا خَطَرْ ؟
تجعلني .. على الثرى
لُعْباً .. وتَقْطيعَ شَعَرْ ..
فإنْ نهضْنَا .. كانَ في
وُجُوهنا ألفُ أثَرْ
زمانَ طَرَّزْنَا الرُبى
لَثْماً .. وألعاباً أُخَرْ
مُخَوِّضَيْنِ في الندى
مُغَلْغِلَيْنِ في الشجَرْ
أيَّ صبيٍّ كنتَ .. يا
أَحَبَّ طفلٍ في العُمُرْ ؟
***
قلتُ لها : اللهَ ..
ما أكْرَمَها تلك الذِكَرْ
أيَّامَ كنَّا .. كالعصافير
غناءً .. وسَمَرْ
نسابقُ الفراشةَ البيضاءَ
ثمَّ ننتصِرْ
وندفَعُ القواربَ الزرقاءَ ..
في عَرْضِ النَهَرْ ..
وأخطُفُ القُبْلَةَ من
ثغرٍ .. بريءٍ .. مُخْتَصَرْ ..
ونكسِرُ النُجُومَ .. ذَرَّاتٍ
ونُحصي ما انكسَرْ ..
فيستحيلُ حولَنا
الغروبُ .. شَلالَ صُوَرْ
حكايةٌ نحنُ .. فعندَ
كلِّ وردةٍ خَبَرْ !..
***
إنْ مرةً .. سُئِلتِ قُولي :
نحنُ دَوَّرنَا القَمَرْ ..
سُؤَال
--------
تقولُ : حبيبي إذا ما نَمُوتُ
ويُدْرَجُ في الأرض جثمانُنَا
إلى أيّ شيءٍ يصيرُ هوانا
أيَبْلى كما هي أجسادُنا ؟
أَيتلَفُ هذا البريقُ العجيبُ ؟
كما سوف تتلفُ أعضاؤنا
إذا كان للحُبِّ هذا المصيرُ
فقد ضُيِّعَتْ فيه أوقاتُنا
***
أجبتُ : وَمَنْ قالَ إنَّا نموتُ ؟
وتنأى عن الأرض أشباحُنا
ففي غُرَفِ الفجر يجري شذانا
وتكمُنُ في الجوَ أطيابُنا
نُفيق مع الورد صُبْحاً ، وعند
العشيَّاتِ تُقْفَلُ قمصانُنا
وإن تنفخِ الريحُ طيَّ الشُقُوقِ
ففيها صَدَانا وأصواتُنا
وإن طنَّنتْ نَحْلةٌ في الفراغ
تطنُّ مع النَحْلِ قُبْلاتُنا ..
***
نموتُ .. أما أسَفٌ أن نموتَ؟
وما يَبِسَتْ بَعْدُ أوراقُنا
يقولونَ : من نحنُ ؟ نحنُ الذينَ
حَرَامٌ إذا ماتَ أمثالُنا
ندوسُ فتمشي الطريقُ غلالاً
وتُنْمِي الحشائشَ أقدامُنا
سيسألُ عنَّا الرعاةُ الشيوخُ
وتبكي العصافيرُ .. أصحابُنا
سيخسَرُنا الحُرْجُ والحاطبونَ
وتكسَدُ في الأرضِ أخشابُنا
غداً .. لن نمرَّ عليهم مساءً
ولن تملأ الغابَ نيرانُنَا
وزُرْقُ الحَسَاسين مَنْ بَعْدنَا
سَيُطعمُها ، وهْيَ أولادُنا
وفَرْشَتُنَا ، كُورُنا في الشتاء
بها اللّفْلَفَاتُ .. وألعابُنا
أنترُكُها .. كيفَ نترُكُها ؟
وما أُرهِقَتْ بعدُ أعصابُنا
ومخبأنا في السياج العتيقِ
تدورُ .. تدورُ .. حكاياتُنا
وأنتِ بقلبيَ ملصُوقَةٌ ..
يطولُ على الأرض إغماؤنا
***
سنبقى .. وحين يعود الربيعُ
يعود شَذَانا .. وأوراقُنا ..
إذا يُذْكَرُ الوردُ في مجلسٍ
مع الورد ، تُسْرَدُ أخبارُنا ..
شَرق
-----
كُسِرَتْ جِرَارُ اللونِ .. موعدُنا
في الغَيْم .. تحت نوافذ الشَرْقِ
بمرافئ الفيروز .. رحلتُنا
وعلى سُتُور المغْرِبِ الزُرْقِ
ومع العبير تسوحُ فَرْشَتُنا
وَرْدِيةً .. عطريّةَ الخَفْقِ ..
وطعامُنا وَرَقُ الورودِ .. وما
في الليل ، من نَغَمٍ ومن عِشْقِ
***
أَحْرَقَتِني .. ومضيتِ كاذبةً
قولي ، أتلتذِّينَ في حَرْقي ؟
عُمْري يُبَاحُ لمئزرٍ خَضِلٍ
ثرِّ المواسم ، غامر الرزْقِ
أَفدي وراءَ الوَهْم .. قادمةً
كالضوء ، من تَرَفٍ ومن ذَوْقِ
قَبْلَ المجيء .. أشُمُّ فِكْرَتَها
وأُحِسُّ خطوتَها على عِرْقي
***
يا تَوْبَتي .. وهواكِ يأكلني
صعبٌ بأنْ تتجاهلي شوقي
مُرّي .. بجوع بيادري كَرَماً
وتَقَطَّري سُحُباً .. على أُفْقي ..
مِن كَوّةِ المَقْهَى
----------
"مرّتْ كزوبعة العطر...
تاركةً في جو المقهى خيطاً
من عبير..."
لا تُسْرعي .. فالأرضُ منكِ مُزْهِرهْ
ونحنُ في بُحَيْرةٍ مُعَطَّرَهْ ..
إلى صديقٍ ، أم تُرى لموعدٍ ؟
تائهةً كالفكرةِ المُحَرَّرهْ
والبَسْمةُ النَعْمَاءُ .. فوق مبسمٍ
مُسْتَرْطِبٍ ، تخجلُ منهُ السُكَّرهْ
أم أنتِ لا تبغينَ مثلي وجهةً
فتضربينَ في المَدَى مُسْتَهْتِرَهْ
إذا أردتِ الدفءَ .. عندي مقعدٌ
في هذه الزاويةِ المفكِّرهْ
***
مَنْ علَّم النجومَ كيف تحتفي
بهذه المُلْتَفَّةِ المُزَنَّرَهْ ؟
على جروحي .. نَقْلَةً فنَقْلةً
تقلَّبي ، حديقةً مُخْضَوْضِرَهْ
تَدَفَّقي شَلالَ عطرٍ .. والعبي
على نُجُوم المَغْربِ المُكَسَّرهْ
تَنَبَّهَ المقهى لخيطٍ خيِّرٍ
من الشذا .. ترميه ساقٌ خيِّرَهْ
مهموسةُ الإيقاع .. يا لجوقةٍ
صادحةٍ .. صائحةٍ .. مُعَبِّرهْ ..
ويغزلُ اللهيبَ حولي جَوْرَبٌ
جُنَّ على رخامةٍ مُشَمِّرَهْ
***
من رَبْوَةٍ شقراءَ .. جاءتْ نَفْضَةٌ
دفيئةٌ .. شهيَّةٌ .. مُعَطَّرهْ ..
تنقل لي من نهدها .. رسالةً
غريقةً بالطيب ، ريّا ، مُزْهِرهْ ..
غنيّةَ المرور .. مثلَ هذه
فلتكنِ الرسائِلُ المُحَبَّرهْ ..
لو تقبلينَ دَعْوَتي .. فإني
مُحَيَّرٌ يبحثُ عن مُحَيَّرَهْ ..
أقضُمُ من لفافتي مقاطعاً
وأَحتسي أخيلةً وأبخِرهْ
ما ضرَّ لو شاركتني مائدتي
في هذه الخَمَّارةِ المثرثرِهْ
لا تسألي ما اسمُكَ ؟ ما أنتَ ؟ أنا
رطوبةُ القبو .. وصَمْتُ المقبرَهْ ..
شمعَة وَنَهْد
---------
يا صاحبي في الدفءِ
إنّي أُختُكَ الشَمْعَهْ
أنا.. وأنتَ.. والهوى
في هذه البقْعَهْ ..
أُوزِّعُ الضوءَ .. أنا
وأنتَ للمتْعَهْ ..
في غُرفةٍ فنَّانةٍ
تلفُّها الرَوْعَهْ
يسكُنُ فيها شاعِرٌ
أفكارُهُ بِدْعَهْ
يرمُقُنا .. وينحني
يخطُّ في رُقْعَهْ ..
صنْعَتُه الحرفُ .. فيا
لهذه الصنْعَهْ..
يا نَهْدُ .. إني شَمْعَةٌ
عراءُ .. لي سُمْعَهْ
إلى متى ؟ نحنُ هُنا
يا أشقَرَ الطَلْعَهْ..
يا دَوْرَقَ العطورِ .. لم
يَترُكْ به جُرْعَهْ
أحَلْمةٌ حمراءُ .. هذا
الشيءُ .. أم دمْعَهْ؟
أطْعَمْتُهُ .. يا نَهْدُ قلبي
قِطْعَةً.. قِطْعَهْ..
***
تلفَّتَ النهدُ لها
وقالَ : يا شَمْعَهْ !.
لا تبخلي عليه مَنْ
يُعطي الوَرَى ضِلْعَهْ ..
إلى سَاق
--------
"نزلت من السيارة بحركة طائشة
فانزاح سِتْر... وعربدت ثلوج...
ثم استرَّتْ في مقعدٍ وثيرٍ صالبةً
ساقيها..."
يا انْضِفَارَ الرخام.. جاعَ بيَ الجوعُ
لدى رَفَّةِ الرِدَا المسْحُوبِ ..
قيلَ : ساقٌ تَمُرُّ .. وارتجفَ الفُلُّ
حبالاً ، على طريقٍ خصيبِ ..
إنَّها طفلةٌ سَمَاويَّةُ العَيْن..
بِفيها ، بعدُ ، اخضلالُ الحليبِ
عَرْبَدَتْ ساقُها .. نُهَيْرَ أناقاتِ
وسالَ البريقُ في أُنْبُوبِ ..
***
أُقْعُدي .. بُرْعُمي الصغيرَ .. استقرّي
بعروقي .. بجفنيَ المتعوبِ..
أَيُّ إِثميْنِ أَشْقَرَيْنِ .. تَمُدّينَ..
أضيفي إلى سِجِلِّ ذُنُوبي
ولدى الرُكْبَتَيْنِ .. تعوي شراهاتي
على ثَنْيَةِ اسمرارٍ رهيبِ..
يا صليبَ الإغراء.. من خُصْلَتيْ زهرٍ
شفاهي لمسْحِ هذا الصليبِ
يا دُرُوبَ الحرير .. ماتتْ مسافاتي
وقالت : لقد تعبتُ. دُرُوبي
***
إذهبي . غَيِّري مكانَكِ .. إخفي
تَرَفَ الساق .. أنتِ أصلُ شُحُوبي
أدْخليها لوَكْرِها .. كُلُّ عِرْقٍ
من عروقي يصيحُ : أينَ نصيبي ؟
حَلَمة
-----
تهَزْهَزي .. وثُوري
يا خُصْلةَ الحريرِ
يا مَبْسم العُصْفُور .. يا
أُرجُوحَةَ العبيرِ..
يا حرفَ نارٍ .. سابحاً
في بِرْكَتيْ عُطُورِ
يا كِلْمةً مهموسةً
مكتوبةً بنُورِ..
سمراءُ .. بل حمراءُ .. بل
لوَّنها شعوري
دُمَيْعةٌ حافيةٌ
في ملعبٍ غميرِ..
أم قُبْلةٌ تجمَّدَتْ
في نهدكِ الصغيرِ
وارتسمتْ شرارةً
مُخيفةَ الهديرِ..
مِظَلَّةٌ شقراءُ .. فوقَ
قسوةِ الهجيرِ..
مَلْمُومَةٌ .. مَضْمُومَةٌ
فِضيَّةُ السريرِ..
إبريقُ وهجٍ .. عالقٌ
بهضْبَتَيْ سُرورِ
أم أنتِ شُبَّاكُ هوى
مُطرَّزُ السُتُورِ ..
مزروعةٌ قلعَ دمٍ
ملوّنَ المرورِ ..
فراشةٌ.. مغطوطةُ
الجناح في غديرِ..
ونجمةٌ مكسورةُ الريشِ
على الصخورِ..
دافئةٌ.. كأنَّها
مَرَّتْ على ضميري
***
يا حَبَّةَ الرُمّانِ .. جُنّي
والْعَبي .. ودُوري ..
ومَزِّقي الحريرَ .. يا
حبيبةَ الحريرِ..