من ملفات الطب الشرعي

Gabriel

بيلساني مجند

إنضم
Jul 15, 2010
المشاركات
1,320
مستوى التفاعل
67
المطرح
مرة هون ومرة هنيك حسب
رائع
موضوع جميل
وننتظر المزيد
:24:
 

king*

بيلساني محترف

إنضم
Mar 31, 2009
المشاركات
2,681
مستوى التفاعل
28
المطرح
in damascus
متابع معك
يعطيكي العافية
 

RaNoSh

رنوشة البيلسان

إنضم
Oct 4, 2008
المشاركات
3,491
مستوى التفاعل
46
المطرح
♥ في مملكتي الخاصة ♥
رسايل :

الحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه <3

القصة الثالثة


جثة بوجه أزرق


عندما توقفت سيارة الأجرة أمام باب الإسعاف ، هرع الكادر الطبي المسعف في المستشفى إلى خارج الإسعاف و يدفعون أمامهم عربة نقل المرضى ، و فوراً وضعوا جسد أحمد المرتخي على العربة و دفعوها إلى داخل قسم الإسعاف و عندما فحصه طبيب الإسعاف أدرك أن أحمد قد فارق الحياة و لكنه قام بإجراء عدة صدمات كهربائية للقلب مع إجراء تنفس صناعي و حقن بعض الإبر الإسعافية في محاولة يائسة لإعادة الحياة له .. و لكن كل ذلك لم يغير من اللحظة اليقينية للموت و على الفور تم إخبار قسم الشرطة بالوفاة ليصار إلى إحضار هيئة الكشف القضائية .

ذكريات اللحظة الحرجة

جلس أسعد شقيق أحمد في بهو مركز الطب الشرعي و علامات الحزن بادية عليه فتارة يبكي شقيقه الميت و تارة يبتسم عندما يتذكر اللحظات التي قضاها مع أخوه في ساحات القرية و مروجها و بيادرها و هما يلعبان مرات و يتشاجران مرات أخرى كانت فيها أمهما دائماً تتعاطف مع طفلها المدلل أحمد ، و تعتبر أسعد ( الأخ الأكبر ) هو المسؤول عن حزن و غضب أحمد ..
أجل ليته يعود و لن يتذمر ثانية من أمه التي تنحاز دائما لطفلها المدلل .. فهذه المرة لن يغضب و لن يتأفف فأحمد أخوه و صديقه و كل طفولته و شبابه فكم من مرة شعر بالغيرة من حب والديه لذلك المدلل الصغير و لكنه الآن يقسم ألف مرة أنه لن يتأفف أو يتذمر .. و لكن مرارة اللحظة أعادته مرة أخرى لليقين بأن لحظة الفراق قد فرضت نفسها .. فأجهش بالبكاء عالياً .

من قطف زهرة شبابه ؟

وصلت هيئة الكشف القضائية المشكلة من قاضي التحقيق و الطبيب الشرعي و الكاتب العدلي ، و قبل الكشف الطبي الشرعي على الجثة استدعى القاضي أسعد شقيق المتوفى ليستمع إلى إفادته حيث قال : أحمد يعمل لدى مزارع في منطقتنا يدعى ياسر و قد ترك العمل لديه و عاد باكراً إلى البيت صباح هذا اليوم ، و بعد أن سألته أمي عن آثار الدماء التي على وجهه قال بأنه تشاجر مع صاحب العمل ولكنه رفض أن يتحدث إلينا عن التفاصيل ودخل مسرعاً إلى غرفته ، وبعد ذلك بحوالي ساعة من الزمن دخلت إليه أمي لتطمئن عليه فسمعت صراخها : أسعااااااااااد تعال شوف أخوك فأسرعت إليه ووجدته يأخذ النفس بصعوبة و وجهه أزرق محتقن و كأنه يختنق .. وضعته في السيارة و أحضرته إلى هنا حيث أخبروني أنه فارق الحياة ..
الله ينتقم منه .. لقد قتله و هو في زهرة شبابه .. الله هو المنتقم الجبار ..
القاضي : لماذا تعتقد أن ياسر ضرب أخاك و قتله ؟
أسعد : لا أعرف بالضبط لكن أخي أسرَّ لي مرة بأنه معجب بابنة ياسر ، و ربما عرف أبوها بالأمر و ضربه من أجل ذلك .
وبعد أن ادعى أسعد على ياسر بتهمة التسبب بالوفاة قام القاضي بتوجيه كلمات المواساة و التعزية لأسعد مهدئاً إياه : ليرحمه الله و يلهمك الصبر و السلوان .

رسالة الجسد المسجى

بعد أن دخلت هيئة الكشف القضائية إلى قسم البراد في مركز الطب الشرعي بدأ القاضي بتوصيف الجثة حيث لاحظ وجود عدة آثار لسحجات على الجبين و الخد الأيسر و الذقن مع وجود احتقان أزرق اللون على الوجه و الرقبة و نهايات أصابع اليدين . ثم طلب من الطبيب الشرعي د.هشام تقديم خبرته مخولاً إياه بتشريح الجثة إذا لزم الأمر و ذلك بعد تذكيره باليمين القانونية .
أما الطبيب الشرعي هشام فراح يسجل خبرته الأولى : ستة سحجات هلالية ظفرية المنشأ حديثة متوضعة على القسم السفلي من الجانب الأيسر للجبين و أسفل الذقن و على ظهر اليد اليسرى مع وجود ثلاث كدمات زهرية اللون أكبرها تقيس (1×5 سم ) متوضعة على جانبي الرقبة ناجمة عن شد الثياب مع وجود تضيق في حدقتي العينين بمقدار 25 % عن الحد الطبيعي .
و بعد الانتهاء طلب الإذن بتشريح الجثة نظراً لعدم وضوح سبب الوفاة
و هنا نادى قاضي التحقيق على الكاتب أمجد قائلاً : اكتب يا ابني .. القاضي أقر السماح للدكتور هشام بتشريح الجثة و إجراء ما يلزم .

حرض العمال على الإضراب

استدعى القاضي ياسر رب العمل بمذكرة إحضار فورية بتهمة التسبب بوفاة العامل أحمد و بعد أن جلس ياسر أمام قاضي التحقيق و علامات القلق و الخوف و التوتر بادية عليه ،
نظر إليه القاضي نظرة خاطفة قائلاً: لقد تم الادعاء عليك بتهمة قتل أحمد و عليك أن تخبرنا بالتفصيل الممل ما حدث معك بالضبط .
قال ياسر: ( ليش بدي اقتلو .. ما في شي بيني و بينو ) ،و هو يعمل عندي منذ حوالي سنة و نصف تقريباً بأعمال مختلفة و بفترات متقطعة حسب الموسم و صحيح أنه قد حصلت بيننا مشادة كلامية و لكنني لم أقتله .
القاضي : و لكن وجدت عدة جروح على وجهه ؟
رد ياسر و قد ازداد قلقه : صدقني لا أعرف ماذا حدث .. ربما .. و لكن لم أقتله و لم أنوي ضربه أو المشاجرة معه و لكن لا أدري كيف تطور الموضوع إلى هذه الدرجة حتى أنه خدشني .. انظر إلى وجهي ألا تلاحظ عليه آثار خدوش .
القاضي : أتقصد أنك ضربته دفاعاً عن نفسك .
ياسر : صدقني أنا لا أعرف كيف وصل الموضوع إلى هذه الدرجة و لكني بكل الأحوال لا أذكر أني ضربته ضرباً عنيفاً و حتى أنني لم أكن أنوي طرده من العمل فهو بالرغم من مشاكساته و مضايقاته لي إلا أنه قبضاي و صاحب ضمير و يمكن الاعتماد عليه و الوثوق به .
سأله القاضي و هو يقلب الأوراق التي أمامه : لقد وصلتنا معلومات بأن أحمد على علاقة حب مع ابنتك و ينوي الزواج منها .
ياسر : مين ؟ بنتي أنا .. مو معقول .
القاضي : ليش مو معقول ؟
ياسر : لأنو أحمد أجير عندي ولا يجرؤ على التفكير بذلك .
القاضي : لماذا لايجرؤ ؟
ياسر : لأنني لا يمكن أن أوافق .
قاطعه القاضي بسرعة : أنت تعترف أن الموضوع يزعجك لذلك قمت بضربه حتى تهينه و تؤدبه .
فصمت ياسر و علامات الاستغراب على وجهه ، و استطرد القاضي إذاً أخبرنا لماذا تشاجرت معه ؟
ياسر : لقد طلب مني زيادة أجرة ساعات العمل فرفضت ، و قال بأنه سيترك العمل عندي ، و بعد أن شعر بعدم مبالاتي بذلك بدأ بتحريض العمال على ترك العمل مما استفزني و زاد غضبي ، فحصلت ملاسنة كلامية بيني و بينه و لا أعرف كيف وصلت الأمور إلى هذه الدرجة .
القاضي موجهاً الكلام إلى الكاتب : تابع .. القاضي أقرر : توقيف ياسر على ذمة التحقيق .
و هنا بدأ ياسر يبلع ريقه بصعوبة و كأنه في حلم مزعج فهو لم يفهم ما حدث و لكن حقيقة أن أحمد قد مات منعته من الكلام .

الباب يتسع لجمل

قام قاضي التحقيق باستدعاء عدد كبير من العمال حيث أفادوا جميعهم بأنه وقعت مشادة كلامية بين صاحب العمل و أحمد الذي طالب بزيادة أجرة ساعات العمل و لكن صاحب العمل رفض بشدة و أخبره بأنه يمكنه ترك العمل إذا لم يعجبه الأجر ، و لكن أحمد بدأ بتحريض العمال على الإضراب الجماعي و قال لهم بأن ياسر سوف يخضع لإرادتهم و يقوم برفع الأجر إذا اتحدوا و أبدوا موقفاً واحداً و هو مضطر لذلك لأنه بحاجة لعدد كافٍ من العمال ليقوم بإنهاء رش الأشجار بمبيدات الحشرات بسرعة ، و خلال هذا الوقت سيجد صعوبة بإحضار عمال من القرى المجاورة أو من المدينة و هذا سيكلفه وقتاً و جهداً و مصاريف إضافية ، و أثناء تنقل أحمد بين العمال الذين يقومون برش المبيدات الحشرية في محاولة منه لإقناعهم بفكرته وصل الخبر إلى ياسر فنزل مسرعاً إلى البستان والغضب يتفجر منه وطلب من أحمد الخروج فوراً من الأرض و هدده بالاتصال بشرطة الناحية إذا لم يفعل ذلك و أثناء ذلك تبادلا الشتائم و تطور الموضوع إلى عراك بالأيدي و بعد ذلك همَّ العمال إليهما لفض الشجار و غادر أحمد المكان و ارتفع صوت ياسر قائلاً : روح شوف إذا كان فيك تلاقي شغل عندي أو عند غيري والله لخليك تموت من الجوع
و صرخ بوجه العمال : يلي مو عاجبو منكم الوضع يلحقو .. الباب بفوت جمل .

تقرير الطبيب الشرعي

حضر د.هشام بعد يومين إلى مكتب قاضي التحقيق مصطحباً تقرير الطب الشرعي النهائي الذي يبين مايلي : لقد أظهر فحص الجثة الخارجي وجود تضيق متناظر بحدقتي العينين مع زرقة احتقانية شديدة في الوجه و الرقبة و على أعلى الصدر و في نهايات أصابع اليدين و أظهر تشريح الجثة وجود احتقان مع وذمة شديدة في الرئتين مع احتقان بالسحايا و النسيج الدماغي مع وجود نزوف نقطية في المادتين الرمادية والبيضاء في الدماغ مع وجود نزوف احتقانية و احمرارية في مخاطية المعدة و الأمعاء الدقيقة و أظهرت نتائج التحاليل السمية للدم و الأنسجة وجود ارتفاع كبير بمادة الأستيل كولين و بناء على ذلك فإن سبب الوفاة المباشر هو القصور التنفسي الحاد الناجم عن التسمم بمركبات الفوسفور العضوية التي تستخدم كمبيد حشري زراعي .
بعد أن انتهى القاضي من قراءة التقرير نظر إلى د.هشام و قال له إذاً أنت تقصد أن أحمد قضى متسمماً .
د.هشام : نعم .
القاضي : و بماذا تفسر السحجات الظفرية و الكدمات التي ذكرتها في تقريرك الأولي و ما تأثيرها على الوفاة ؟
د.هشام : لقد أوضح التشريح أن تلك السحجات و الكدمات بسيطة و سطحية و لا يمكن أن تكون سبباً في الموت ،
و تابع د.هشام قائلاً : هل ظهر في ظروف و مجريات التحقيق ما يشير إلى تعرض أحمد لمركبات الفوسفور العضوية .
القاضي : نعم لقد كان من المفترض أن يعمل أحمد صباح ذلك اليوم في رش المبيدات الحشرية و لكنه ترك العمل إثر شجار مع صاحب العمل و ذهب إلى منزله و البقية تعرفها ،و لكن أحمد لم يعمل ذلك اليوم فكيف حدث التسمم لديه ؟.. و هل يمكن أن يكون التسمم حدث بقصد الانتحار ؟
د.هشام : لا أعتقد ذلك لأن الفحص السمي لمحتويات المعدة أظهر عدم وجود هذه المادة و الانتحار بمبيدات الحشرات يكون عادة بتناول هذه المادة عن طريق الفم .
و هنا طلب القاضي من الكاتب إعطاء ملف الدعوى للدكتور هشام للإطلاع على ظروف التحقيق لمحاولة تفسير ما توصل إليه الطب الشرعي من نتائج ، و بينما بدأ د.هشام بقراءة ملف الدعوى انشغل القاضي بدراسة ملف دعوى أخرى .

حل اللغز

بعد دراسة ملف الدعوى و أقوال الشهود و ظروف الحادثة قال د.هشام : عندما رفض أحمد العمل و بدأ يتنقل بين العمال أثناء عملهم لمحاولة إقناعهم بترك العمل كان يتعرض خلال تلك الفترة لرذاذ المبيدات الحشرية و هو مكشوف الرأس و اليدين حيث أنه لم يتخذ الاحتياطات اللازمة لحماية نفسه على اعتبار أنه لن يعمل و هذا جعله يتعرض لكميات كبيرة من الرذاذ على يديه و رأسه و ثيابه ، و عندما ذهب إلى البيت دخل غرفته مسرعاً و لم يقم بغسيل جسده أو تبديل ثيابه و هذا سمح بامتصاص السم عن طريق الجلد ببطء .
القاضي : و هل يمكن للسم الممتص عن طريق الجلد أن يكون مميتاً .
د.هشام : نعم لأن طول فترة تماس جلد أحمد مع الرذاذ السمي المتوضع على الأجزاء المكشوفة من جسده و المتشرب في أنسجة ثيابه جعل الجسم يمتصه عبر الجلد حتى وصل لدرجة أصبح فيها تركيزه قاتلاً .


مـنـقـــــول
مجلة عالم الصحة
بقلم الدكتور بسام يونس المحمد
اختصاصي طب شرعي - حمص

 

دموع الورد

رئيس وزارء البيلسان

إنضم
Dec 19, 2009
المشاركات
13,384
مستوى التفاعل
139
المطرح
هنْآگ حيثّ تقيأت موُآجعيّ بألوُآنْ آلطيفّ..
رسايل :

يااارب انا في قمة ضعي وفي عز احتياجي اليك فكن معي

الله يجيرنا من هيك قصص بس للأسف اغلبها واقعية

يعطيك الف عافية صديقتي

متابعة بأذن الله

 

RaNoSh

رنوشة البيلسان

إنضم
Oct 4, 2008
المشاركات
3,491
مستوى التفاعل
46
المطرح
♥ في مملكتي الخاصة ♥
رسايل :

الحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه <3

القصة الرابعة


آباء لا يأكلون الحصرم


دخل المساعد أمجد إلى رئيس قسم الشرطة و قال له : لقد وردنا اتصال هاتفي من شخص يدعى سعيد يقول بأن ابنة أخته سارة بعمر 11 سنة ماتت مقتولة منذ يومين و دفنت في مقبرة القرية .
ردَّ رئيس القسم : استدعه فوراً ليتقدم بادعاء خطي ثم حول هذا الادعاء إلى النيابة العامة ليتم أخذ الإجراءات اللازمة ، و خلال ذلك استدعى رئيس القسم عناصر البحث الجنائي لديه و أمرهم بالبدء بالاستقصاء فوراً في القرية عن أصل هذه الرواية و جمع المعلومات بسرعة .


أصل الحكاية

سارة طفلة بعمر 11 عاماً تعيش مع أبيها و زوجته بعد أن وقع الطلاق بين والديها ، ثم سافرت أمها إلى خارج القطر بعد أن تزوجت و تشير كل التحريات من الأقارب و الجيران أنها كانت تتعرض لمعاملة سيئة من قبل والدها و زوجته و لا تخلو من الضرب الشديد و المؤذي أحياناً .​


هيئة الكشف القضائية

بعد أن اطلع قاضي التحقيق على ظروف الحادثة طلب الأذن من المحامي العام بنبش القبر ثم اتجه فوراً إلى مقبرة القرية برفقة الطبيب الشرعي و الكاتب العدلي و عناصر شرطة المخفر في القرية و بعد أن تم نبش القبر و استخراج الجثة . طلب الطبيب الشرعي د.هشام نقل الجثة إلى مركز الطب الشرعي ليتم إجراء التصوير الشعاعي و التشريح .​


مجريات التحقيق

استدعى القاضي والد الطفلة سارة إلى مكتب رئيس المخفر في القرية ليباشر التحقيق معه فوراً نظراً لحساسية الموقف و ضرورة الإسراع بمجريات التحقيق .
القاضي : أنا أعرف مقدار حزنك و ألمك .. و لكن كل المعطيات لدينا تقول بأنك دائماً كنت تضرب ابنتك سارة بقسوة و على مرأى من الناس أحياناً .
الوالد : صحيح يا سيدي .. و لكنني كنت أضربها ضرب الأب لولده بقصد التربية و التوجيه .
القاضي : مو صحيح هالحكي ..
الوالد : إذا كان هذا الكلام من خالها ، فأنت تعرف أن سبب ذلك هو العداوة التي نشأت بيننا بعد أن طلقت أخته و أخذت الحضانة منها لأنها تزوجت و سافرت خارج القطر كما تعرفون .
رفع القاضي صوته قائلاً : يمكن أن تكون يا جمال قد ضربت ابنتك ضربة مؤذية بدون قصد و ماتت و هذا قد يحدث .. و ربما باعترافك تتفهم المحكمة هذا الأمر .
الوالد : أعوذ بالله يا سيدي و هل يعقل أن أقتل ابنتي .
القاضي : أنا أقول ربما ضربتها بقوة نتيجة ثورة غضب و لم تكن تقصد قتلها .
الوالد : لا يا سيدي فأنا لا يمكن أن أفعل ذلك .
القاضي : ربما زوجتك فعلت ذلك .
صمت قليلاً ثم ردَّ بكلام متقطع و بلهجة مضطربة .. لا يا سيدي فزوجتي تحبها و ترعاها مثل ابنتها .
القاضي : و لكن الجيران كلهم قالوا عكس ذلك و شهدوا بأنك و زوجتك تضربانها دائماً .
الوالد : أنا لم أنكر يا سيدي و لكن ضربنا لها مثل كل العائلات التي تضرب أولادها لتردعهم و تقوِّم سلوكهم .
القاضي : شوف يا جمال ، ابنتك ماتت و لم يعد يجوز عليها إلا الرحمة ، و لكن إذا كنت تكذب علي و لا تقول الحقيقة سيكون عقابك عسيراً .
قال جمال بصوت متقطع : و ماذا عن خالها الذي ادعى علي ؟
القاضي : هذا كلام آخر يا جمال .. نحن نعرف شغلنا .. أنتَ خليك بحالك و بس .
استطرد القاضي : قلت لي أن ابنتك ماتت منذ يومين و قمت بدفنها .
الوالد : أجل يا سيدي .
القاضي : كيف حصلت على شهادة الوفاة ؟ و من منحك إياها ؟
الوالد : طبيب القرية يا سيدي .
القاضي : و هل قام بفحصها ؟
اصفر وجه جمال و قال : نعم يا سيدي .
قال القاضي : لن أقوم بتوقيفك على ذمة التحقيق احتراماً لمشاعرك و لظروف العزاء ، و لكن إذا أظهر التحقيق و تقرير الطبيب الشرعي عكس ما تقول فأنت تعرف الباقي ..
الوالد : حاضر يا سيدي ..
تحرك جمال باتجاه الباب ، فباغته القاضي بسؤاله : و هل الطبيب موجود في القرية ؟
الوالد : نعم .. فهو يأتي صباح كل يوم إلى عيادته و يغادر عند العصر .
علق القاضي : جمال أنت قلت أن ابنتك ماتت عند المغرب و قمت بدفنها قبل حلول الليل و تقول الآن أن الطبيب يغادر عصراً و يأتي صباحاً ... فكيف قام بفحصها قبل الدفن ؟
تسمر جمال في مكانه و اصفر لونه و بدأ العرق يتصبب منه و ابتلع ريقه و صمت دفعة واحدة ..
القاضي : اذهب الآن و لا تغادر القرية إطلاقاً تحت طائلة المسؤولية .​


التحقيق مع طبيب القرية

استدعى القاضي طبيب القرية الذي حضر فوراً ، و سأله القاضي عن قصة موت سارة و كيف منحها شهادة الوفاة ..
فقال الطبيب : الحقيقة أني أتيت صباحاً إلى القرية و حضر إليَّ جمال مع المختار و علمت منهما أن ابنته ماتت البارحة و أنهم قاموا بدفنها بسرعة لأن إكرام الميت بسرعة دفنه ..
و حاولت الامتناع عن إعطاء شهادة الوفاة و لكنني استجبت لطلبه محرجاً فأنت تعرف وضعي في القرية و علاقتي بالناس و فهمت من كلام والدها أنها كانت تعاني من قصة ربو مزمن و توقعت أنها ماتت بشكل مفاجئ إثر نوبة ربوية ثم استطرد الطبيب قائلاً : و لكن هل يمكن أن أعرف ما القضية يا سيدي ؟
القاضي : لقد تقدم خال الطفلة سارة بادعاء إلى النيابة العامة يقول فيه أن الطفلة ماتت مقتولة .
اصفر الطبيب و شحب لونه و تصبب منه العرق و صمت .
توجه القاضي إليه بالكلام بصوت ملؤه العتب و الأسف : يمكنك الذهاب الآن و لكن قد نقوم باستدعائك مرة أخرى إذا ظهرت مستجدات في التحقيق .​


التحقيق مع المختار

حضر المختار فوراً إلى مخفر القرية بناء على استدعاء قاضي التحقيق و أفاد بكلام مطابق لما ذكره طبيب القرية .
فقال له القاضي : لماذا ذهبت مع جمال إلى طبيب القرية .
المختار : لقد حضر إليّ جمال ليسألني عن طريقة الحصول على شهادة الوفاة فأخبرته أنه بوجود طبيب في القرية لا يمكن لي أن أمنحه شهادة وفاة و طلب مني مرافقته إلى الطبيب بحكم أني أمون عليه ..
القاضي : حسناً .. ألا تعرف أيها المختار بأن هناك تعميم يقول بأنه لا يجوز دفن الميت قبل مضي ثمان ساعات صيفاً و عشر ساعات شتاءً على وفاته و على ما أعتقد إن هذا التعميم قد وصل إلى كل مكاتب الدفن و المخاتير في القرى و كل الجهات المعنية .
صمت المختار و قال : هنا في القرية الكل يقول إكرام الميت بسرعة دفنه و هذا كلام فاضي .
القاضي : و لكن كيف صدقت رواية جمال و ذهبت معه ؟
المختار : كل القرية يا سيدي تعرف أن ابنته سارة مصابة بالربو منذ عدة سنوات و دائماً تعاني من مشاكل تنفسية .​


تقرير الطبيب الشرعي د.هشام

اتصل د.هشام بالقاضي فرد فوراً لحظة فتح الخط : كم تحتاج من الوقت لتكون في مكتبك ؟
القاضي : بعد ساعتين تقريباً .
د.هشام : حسناً .. عندما تصل إلى مكتبك سأكون أنا و التقرير بانتظارك .
عندما دخل القاضي إلى مكتبه وجد د.هشام بانتظاره ، و بعد أن ألقى السلام عليه ، تناول القاضي التقرير الطبي الشرعي و بدأ بقراءته :
( بعد إجراء الفحص الخارجي للجثة و التصوير الشعاعي و التشريح تبين أن الجثة في بداية الطور الأول من التعفن و أنه قد مضى على زمن الوفاة حوالي 48 ساعة و قد تبين وجود عدة كسور قديمة شافية في العضد الأيمن و الساعد الأيسر و الفخذ الأيمن مع وجود علامات تشير إلى وجود كدمات عميقة قديمة في الفخذين و الساقين و الظهر و اليدين مع وجود كسور أضلاع متعددة على جانبي جدار الصدر و هي كسور حديثة مع وجود تمزق في الرئتين ، و عليه فإن موجودات الفحص و ظروف الحادثة تشير إلى أن الوفاة حدثت بالقصور التنفسي الحاد الناجم عن كسور الأضلاع و تمزق الرئتين و أن هذه الكسور الضلعية ناجمة عن تطبيق ضغط كبير على جدار الصدر كالرفس أو وضع ثقل كبير على الصدر و أن وجود هذه الكسور الحديثة مع الكسور القديمة المتعددة و الكدمات المتعددة و المتفرفة تشير إلى أن الطفلة كانت تتعرض للتعذيب و الاضطهاد المستمرين من قبل الأهل أو القائمين على تربيتها و هو ما يعرف طبياً بمتلازمة الطفل المضطهد )
علق القاضي : إذاً الطفلة ماتت نتيجة الضرب المباشر .
د.هشام : هذا بالضبط ما تبين لي .
القاضي : و ماذا تقصد بعبارة متلازمة الطفل المضطهد ؟
د.هشام : هذا مصطلح طبي شرعي يقصد به أن الطفل يتعرض للتعذيب و الضرب الشديدين اللذين قد يؤديا للموت أحياناً كما في هذه الحالة ، و التعذيب و الضرب الواقع على الطفل يكون من قبل الناس المسؤولين عن الرعاية به و تربيته .
القاضي : و هل يعقل ذلك ؟
د.هشام : الحقيقة .. اضطهاد الأطفال ظاهرة عالمية و نحن جزء من هذا النسيج ، و رغم ادعائنا بأن أخلاقنا و مبادئنا و ديننا لا تسمح بذلك إلا أن هذه الظاهرة موجودة و الدليل على ذلك هذه الطفلة و هي ليست الحالة الأولى التي تعرض علينا و لكن حالات العنف العائلي الواقع على الأطفال التي تنتهي بالموت قليلة لحسن الحظ .
القاضي : برأيك ما أسباب هذه الظاهرة؟
د.هشام : هناك عدة نظريات حاولت تفسير هذه الظاهرة منها اعتقاد بعض الأهل بأن لهم سلطة تربوية مطلقة على الأبناء و من حقهم ضربهم و تأديبهم ، و هناك نظريات نفسية تقول بأن الأهل الذين يتعرضون لعنف في صغرهم أو لاضطهاد اجتماعي و اقتصادي في كبرهم يميلون لممارسة العنف على أطفالهم و هناك أطفال يقترن ذكرى ميلادهم مع كوارث حلَّت على العائلة كالفقر و الموت فيصبحون مكروهين من الأهل و يتعرضون بالتالي للعنف العائلي ، و هناك عدة نظريات و آراء أخرى نتحدث عنها على العشاء إذا أردت .. ما رأيك ؟ ..
القاضي : لا أستطيع .. فأولادي بانتظاري يا دكتور هشام .
هزَّ الدكتور هشام رأسه مبتسماً و تابع ارتشاف قهوته الباردة .
القاضي : أتعلم يا دكتور هشام إن طبيب القرية قد منح الطفلة شهادة وفاة بقصة نوبة ربوية في اليوم التالي لوفاتها و بدون فحصها .
د.هشام : المشكلة أننا نحتاج لتثقيف الكادر الطبي أيضاً حول ظاهرة الطفل المضطهد لأنه في كثير من هذه الحالات يراجع الأهل أقسام الإسعاف و العيادات و يدّعون بأن الطفل قد سقط لوحده و حدثت لديه تلك الإصابات و يميل الكثير من الأطباء لتصديق رواية الأهل و هنا تكون المشكلة حيث يمكن لهذا الطفل أن يتعرض مرة أخرى للضرب .. و إن مهارة الكادر المسعف بالتعرف على هذه الحالات ينقص حوالي 60 % من تكرار هذا العنف .
القاضي : و هل يمكن تشخيص هذه الحالات في بدايتها ؟
د.هشام : نعم .. من خلال الفحص الطبي الجيد و إن الثقافة الجيدة حول هذه الظاهرة من قبل الأهل و المعلمين و الأطباء يمكن أن يمنع أو يقلل من وقوع هذه الظاهرة .​


التحقيق مع جمال

بعد أن استدعي جمال بموجب مذكرة إحضار فورية إلى قاضي التحقيق و مواجهته بالحقائق التي أظهرها التقرير الطبي الشرعي و نتائج التحقيق انهار و بدأ بالبكاء معترفاً بأنه كان دائماً يضرب ابنته نتيجة كره زوجته لها و أنه كان يفعل ذلك نتيجة ثورات الغضب التي كان يصل إليها و لا يستطيع أن يسيطر على نفسه .. و أنه لا يدري كيف قام برفسها بقدمه على صدرها بعد أن ضربها و سقطت أرضاً ، و استمر بالكلام و معاتبة نفسه حتى بُحَّ صوته .. و لكن ..​



مـنـقـــــول
مجلة عالم الصحة
بقلم الدكتور بسام يونس المحمد
اختصاصي طب شرعي - حمص

 

RaNoSh

رنوشة البيلسان

إنضم
Oct 4, 2008
المشاركات
3,491
مستوى التفاعل
46
المطرح
♥ في مملكتي الخاصة ♥
رسايل :

الحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه <3

القصة الخامسة


قاتل الروح (الجزء1)


روان فتاة في الخامسة عشر من عمرها ، هربت منها الطفولة باكراً فقد عاشت بين أحضان أبوين متشاجرين دائماًً ، فأبوها عادل رجل دائم الغضب والتشنج عصبي المزاج طوال اليوم يضرب أمها باستمرار ويصب عليها كيلاً من الشتائم واللعنات وأمها جمانة دائماً حزينة يائسة فهي تبكي في غرفتها معظم الأوقات تندب حظها وليس لها حول ولا قوة وكل ما تستطيع فعله هو الصمت وتلقي كلمات زوجها الجارحة بالبكاء فقد تعودت أذناها على رنين صوته الغاضب أما جسدها فتعود على تلقي الضربات بأي شيء تقع عليه يد زوجها، ودائماً تشكوه إلى الله فهو العارف بكل شيء والقادر على كل شيء ، وفي كل مرة تحاول أن تشكوه إلى الشرطة تتذكر ابنتها فتعض على جرحها وتصمت فكل شيء يهون لأجلها .


ذكريات روان :

تتذكر روان أنه في صبيحة أحد الأيام غص منزلهم بالأقرباء والجيران وعرفت عندها أن أمها ماتت وكان عمرها تسع سنين ولم تميز كثيراً ماذا يعني ذلك ولكنها عرفت أنها لن تعود قادرة على رؤية أمها وتتذكر روان أنه قبل رحيل أمها كانت تعاني من آلام بطنية شديدة وكانت تتناول النعناع والشاي الثقيل بدون فائدة ولا تتذكر لماذا لم يكن والدها يكترث لمرضها ولذلك تكره روان الشاي والنعناع وكل ما يذكرها بعذابات أمها خاصة في اللحظات الأخيرة قبل رحيلها .


التبليغ عن جريمة :

حضر غانم خال روان إلى قسم شرطة الحي و قدّم بلاغاً بأنه يشك بأن ابنة أخته روان التي يتم تشييع جثمانها الآن ماتت قتلاً ، فهي في الخامسة عشر من عمرها و كانت في زيارته البارحة حتى السابعة والنصف مساءً ولم تكن تشكو من أي شيء و اتهم أبوها وزوجته وداد بقتلها .


مباشرة التحقيق :

على الفور أمر رئيس قسم الشرطة بمباشرة التحقيق و تنظيم ضبط بالادعاء و الإسراع قبل دفن الجثة و إبلاغ النيابة العامة بالحادثة و التي قامت بتكليف قاضي التحقيق بمتابعة الموضوع فوراً وعلى الفور أمر قاضي التحقيق عناصر الشرطة بالتوجه إلى منزل روان و إيقاف مراسيم الجنازة وبالمتابعة تبين أن جثمان روان في جامع الحي يقيمون عليه الصلاة .


مراسيم الجنازة :

عندما حاولت الشرطة التدخل لإيقاف مراسيم الجنازة ونقل الجثة إلى قسم الطب الشرعي غضب عدد كبير من المتجمهرين متظاهرين بأن هذا عمل حرام ويغضب رب العالمين وأثناء ذلك وصل قاضي التحقيق ؛ حيث استدعى والد روان وقام بإفهامه مضمون الدعوى و بأنه لا بد من تنفيذ مضمون الأمر القضائي بالكشف على الجثة مقدماً التعزية له و طلب من إمام الجامع أن يقنع الحاضرين بأهمية الالتزام بالقرار القضائي لأن فيه مصلحة الجماعة و المجتمع ولا بد من تقصي الحقيقة لإحقاق الحق .


في مركز الطب الشرعي :

بدأت هيئة الكشف القضائية المشكلة من القاضي و الطبيب الشرعي و الكاتب العدلي عملها بتوصيف الجثة من قبل القاضي حيث بدت الجثة عارية من الثياب ضمن كفن يتألف من ثلاث طبقات أبيض و أخضر و أسود مع ملاحظة وجود جرح على منتصف الساعد الأيسر بطول 5 سم سطحي والزرقة الرمية والصمل الجيفي متشكلين جزئياً في معظم الجسم مع وجود احتقان أزرق في صيواني الأذنين و الشفتين و الأنف و نهايات الأصابع في اليدين ، ثم بعد ذلك كلف القاضي د.هشام بتقديم خبرته مخولاً بتشريح الجثة إذا لزم الأمر ، فبدأ د.هشام عمله قائلاً :
" أوافق على المعلومات التي ذكرها السيد قاضي التحقيق وأضيف بأن الجثة تعود لفتاة بعمر حوالي خمسة عشر عاماً معروفة الهوية أوصافها مطابقة لما ذكر أعلاه و أضيف بأن الجرح الموجود على منتصف الساعد الأيسر هو جرح سطحي من بدايته إلى نهايته و بطول 5 سم يتوضع بشكل معترض بعمق واحد تقريباً اتجاهه من الخارج (أي جهة الإبهام ) وحتى الداخل (أي جهة الخنصر) مع وجود جرح صغير عند بدايته الخارجية بطول حوالي 3 مم موازي للجرح الكبير و يلاحظ وجود تضيق في الحدقتين بشكل نسبي تقريباً و تفوح من الفم رائحة مميزة خفيفة نفاذة والزرقة الرمية بدت بلون أقرب إلى البني الوسخ و طلب الإذن بتشريح الجثة " .
بعد ذلك قرر القاضي تشريح الجثة بناءً على طلب د.هشام و بعد أن بدأ د. هشام عمله ذهب القاضي مع الكاتب إلى غرفة القاضي المناوب في مركز الطب الشرعي واستدعى والد روان .. و سأله قائلاً :
" و الآن يا عادل جاء دورك لتخبرني حقيقة ما حدث مع تقديري لحزنك و ألمك ، و لكن هناك ادعاء من غانم خالها ضدك أنت و زوجك " .
عادل : الله يسامحو على هالعملة .. كركبنا وأخر دفن البنت .. الله يسامحو .
القاضي : كيف ماتت روان ؟
عادل : اليوم صباحاً عندما حضرت زوجتي لتوقظها صباحاً لأنها تأخرت على غير عادتها وجدتها دون حراك مع وجود إقياء و زبد رغوي على فمها وتعرق على جبينها فقامت بالصراخ فأسرعت إليها فوجدتها ميتة و البقية تعرفونها .
القاضي : أبهذه البساطة هذا ما جرى ؟
عادل : و الله يا سيدي ..
القاضي : ما قصة الجرح الذي في ساعدها الأيسر ؟
ارتبك عادل قليلاً، و لكنه قال لا أدري .. ثم استطرد : هل تبين لكم سبب وفاتها ؟
القاضي : نحن بانتظار نتيجة الفحص الطبي الشرعي النهائي.
عادل : سيدي و ماذا بشأن خالها الذي ادعى علينا زوراً ؟
القاضي : الوقت مبكر حتى نعرف ماذا سنفعل .. المهم هدئ من روعك قليلاً و كن واثقاً بعدالة القضاء .. و لكن هل أحضرت زوجتك معك ؟
عادل : إنها تنتظر خارجاً حسب أوامركم فقد أحضرتها معي .


التحقيق مع زوجة عادل :

دخلت زوجة عادل إلى غرفة التحقيق و ملامح الخوف و القلق و التوتر بادية عليها و لكنها حاولت أن تستجمع قواها و تتماسك ..
فاجأها قاضي التحقيق بسؤاله : " أخبرينا الحقيقة كيف ماتت روان أحسن لك و أفضل للعدالة ؟ "
فأجابت بكلام مطابق لما ذكره زوجها عادل ، و هكذا بادرها القاضي بالسؤال لماذا جرحتها يا وداد .
فزلّ لسانها وقالت : هي جرحت حالها يا سيدي .
القاضي : ولماذا ؟
وداد : لا أدري .
القاضي : حسناً ولكن تذكري أنني وجهت لك تهمة القتل .. وتعرفين جيداً القصص التي تتعلق بالأولاد والخالات زوجات الأب .. أليس كذلك .
وداد : صدقني أنا أحبها مثل ابنتي .
القاضي : هذا كلام آخر يا وداد .. و لكنك لم تخبرينا الحقيقة كاملة وبعد انتهاء التقرير الطبي الشرعي سيكون وضعك أنت تحديداً حرجاً أكثر من أبيها لذلك أخبرينا الحقيقة أفضل لك وأسرع للعدالة وسنأخذ هذا بعين الاعتبار .
صمتت قليلاً ثم قالت بشكل مفاجئ لقد انتحرت يا سيدي و لم يقتلها أحد .
القاضي : انتحرت !! كيف ؟ .
وداد : لقد شربت من السم الذي نستخدمه لرش عريشة العنب في المنزل .
القاضي : و الجرح في يدها ؟
وداد : لا أدري ولكن وجدنا شفرة حلاقة عليها دماء بجوارها .
القاضي : و لماذا أخفيتم الحقيقة ؟
وداد : زوجي قال إن هذا سيسبب لنا فضيحة أمام الناس و لن يعزينا فيها أحد و ستتناقل الناس القصص أشكال وألوان .
القاضي : حسناً .. ثم أمر القاضي بوضع وداد في غرفة منعزلة حتى نهاية التحقيق و منع أي شخص من الحديث معها و خاصة زوجها عادل .


التقرير الطبي الشرعي :

لقد أظهر تشريح الجثة وجود احتقان حشوي عام مع وذمة في الرئتين مع نزوف شديدة في المعدة و بقع نزفية متعددة في بداية الرغامى و المري و المعدة مليئة بمحتويات طعامية سائلة ذات رائحة نفاذة مميزة تشبه رائحة الثوم و قد تم إرسال محتويات المعدة إلى الفحص السمي و جدار المعدة و الأحشاء إلى التشريح المرضي .
و النتيجة المبدئية : إن الفحص السريري و التشريحي يعطي انطباعاً بأن الوفاة حدثت بالتسمم بمركب فوسفوري عضوي انتحاراً
و أما النتيجة النهائية ستكون بعد ورود نتائج الفحص السمي و المرضي .
سأل القاضي د.هشام : " و لماذا توجهت نحو الانتحار و ليس التسمم الجنائي أو العرضي ؟ " .
أجاب د.هشام : " لأن التسمم بهذا المركب يكون عادة انتحاري أو عرضي بطريق الخطأ و السبب أن رائحته كريهة جداً و من الصعب إعطاؤه للشخص خلسة بدون اكتشافه لطعمه و رائحته و إذا أعطي بالقوة فإن الشخص سيقاوم و هنا ستظهر لدينا علامات من العنف و الشدة على الجثة و هذا لم يكن موجوداً على جثة روان ، و التسمم العرضي يحدث عند العمال الذين يقومون برش المبيدات الحشرية حيث يتم امتصاص الدواء عن طريق الجلد عند عدم أخذ الاحتياطات اللازمة و يحدث التسمم العرضي أحياناً عن طريق تناول الخضروات و الفواكه التي رشت بهذا المبيد الحشري بدون غسلها جيداً و لوحظت حالات من التسمم العرضي عند الأطفال الذين يتناولون السم خطأ على أنه ماء ، و ما جعلني أرجح الانتحار هو وجود الجرح المعترض السطحي على الساعد الأيسر -و الذي لاحظته أنت في كشفك على الجثة- و الذي يوجد عند بدايته جرح صغير بطول 3 مم ندعوه في الطب الشرعي بالجرح الترددي و هذا يعني أنها حاولت جرح يدها لقطع الوريد فالشخص الذي يريد الانتحار بأداة حادة يضع الأداة الحادة على سطح الجلد ثم يتردد بجرح نفسه بسبب الخوف أو الألم و من الممكن أحياناً أن يقوم بوضع الأداة الحادة على الجلد و رفعها أكثر من مرة مما يخلف جروحاً صغيرة جداً ثم يقوم بإحداث الجرح النهائي ، و لكن روان أحدثت جرحاً سطحياً ليس له قيمة حيث أنها لا تعرف بأنه لا يوجد أوعية دموية سطحية في المنطقة التي اختارتها لجرح نفسها و هذا عائد لأنها صغيرة و لا تعرف بأن الأوعية الدموية تكون سطحية على راحة المعصمين ، و كل هذه الأشياء مجتمعة من طبيعة السم و طريقة تناوله و ظروف الحادثة جعلتني أرجح التسمم الانتحاري و أعتقد بأنه إذا تم الكشف على مكان الحادثة سنجد أشياء تفيدنا حتماً .
قال القاضي : " أحسنت يا د. هشام .. كل ما تقوله صحيح فقبل لحظات اعترفت لي خالتها وداد زوجة والدها بأنها انتحرت و تقريرك أكد لي صحة اعترافها و لكن ذكرت خالتها وجود إقياء و زبد رغوي لم تلحظه أنت في الكشف لماذا برأيك ؟ " .
د.هشام : أعتقد أن السبب هو طقوس غسل الجثة قبل وضعها بالكفن حيث زالت آثار الإقياء و الزبد الرغوي الذي على ما يبدو كان خفيفاً .


المواجهة مع والدها :

عندما واجه قاضي التحقيق والدها عادل باعتراف زوجته وداد و نتائج تقرير الطبيب الشرعي غصت عيناه بالدموع و أطرق برأسه أرضاً و راح يتمتم :
" صحيح .. يا سيدي .. صحيح ما تقوله يا سيدي .. " .
القاضي : و لكن لماذا انتحرت و هي لاتزال صغيرة ؟
عادل : لقد حدثت مشاجرة كلامية عنيفة بيني و بينها نتيجة علاقتها السيئة مع زوجتي فقمت بصفعها فهربت إلى غرفتها ثم وجدناها صباحاً ميتة كما تعرفون ، و خفت أن يقول بعض الناس أنها انتحرت لأسباب تتعلق بالشرف و أنتم تعرفون العادات و التقاليد لدينا .
القاضي : حرام .. إنها صغيرة
أرسل القاضي في طلب خالها و عندما حضر إليه أجلسه ، ثم طلب له فنجاناً من القهوة و قدم له التعزية مرة أخرى و أخبره بأن روان انتحرت من تلقاء نفسها و قد أكد هذا تقرير الطبيب الشرعي بما لا يدع مكاناً لشك ، فغص خالها غانم بالبكاء و قال :
" حرام .. إنها صغيرة و لم تعرف شيئاً من هذه الدنيا سوى القهر الذي تعرضت له مع والدتها و كذلك الظلم الذي ذاقته .. لقد كانت بعمر الورد و انقطع صوته من البكاء و انهمرت دموعه بسخاء " .
هدأ القاضي من روعه و قال : " أنا أعرف مقدار ألمك و أعرف عمق مشاعرك " .
غانم : صدقني يا سيدي السبب هو خالتها وأبوها .
كان د.هشام يهز رأسه جانباً و قد تذكر ما قاله جبران خليل حبران يوماً عن قاتل الروح و كيف أن الناس و القانون لا يلق بالاً إلى هؤلاء المجرمين .. و تخايلت أمام ناظريه أبيات جبران :
فقاتل الجسم مقتول بفعلته و قاتل الروح لا تدري به البشر
و لم يكد يودع خاطر ذهنه حتى سمع بقية الحوار بين القاضي و خال روان .
غانم : صدقت يا سيدي و لكن أخاف أن يكون هذا من تدبير والدها .
القاضي : ماذا تقصد بالضبط .
غانم : أقصد أن والدها دبر لها هذا .
القاضي : أيفعل هذا يا رجل ؟... أنا أعرف بأنك متعب و مرهق و لكن عندما تهدأ ستتفهم ذلك .
غانم : صدقني يا سيدي لقد ماتت أختي في ظروف غامضة و لم يعرف سبب موتها .
القاضي : كيف ؟
غانم : لقد عانت أختي قبل موتها بفترة قصيرة من آلام بطنية و غثيان و إقياء مستمر مع تعب و إرهاق و آلام عصبية في الأطراف لدرجة أنه قبل موتها حدث لديها ما يشبه الشلل و قد زارت عدة أطباء بدون فائدة و كانت حالتها تتدهور شيئاً فشيئاً دون أن يكترث زوجها لذلك حتى ماتت من قهرها و مرارة حياتها
القاضي : ماذا تقصد ؟
غانم : ربما كانت أختي قد ماتت نتيجة سم ما كان يدخل جسمها خفية بشكل تدريجياً و مفتعل من قبل زوجها فقد كانا على شجار دائم .
القاضي : و ماذا يعمل عادل ؟
غانم : يعمل في صناعة و صباغة الأقمشة و دباغة الجلود .
القاضي : منذ متى توفيت أختك ؟
غانم : منذ حوالي ست سنوات تقريباً .
القاضي : حسناً إذا كان هذا الموضوع ما زال يقلقك كل هذه السنين يمكنك تقديم استدعاء إلى المحامي العام تطلب فيه إعادة التحقيق في الأمر .
غانم : و هل هذا ممكن ؟
القاضي : نعم .
غانم : و هل يمكن أن نحصل على نتائج ؟
القاضي : هذا يتوقف على الفحص الطبي الشرعي لبقايا الجثة و على طبيعة السم المستخدم إذا كانت الوفاة قد حدثت بشكل سمي مزمن على فترات طويلة .. و الله ولي التوفيق .
اعتلت ابتسامة على وجه غانم و كأنه نسي وفاة ابنة أخته روان .
.
.
.
.
.
يتبع

مـنـقـــــول
مجلة عالم الصحة
بقلم الدكتور بسام يونس المحمد
اختصاصي طب شرعي - حمص
 

Tobiza

بيلساني مجند

إنضم
Apr 8, 2010
المشاركات
1,151
مستوى التفاعل
19
المطرح
ببلاد الغربة
رسايل :

سَتُمْطِرُ السَمَاءُ يَومَـاً مَـآ بِ آمَانِينـَـآ ♥♥

:4::4::4::4::4:ليش هييك صايرة العالم !



تسلم ايديك

موضوع جدا روعة
وانشاء لله رح تشوفيني هون عطول

:24:
 

btoul

بيلساني نشيط

إنضم
Oct 16, 2010
المشاركات
33
مستوى التفاعل
1
الله يجيرنا ويتلطف فينا
 

RaNoSh

رنوشة البيلسان

إنضم
Oct 4, 2008
المشاركات
3,491
مستوى التفاعل
46
المطرح
♥ في مملكتي الخاصة ♥
رسايل :

الحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه <3

القصة السادسة


لعنة القتل البطيء (الجزء2)


لم تكد أيام العزاء الثلاثة تمضي ، حتى أحس غانم و كأنه يشق طريقاً أسود معتم نحو حقيقة ما جرى لأخته " أم روان " بعد أن تبين أن ابنتها لم تقض بجريمة قتل مباشرة من أبيها على النحو الذي ظنه الخال .

جبل ثقيل حط على صدره ، و كلما لاحت في ذاكرته ابتسامة روان البريئة بعينيها الحزينتين ، كلما اعتصرت فؤاده غلالة من الغضب على الأب الذي أحاط ابنته بظرف اجتماعي قاس حولها من طفلة إلى فتاة أكبر من عمرها ، فقسوة الأب و زوجته عليها لم تكونا طبيعيتين على الإطلاق ، و هكذا راحت المسكينة تغرق في عزلتها و هي تتذكر حنو أمها الراحلة عليها ، و كيف فارقتها إلى الأبد بموتها الغريب ، و كانت روان ما تزال بحاجة إلى حنانها و رعايتها و تعليمها فن الحياة و التأقلم مع العالم ... كل ذلك رسم الحزن و التشاؤم على معالم روان و كلما قارب طيف روان أن يغادر مخيلة خالها غانم يعود ليتذكر كلماتها اللطيفة " أنا بحبك يا خالو ... من شان الله خليني اسكن عندك .. و الله رح موت إذا ما بضل جنبك " .
و لكن الحسرة تقتله فكلما حاول إقناع والدها برغبته في أن تعيش روان معه يقول : لا ... لا ... شو بدك الناس تقطعني بلسانها .... هي بنتي وأنا ملزم فيها
الخال : بس يا عادل البنت مانها مرتاحة مع خالتها ...
الأب : هي مو شغلتك ... هي بنتي أنا و رح تعيش معي
الخال : خاف الله يا رجل البنت رح تنفجر إذا بضل هيك .
الأب : شوف يا غانم ... أنا تحملتك كثير .. و إذا بضل تلح عليّ بالطلب رايح أحرمها تزورك ... فهمان
الخال : تركتك لضميرك و ربك ...
في كل مرة كان غانم يفشل في إقناع والد روان بأن يتركه يعتني بتربية روان و كان أحياناً يتطاول عليه بالحديث و يقول : شو نسيان إنو عندك شباب بالبيت ...
وسط حزن عادل على فراق روان تذكر كلام قاضي التحقيق معه عندما أخبره عن شكه بأن وفاة أم روان لم تكن طبيعية :
( إذا كان هذا الموضوع يقلقك كل هذه السنين يمكنك تقديم استدعاء إلى المحامي العام تطلب فيه التحقيق في الأمر )
غانم : و هل هذا ممكن ؟
القاضي : نعم .
ارتسمت ابتسامة لطيفة على وجه غانم الذي بقي طوال ست سنوات مرتاب حول وفاة أخته أم روان التي خطفها الموت و هي بعمر 25 عاماً و ابنتها بعمر 9 سنوات فهو لايزال يتذكرأنها فجأة و قبل وفاتها بعدة شهور بدأت تشكو من آلام بطنية شديدة و غثيان و إقياء مع تعب و آلام عصبية في الأطراف حارقة غير مفسرة ، و لم تستطع معرفة سببها رغم زياراتها المتكررة للأطباء بمختلف الاختصاصات ... و لم يزل يتذكر أن زوجها عادل كان دائماً غير مرتاح لزيارتها للأطباء و يقول لها : هذا مغص اشربي نعناع و شاي ... الشغلة بسيطة ... و يزيد على ذلك و يقول


( حاجة زيارات فاضية للدكاترة ... حطيت ما فوقي و تحتي بلا فايدة ... مو لازم آخدك إلا لعند طبيب نفسي ... )



الحفر في الماضي :




حسم غانم قراره و ذهب صباحاً إلى القصر العدلي و تقدم بمعروض إلى المحامي العام مفاده أن أخته قد ماتت منذ ست سنوات بظروف غير طبيعية و إنه يشك بأن زوجها قام بقتلها بالسم و إنه ينصب من نفسه مدعياً شخصياً بحق زوجها عادل و أنه مستعد لدفع كامل النفقات المترتبة عليه و إنه لا مانع لديه من نبش قبرها .

قبل المحامي العام الشكوى و قام بإحالتها فوراً إلى قاضي التحقيق .
استدعى قاضي التحقيق الطبيب الشرعي د.هشام فوراً إلى مكتبه و عندما وصل ألقى التحية فوراً و علّق قائلاً : يبدو أن دعوتك لي دعوة عمل و ليست دعوى لشرب القهوة .. أليس كذلك .
ابتسم القاضي و قال : دائماً لا يخفى عليك شيء ... و لكن سنشرب قهوتك المرّة الحلوة يا د.هشام .. ثم ضحكا معاً .
القاضي : د.هشام ... القصة هي أن مواطناً يُدعى غانم خال البنت روان التي قمت بالكشف الطبي الشرعي على جثتها منذ حوالي أسبوع تقريباً و التي انتحرت بالسم .
د.هشام : أجل لقد تذكرتها ... و لكن ما القصة ؟
القاضي : أثناء استجوابي لعائلتها ... أفاد خالها الذي أبلغ عن قصة موت ابنة أخته المفاجئ بأنه يخاف أن تكون قصة انتحار روان هي قصة موت غامض و مفاجئ كما حدث لأخته منذ ست سنوات ...
قاطعه د.هشام قائلاً : و لكنك لم تخبرني عن هذا الموضوع .
تابع القاضي : لأنني لم أر أن ذلك له علاقة بمسار التحقيق و لم أكن متيقناً من جديته في اتهام صهره بقتل أخته ، خاصة و أنه كان قد توجه بشكوى يتهمه فيها بقتل ابنته ، و لم أر داعياً لبحث محاور أخرى في التحقيق و طلبت منه التقدم بشكوى جديدة إلى المحامي العام باعتبار أن ذلك سيظهر جديته في الاتهام .
د.هشام : إذاً أنت شجعته على ذلك .
القاضي : لا أخفيك ذلك .
د.هشام : لا بدّ أنك لمست حقائق جديّة في تشجيعك له على الشكوى .. أليس كذلك .
القاضي : نعم و لكن لا أريد أن أناقش في ذلك لأنني أريد الرأي العلمي و الطبي الشرعي في هذه القضية .
د.هشام : و ما هو المطلوب الآن .
القاضي : المهم أن غانم يقول أن أخته ماتت منذ 6 سنوات و أنها قبل موتها شكت من أعراض مبهمة على شكل مغص شديد و غثيان و إقياء و آلام عصبية في الأطراف .
د.هشام : و ماذا قال الأطباء لها ؟
القاضي : الحقيقة أنها راجعت عدة أطباء بدون فائدة و سرعان ما كانت تعود الأعراض لها بعد وقف الدواء .
د.هشام : و ماذا يقصد غانم من شكواه فهناك عدد لا بأس فيه من الحالات يعاني فيه المرضى من آلام مختلفة و يموتون أحياناً قبل تشخيص مرضهم .
القاضي : صحيح ما تقول يا دكتور هشام ... و لكن غانم قال خلال التحقيق أنه لاحظ أن زوجها عادل كان دائماً يحاول عدم اصطحابها للأطباء و يتأفف من ذلك و يقول لها بأنها مريضة نفسياً و ليست جسدياً ، و بأنها جعلته يصرف الكثير من المال على الأطباء و التحاليل و الصور بدون فائدة .
د.هشام : و لماذا لا يكون هذا صحيحاً ؟
القاضي : إن غانم يستغرب لماذا انزعاجه من ذهاب أخته إلى الطبيب على الرغم من أن معظم المصاريف كانت على نفقته و ليس على نفقة زوجها عادل .
د.هشام : و لماذا لم يشتك في حينها ؟
القاضي : قال بأنه خاف أن يؤثر ذلك على سمعة ابنة أخته عندما تصبح صبية في سن الزواج ، و لكن بعد موتها لم يعد هناك شيء يستحق الصمت .
هل هناك أمل ؟
د.هشام : يبدو أنك تريد أن تعرف إن كان نبش القبر بعد هذه الفترة الزمنية و فحص الجثة يمكن أن يقدم لنا فائدة .
أجاب القاضي : هذا بالضبط .
د.هشام : من الناحية الطبية الشرعية دوماً هناك فوائد من نبش القبر لأننا قد نفاجأ بأشياء لم نكن نتوقعها .. أما فيما يتعلق بهذه الحالة على اعتبار أن غانم يشك بأن أخته ماتت مسمومة فإننا يمكن أن نحصل على معلومات جيدة في الكثير من حالات التسمم مهما مضى على زمن الوفاة خاصة إذا حدث التسمم بأملاح المعادن الثقيلة مثل أملاح الزرنيخ والرصاص والزئبق والنحاس وغيرها ... لأنها لا تفنى و هنا يمكن أن نجدها في الشعر و الأظافر و العظام و التراب تحت الجثة .
اقاضي : و هل ذلك ممكن بالرغم من تفسخ الجثة ؟
د.هشام : نعم .. بل إن وجودها قد يلعب دوراً في تأخير عملية تعفن الجثة .
و هنا طلب القاضي من الكاتب فتح الملف المتعلق بوفاة أم روان و قال اكتب : لقد قررنا فتح القبر و استخراج الجثة للكشف عليها من قبل الطبيب الشرعي د.هشام و تم تكليف الجهة المدعية بدفع النفقات .
نظر القاضي إلى الدكتور هشام و قال أنت الآن مكلف رسمياً لهذا الأمر ، ما هو الزمن الأنسب لذلك كي نقوم بنبش القبر و تحضير أدواتك الخاصة ؟


د.هشام : فوراً .. غداً صباحاً .



نبش جريمة قديمة :




في صباح اليوم التالي انتقلت هيئة الكشف القضائي المؤلفة من القاضي و الطبيب الشرعي و الكاتب إلى مقبرة المدينة القديمة و برفقتهم دورية من شرطة القسم في الحي لتأمين المساعدة و عندما وصلوا إلى المقبرة استدعى القاضي حفار القبور و طلب منه أن يدلهم على قبر أم روان بعد أن أعطاه رقم القبر و اسمها الكامل و عندما وصلوا إلى القبر المطلوب قال حفار القبور هذا هو .

علق القاضي و لكن لا يوجد شاهدة موثوقة تؤكد ذلك .
الحفار : صدقني يا سيدي هذا هو .. هذا شغلي منذ عشرين عاماً و أنا أعرف القبور جميعها .
توجه القاضي إلى غانم قائلاً : هل هذا قبر أختك ؟
قال غانم : لم أعد أذكر فقد زرتها لمرتين أو ثلاثة و امتنعت عن ذلك لأن زيارة قبرها كانت دائماً تشعل حزني عليها و عرفت فيما بعد أن روان كانت تزور قبرها مؤخراً .
القاضي : ما العمل الآن يا دكتور هشام .


أجاب : بسيطة سوف نقوم بإرسال قطعة من عظامها إلى مخبر إدارة الأمن الجنائي لتحديد بصمتها الوراثية من خلال الحامض النووي (dna) ، و سنقوم بمقارنته مع الحامض النووي لأخوها غانم و في حال التطابق فإن هذا يعني بالضرورة أنه قبر أم روان .



أخذ العينات:




قام د.هشام بأخذ عينة من التراب بجانب قبر أم روان ثم طلب من حفار القبور أن يبدأ الحفر .

قال القاضي : و لماذا هذه العينة يا دكتور هشام ؟
د.هشام : إن هذه العينة تسمح لنا بالتعرف على المكونات الطبيعية لتراب القبر فهناك بعض الأتربة تحوي بشكل طبيعي على نسبة قليلة من المعادن الثقيلة كالزرنيخ والرصاص والنحاس .
القاضي : أحسنت يا دكتور هشام هذا ما يجعلني أثق بك دائماً .
و عندما انتهى الحفار من فتح القبر قام د.هشام بأخذ عينات من تراب جدار القبر و بعد ذلك قام بأخذ عينات من التراب تحت الجثة مباشرة بعد أن قام بإبعاد الرمة بشكل لطيف ثم بعد ذلك طلب من حفار القبور مساعدته لرفع الجثة إلى خارج القبر ، و بعد ذلك أخذ عينات من الأظافر و بقايا الشعر التي ما تزال ملتصقة على الرأس و أخذ عينات من عظام الفخذ و بعض العينات من الأنسجة في منطقة البطن التي بدت سوداء و يابسة و التقط بعض الصور للجثة ، ثم أخبر القاضي أنه انتهى من عمله و لا مانع من إعادة الجثة لمكانها .
أمر القاضي بإعادة دفن الجثة و سأل د.هشام عن موعد تسليم خبرته فأجاب :
سأرسل عينة من العظام إلى مخبر البصمة الوراثية مع عينة من لعاب أو دم غانم لتحديد البصمة الوراثية لكلا العينتين لنتأكد فيما إذا كان هذه الجثة تعود لأم روان و هذا يحتاج لأقل من يومين و بعد ذلك سنقرر إرسال العينات التي أخذناها إلى المخابر السمية المختصة ، و هذا قد يتطلب أسبوعين أحياناً نظراً لصعوبة الاستخلاص في بعض الحالات .
القاضي : حسناً و لكن أطلعني على الأمور أولاً فأول و لو هاتفياً .
د.هشام : طبعاً .


بعد يومين اتصل د.هشام مع القاضي قائلاً : إن نتيجة التحليل الوراثي تشير إلى أن هناك تشابهاً في النمط الوراثي بين عينة العظام المرسلة و البصمة الوراثية للعاب المأخوذ من غانم و هذا يعني أن القبر يعود و بشكل مؤكد لأم روان ، و بناء على ذلك قمت بإرسال بقية العينات إلى مخبر السموم في إدارة الأمن الجنائي و سأقدم لك تقريراً مفصلاً عند الحصول على نتيجة التحليل .



تقرير الطبيب الشرعي و د. هشام:




بعد أسبوعين حضر د.هشام إلى مكتب قاضي التحقيق و جلس بعد أن تنفس الصعداء و الابتسامة تعلو محياه و قال لقد كنت محقاً عندما شجعت غانم على الشكوى أما حان الوقت لتخبرني كيف ذلك؟

ابتسم القاضي و قال : لك و لكن هات ما عندك أولاً .
و ناوله د.هشام الملف الذي يحمله و بدأ بقراءته .


(( بعد التوجه إلى المقبرة تبين من عينة التراب أنه لا يوجد في تراب المقبرة أي نوع من السموم المعدنية و تبين بعد فتح القبر وجود رمّة بشرية تعود لامرأة في العقد الثالث من العمر عظامها كاملة منفصلة عن بعضها مع وجود بقايا نسيجية قليلة في منطقة البطن ملتصقة على الهيكل العظمي مع وجود بقايا شعر ملتصقة على الجمجمة و الأظافر بعضها ما يزال ملتصق على العظام و بعضها سقط بجانب الجثة و العظام كلها سليمة و تخلو من أي أثر لجبر أو شدة و خاصة الجمجمة و العظم اللامي ، و هذه الرمة تعود لأم روان حسب تقدير مخبر البصمة الوراثية المرفق طيّاً . و تحليل التراب من جدار القبر أظهر أيضاً عدم وجود أي نوع من السموم المعدنية في الطبقات العميقة من القبر و أظهر فحص الأظافر و العظام و الشعر و التراب تحت الجثة وجود آثار من أملاح الزرنيخ أكبر من الكمية المعتادة التي من الممكن أن تتواجد داخل الجسم البشري ))



ما يقوله الفحص المخبري :




إن الفحص المخبري السمي لتراب المقبرة السطحي و العميق و الفحص السمي للتراب من تحت الجثة و الفحص السمي للعظام و بقايا الشعر و الأظافر يعطي انطباعاً بأن أم روان ماتت بفعل التسمم بأملاح الزرنيخ و بالأخذ بعين الاعتبار الأعراض السريرية التي عانت منها لفترة طويلة قبل وفاتها من مغص شديد و إقياء و آلام عصبية فإنها ماتت بفعل التسمم المزمن بأملاح الزرنيخ الذي كانت تتناوله بكميات قليلة و على فترة زمنية طويلة .

نظر القاضي إلى د.هشام و قال : كل شيء أصبح واضح الآن .
علق د. هشام : كيف ؟؟ يبدو أنه حان دورك الآن لتجعلني متشوق لمعطيات التحقيق .
القاضي : أثناء التحقيق السابق مع غانم بادعاء قتل روان سألته عن عمل عادل بعد أن أخبرني بشكه أنه ربما قتل أخته أم روان ، فقال لي بأن عادل يعمل في صناعة و صباغة الأقمشة و دباغة الجلود .. و البقية أكيد بأنك تعرفها يا دكتور .
ابتسم د.هشام و قال : أنا شايف أنه بعد قليل لن تحتاجنا أبداً .


القاضي : و لو .. ما بنستغني أبدا يا دكتور ..



وصلت حياتنا إلى طريق مسدود :




استدعى قاضي التحقيق عادل (أبو روان) بموجب مذكرة إحضار موجوداً و عندما مثل بين يديه ، وجه إليه القاضي تهمة قتل أم روان عمداً بالسم بأملاح الزرنيخ ، و فجأة اصفر عادل و خطف لونه و تصبب عرقاً و جحظت عيناه و ابتلع ريقه فأصابه الخرس فلم يكن يتصور بأنه يمكن أن يكشف بعد هذه السنين .. و لكنه استجمع قواه و قال بتلعثم و لماذا لا تقول أنها انتحرت يا سيدي ..

قال القاضي : إن أم روان تناولت الزرنيخ بكميات قليلة و على فترات زمنية طويلة أي أنها تسممت به بشكل مزمن و الذي يريد أن ينتحر يتناول كميات كبيرة فيتسمم بشكل فوري و حاد .. و أنت أحضرت الزرنيخ من المعمل و قمت بإعطائه لها خفية في الطعام أو الشراب .. أليس كذلك؟!! .. لم يعد يفيدك الإنكار .



ما أوحاه شيطانه :




أحس عادل بأن القاضي كان معه و يعرف كل شيء فخارت قواه و اعترف قائلاً : لقد وصلت الحياة بيني وبينها إلى طريق مسدود و لا أعرف كيف فكرت بقتلها ، ففي أحد الأيام جُمعنا في المعمل و أعطونا محاضرة عن السلامة المهنية على اعتبار أننا نعمل في مصلحة تتطلب استخدام الزرنيخ و عرفت أنه يكفي مقدار 2ملغ لقتل الإنسان و أن الزرنيخ ليس له رائحة و أن طعمه حلو و يمكن دسه في الطعام بسهولة بدون أن يدري الشخص به خاصة و أنهم نبهونا إلى ضرورة عدم الأكل أو الشرب أثناء العمل لأن الزرنيخ يمكن أن يتجمع بشكل تدريجي و تراكمي في الجسم و يقتل الإنسان و يصعب أحياناً كشفة خاصة إذا كان الشخص المتسمم به لا يوجد تماس بينه و بين الزرنيخ .

فأوحى لي الشيطان أن أضع ذرات قليلة من أملاح الزرنيخ في كأس المتة لزوجتي أم روان على اعتبار أننا نشربها بشكل يومي .. و البقية تعرفونها .


قال القاضي : و تقول أوحى لك الشيطان .. ألا تخجل من ذلك لقد قتلت زوجتك عمداً و عن سبق الإصرار و الترصد و ساهمت إلى أبعد درجة في انتحار روان فكنت قاتل الروح و الجسد و لكن الله عزّ و جلّ يمهل و لا يهمل ...





مـنـقـــــول

مجلة عالم الصحة
بقلم الدكتور بسام يونس المحمد
اختصاصي طب شرعي - حمص
 

RaNoSh

رنوشة البيلسان

إنضم
Oct 4, 2008
المشاركات
3,491
مستوى التفاعل
46
المطرح
♥ في مملكتي الخاصة ♥
رسايل :

الحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه <3

القصة السابعة


كان محيي الدين قد توجّس الريبة من حالة أبيه فأبوه من النوع الذي يكابر ويحتمل الألم لكنه رأى في وجه أبيه ونظراته ما لم يألفه،
وأثناء بيعه داخل الدكان ظلت نظراته تلاحقه حيثما تحرّك ، فجأة سقط أرضاً فأسرع مع جيرانه لنقله إلى المستشفى وهناك أعلنت حالة الوفاة.
نظر الطبيب الشرعي (عصام) إلى محيي الدين في ريبة بعد فحصه لأبيه وأخذ يسأله: ماذا تناول أبوك في الدكان؟!: وهل تقيأ؟!.
قال محيي الدين: لقد مرّ أبو ناصر وهو بائع متجوّل يبيع الفلافل وقد أكلنا أنا وأبي ما فيه النصيب..تقيأ أبي ولكن.. هل قضى متسمّماً؟!..
لم يُجبه د.عصام واكتفى بهز رأسه وهو يغذ الخطى نحو مخبر التحاليل ليعرف نتيجة فحص العيّنة التي تم اقتطاعها من غشاء المعدة بعد أن سجل ملاحظاته التالية:
تبين وجود وذمة رئوية حادّة، واحتقان في الأحشاء الصدرية والبطنية ، وأظهر فحص المعدة خلوّها، ولكن بفحص الغشاء المخاطي تبيّن وجود احتقانات شعرية وتقرّحات متعددة، كما شوهدت مظاهر مشابهة في مخاطية الكولون الصاعد، فحص الكليتن أظهر تضخمهما وشحوبهما مع طراوة لافتة ، وأظهر المقطع الطولي سماكة وشحوب في المنطقة القشرية.
الأعراض تشير إلى حالة تسممية حادّة.

فتح التحقيق

أحضر بائع الفلافل أبو ناصر وهو في حالة فظيعة من الحزن على صديقه المتوفى، والخوف بادٍ عليه، ربما يتّهم بقتل الرّجل عن طريق الفلافل.
كان المحقق شديداً في التأمل مع البائع حتى أنه أوشك أن يدفعه للاعتراف بذنب لم يتأكد بعد إن كان هو السبب فيه أم لا..
دخل د.عصام حاملاً تقرير المخبر وهمس في أذن المحقق وهو يمد إليه التقرير (حالة تسمم بأملاح الزئبق).
وبالاستفسار تبين أنّ الفلافل التي أكلها المغدور قد توزعت بين أربعة أشخاص وبنفس الدرجة تقريباً،كون الفلافل توزّعت بينهم عشوائياً.
طلب د.عصام من المحقق صرف البائع بعد أن تبيّن من هذا رخصته الصحية.


أول الخيوط

بدأ البحث يتّجه نحو أصحاب المصلحة في قتل الرجل، كان الأبناء على القائمة، فالرجل يمتلك ثروة لا بأس بها، وقد يغري هذا بإنهاء حياة الأب واقتسام التركة.
ثم ظهرت معطيات نتيجة التحقيق فأبو محيي الدين كان فضّ شركته مع تاجر قماش حلبي (أبو أنس)، وحصل هذا بعد أن لجأ التاجر الحلبي إلى مفتي دمشق لينصحه بالطريقة المثلى لاسترجاع حقّه،كون الشراكة والتجارة التي بينهما غير موثّقة، وبعد استدعاء أبي محيي الدين أنكر صلته المالية بأبي أنس، بل وزاد على ذلك باستعداده للحلفان على المصحف الشريف لتبرئة الذمّة.
وعند مواجهة أبي أنس بالأمر أنكر اتصاله بالمغدور، لكنّ المعلومات التي ذكرها الصانع فهمي والذي يعمل عند أبي محيي الدين أفادت بأنّ أبا أنس اتصل بأبي محيي الدين وطلب لقاءه بعد واقعة الحلفان على المصحف. مما دفع بإصبع الاتهام إلى أبي أنس وبقوة.
د.عصام الطبيب الشرعي الذي تابع القضية من أوّلها استبعد بداية صلة تاجر قماش شبه أمّي بواقعة التسميم لأنّ الأمر يتطلب معرفة عميقة بأثر السموم وفاعليتها.
أثناء سؤال الرجل وخلال إفادة أحد أبناء التاجر الحلبي أبو أنس ، تبيّن أنّ أحد أبنائه (خضر) يدرس في كلية العلوم قسم الكيمياء، وهنا توجّه الطبيب الشرعي إلى خضر للاستفسار فأنكر تماماً معرفته بالأمر، وبمتابعة التحقيق تبيّن أنّ قسم الكيمياء اشتكى قبل مدّة من سرقة مادة أملاح الزئبق في أحد المختبرات.
بالمواجهة أقرّ (خضر) بأنّه استفز من سلوك أبي محيي الدين وإنكاره على والده (شريكه) حقّه ،وفكّر في أنّ أحداً لن ينتبه إلى سبب الوفاة ، وأنّه مع أبيه مستبعدان تماماً لبعدهما عن مكان الحادث.


كيف تمّت الجريمة؟!

راقب خضر أبا محيي الدين مدّة من الزمن، وعرف أنّه يتناول رغيف تماري (وهي أكلة شامية) يومياً من بائع التماري سعدو، هكذا بدأ صحبة مع سعدو حتى أقنعة بإضافة مادّة مسحوقة لرغيف أبي محيي الدين بدعوى أنّ أم محيي الدين تشك بعمل مكتوب لزوجها وأنها لجأت إليه لفكّ السحر عن زوجها .
وهكذا وضع مسحوق أملاح الزئبق فوق رغيف التماري.
كانت المعلومة الأخطر في إفادة خضر أنّه قرأ عن أعراض التسمم بأملاح الزئبق من حيث إحداثه اضطراباً كبيراً في ضربات القلب مما يؤدي إلى الوفاة والتي لا يمكن كشفها، وفاته الانتباه إلى الأعراض الأخرى التي كشفها الطبيب الشرعي من خلال الفحص الدقيق والمتأني والاستماع الجيد لقصة وظروف الوفاة .
ملاحظة: تم التصرّف في الأسماء والأماكن بما يخدم تقديمها للقارئ.


مـنـقـــــول
مجلة عالم الصحة
بقلم الدكتور بسام يونس المحمد
اختصاصي طب شرعي - حمص
 

Tobiza

بيلساني مجند

إنضم
Apr 8, 2010
المشاركات
1,151
مستوى التفاعل
19
المطرح
ببلاد الغربة
رسايل :

سَتُمْطِرُ السَمَاءُ يَومَـاً مَـآ بِ آمَانِينـَـآ ♥♥

فقاتل الجسم مقتول بفعلته و قاتل الروح لا تدري به البشر


قول رائع
يعطيكي العافية
:24::24:
 

RaNoSh

رنوشة البيلسان

إنضم
Oct 4, 2008
المشاركات
3,491
مستوى التفاعل
46
المطرح
♥ في مملكتي الخاصة ♥
رسايل :

الحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه <3

القصة الثامنة



رائحة الغدر


لم يكن يوم الأحد يوماً عادياً بالنسبة للدكتور هشام ..
فهو اليوم الأول الذي يبيت فيه وحيداً في البيت بعد أن غضبت زوجته إثر شجار حصل بينهما أمس ، فغادرت البيت إلى بيت أهلها .

وإذ استيقظ صبيحة الأحد ولم تطالعه رائحة قهوة أمل زوجته ، أحس بأن يومه سيكون ناقصاً ، فقاد سيارته متجهاً إلى عمله ، ممنياً النفس بفنجان يحتسيه مع صديقه راشد وهكذا ما إن وصل إلى مكتبه حتى سأل عن راشد ، فطالعته ملامح السكرتيرة ردينة وهي تبتسم :
دكتور راشد طلع على البحر .. إجازة عائلية ..
قال الدكتور هشام في سره : هكذا إذن تأخذ إجازة بحرية دون أن تخبرني يا راشد .
انتبه لصوت السكرتيرة التي كانت تقول : دكتور هشام ... بعرف جماعة عندهم شاليه بطير العقل .. شو رأيك تاخد المدام وتطلعولكن كم يوم ؟..
لم يجبها هشام وقد ذكرته بما يحاول نسيانه من أمر شجاره مع زوجته .. فقط اصطنع ابتسامة غريبة ثم دلف إلى غرفته .
ووسط شروده وهو يحاول قراءة بعض تقارير العمل ، رن جرس الهاتف :
"دكتور هشام عنا جثة بحاجة لجهودك .. " .
همس في قرارته : حسناً الجثث فقط تحتاج رجلاً مثل ..


في قسم الشرطة بدأ يسمع ما جرى :

اتصل أحد الأشخاص بقسم الشرطة مبلغاً أن هناك رائحة كريهة تنبعث من شقة أحد جيرانهم... وعلى الفور تحركت دورية إلى العنوان المذكور ، وبعد قرع الباب و تأكدهم من عدم وجود من يفتح الباب قاموا بخلع الباب ؛ حيث وجدوا بعد تفتيش المنزل جثة ملقاة على أرض الصالون أمام الصوفا ، وعلى الفور وقبل لمس أي شيء قمنا باستدعائكم أنت والأستاذ عارف .
نظر هشام إلى عارف فبادره هذا بحركة تنم عن أن المشاكل التي تناط بهيئة الكشف القضائية المؤلفة منهما لا تنتهي .



الكشف الطبي الشرعي والقضائي:

حين دخل هشام مع صديقه القاضي عارف إلى شقة المغدور شامل كان كل شيء في مكانه ..الشقة مرتبة وجثة خالد ملقاة على أرض الصالون ورائحة التعفن تملأ المكان ،تلك الرائحة شديدة النفاذية هي التي دفعت الجيران للاتصال بالشرطة .

وبعد فحصه للجثة سجل د . هشام في تقريره :
"الجثة تعود لرجل في نهاية العقد السادس من العمر تقريبا ، البطن والصدر منتفخان و الرأس أسود منتفخ و العينان مائعتان وجاحظتان واللسان مندفع نحو الأمام مع خروج سوائل تعفنية نتنة من الفم والأنف مع وجود فقاعات جلدية على اليدين والساقين والجثة منكبة على الجانب الأيمن مع وجود ذباب منزلي بأعداد كبيرة حول الجثة و مع وجود يرقات بيضاء صغيرة حول العينين والفم وشرانق بطول حوالي 1 سم على النواحي المكشوفة من الجثة ويقدر بأن زمن الوفاة يعود لحوالي 2-3 أسابيع على الأكثر".
تم وصف المكان بشكل دقيق من قبل قاضي التحقيق ثم طلب د. هشام نقل الجثة إلى مركز الطب الشرعي ليصار إلى فحصها بعد تعريتها من الثياب وتشريحها .



المشتبه به رقم 1 :

عندما قرع الباب أسرعت السيدة ازدهار زوجة خالد لفتح الباب طالعتها وجوه خمسة رجال لم يسبق لها رؤيتهم وقبل أن تفكر في أي شيء سألها أحدهم عن خالد ، فبادرتهم :ومن أنتم ؟ .
- نحن عناصر البحث الجنائي ..
خلال ذلك الحديث تقدم خالد نحوهم وهو يمسح يديه بمنشفة صغيرة ..
- أنا خالد .. ما الأمر ؟.. ماذا تريدون مني ؟..
- ارتد ثيابك بهدوء ورافقنا لتعرف ما الأمر .
تبادل خالد مع زوجته النظرات قبل أن يحشر قدميه في جوربين كحليين ..
أما زوجته التي توقعت أسوأ السيناريوهات فقد أجهشت بالبكاء بمجرد أن صفق زوجها الباب وراءه .
في قسم التحقيق وجهت لخالد تهمة قتل المدعو شامل الذي وجد ميتاً في بيته وعلق مذهولاً : " ومتى قتل ؟.. ولماذا أنا ؟؟ .." .
أجابه المحقق :
"شامل تاجر كبير ولديه الكثير من المشاكل .. لكنه تقدم قبل ثلاثة شهور بشكوى تتضمن تهديدك إياه بالقتل وذلك أمام باب محله وعلى مرأى من الشهود ".
تحرك المحقق من خلف طاولته وجلس قبالة خالد متابعاً :
"كل هذا جرى لأنه لم يسدد لك مبلغ 3 مليون ليرة سورية وبحسب أقوال الشهود قد أجابك المغدور بأن موعد السداد لم يحن بعد ، ولكنك ألححت عليه بالطلب بدعوى الحاجة للمال، ثم عاد وسحب الشكوى متذرعاً بالتوصل إلى حل معك " .
انهار خالد بعدما سمع بأمر اتهامه .. وردد بصوت خافت ملؤه اليأس : " ولكنني لم أقتله.. لم أقتله".
ثم استدرك ليقول بصوت أعلى للمحقق :" لماذا أقتله حضرة المحقق .. موته سيفقدني مالي نهائياً.. فلا توجد أوراق رسمية وعقود بيننا .. ".
قال المحقق وكأنه لم يسمع ما قاله خالد :"أخبرني كيف قمت بتسميمه".
" وهل مات مسموماً " قال خالد والدهشة بادية عليه.
امتعض المحقق قائلاً: " شو عم تغشم حالك يا فهمان ".
عندها رد خالد :" لن أتحدث بشيء إلا بحضور المحامي .. ".
وتم توقيف خالد ليمثل أمام قاضي التحقيق .



الزوجة الحزينة :

قام قاضي التحقيق باستدعاء السيدة سلمى زوجة شامل فور انتهاء مراسم الدفن والعزاء .. وقفت أمامه بثوبها الأسود وقوامها المشدود وملامح تشي بحزن كبير لوجه لا يخلو من جمال وشباب عمرها أكسب الخدين حمرة خفيفة ، وما إن طلب منها قاضي التحقيق الجلوس بذكر اسم زوجها ، حتى أجهشت بالبكاء ، و لمح قاضي التحقيق حركة سريعة لحدقتي عينيها .. أوصلت له رسالة ما بأن المرأة كانت خائفة .. فسألها على الفور : " لماذا بقيت كل تلك المدة خارج بيت زوجك يا سلمى ؟ ..وهي على ما أظن مدة تنوف عن الأسابيع الثلاثة ؟ .
أجابت سلمى: " نحن دائماً نختلف وكل الجيران يعرفون ذلك وأسافر على أثر ذلك إلى بيت أهلي وأحياناً أبقى عندهم لأكثر من شهر حتى يأتي ويصالحني .. وأجهشت بالبكاء..".
قام قاضي التحقيق بتهدئتها وطلب لها كوباً من الشاي..ثم تابع قائلاً : "عذراً سيدة سلمى ضرورة التحقيق تقتضي التدخل في حياتك الشخصية..
سيدة سلمى أنت بعمر العشرين كما تقول بطاقتك الشخصية .. وزوجك بعمر الستين عاماً .. كيف ارتبطت به؟؟..".
أجابت سلمى بثقة : " لا أريد أن أقول لك بأني أحببته.. ولكن أهلي زوجوني له طمعاً بماله فهو غني جداً كما تعرفون وقد أغراهم بالمال ووعدهم بالعز والرفاهية وأنه سيسجل إحدى عماراته باسمي وتحت ضغط أهلي لم أملك سوى الموافقة".
تابع القاضي : "ألم تسألي زوجك لماذا تأخر بالزواج حتى هذا السن ؟.".
" سألته فأجابني أن الشغل والمال شغلاه عن هذا الموضوع ، ولكنه يريد أن ينجب ولداً يرث ماله وثروته".
وهنا تدخل قاضي التحقيق : " ولكنكم وبرغم السنوات الثلاث الماضية من الزواج لم تنجبا ! " .
" وهذا هو سبب الخلاف الدائم بيننا لقد أثبتت كل الفحوصات والتحاليل التي أجريتها أنني أستطيع الإنجاب ، مع هذا كان يعيرني بعدم الإنجاب ".



مسرح الجريمة :

وسط شرود قاضي التحقيق داخل مكتبه وهو يجمع المحاضر والتقارير المتعلقة بمقتل شامل جاءه اتصال الطبيب الشرعي د . هشام يطلب منه الإذن بزيارة منزل شامل للمرة الثانية ، وهنا استعاد قاضي التحقيق بعض الحماس وهو يعرف أن د. هشام يفكر في أمر ما ليطلب منه إذن معاينة مسرح الجريمة من جديد .
وبعد دخولهما معاً بيت المغدور شامل ، اتجه د. هشام فوراً إلى المغسلة وقام بتفتيشها .. وطلب من القاضي التحريز على عبوة معجون الأسنان وفرشاة الأسنان لإرسالها إلى مخبر الأدلة الجنائية للتحليل.. عندها ابتسم قاضي التحقيق قائلاَ :
" أظنني عرفت بماذا تفكر د . هشام ..".
خلال تلك الفترة بدأ القاضي بمراقبة سلمى ومتابعة أخبارها والسؤال عن ماضيها فعرف أنها كانت مرتبطة بعلاقة غرامية مع سامر ابن جيران أهلها ؛ لكن أهلها أجبروها على الزواج من المغدور شامل طمعاً بماله.
وبتوجيه من قاضي التحقيق تمت مراقبة سامر . الذي عاود الاتصال بسلمى بعد دفن زوجها ، ودون أي تأخير استدعي سامر إلى مكتب قاضي التحقيق ؛ حيث فاجأه بموضوع علاقته المشبوهة بسلمى ، ووجه إليه تهمة قتل زوجها شامل ليرى رد فعله كان سامر شاباً بسيطاً وجباناً إلى حد ما وهكذا قال بخوف :
" أجل أحب سلمى ..لكنني لم أقتل زوجها .. لم أقتله رغم كل شيء ".
قال قاضي التحقيق : " ها ها .. رغم كل شيء .. هل طلبت منك قتله ؟.".
ارتبك سامر وابتلع ريقه وهو يوميء أن نعم .. وتابع تحت إلحاح عيني قاضي التحقيق :
" طلبت مني المساعدة للتخلص منه.. كان شديد البخل كهيناً يذيقها مر العذاب .. وكنت أتمنى أن يطلقها لنتزوج ونسعد معاً .. أما القتل فلا وألف لا .. صدقني أنا لا أجرؤ على قتل نملة ".
أمر القاضي بتوقيفه على ذمة التحقيق، وأخذ يفكر باستبعاد أن يكون خالد وراء القتل .


تقرير الطبيب الشرعي :

دخل د . هشام مكتب قاضي التحقيق وهو يحمل نتائج تحاليل الأدلة الجناية والابتسامة تعلو وجهه.
فسأله القاضي : "هات خبرني ما هي النتائج يا د . هشام" .
قال د . هشام : "عند تشريح الجثة وجدت أن التعفن قد اجتاح الجثة بشكل كامل تقريباً ماعدا باطن الفم واللثة فهي تقريباً ما تزال سليمة وكأنها تعرضت للتحنيط وهذا جعلني أشك بأن شامل قد تناول مادة سمية وهذه المادة هي التي ساهمت بتأخير عملية التعفن لأن هذه المواد السامة تقتل الجراثيم والحشرات التي تلعب مفرزاتها دوراً كبيراً في عملية التعفن ..".
فتدخل قاضي التحقيق مقاطعاً : " أنت تقول أنه تناول مادة سمية.. هل تقصد بأنه انتحر؟ ".
أجاب د . هشام : " لقد وضعت هذه الفرضية بداية ،ولكن شدة تركيز الزرنيخ في باطن الفم مقارنة مع المريء والمعدة حيث توجد آثار قليلةجداً ، ما دفعني لافتراض أن الزرنيخ بقي على تماس لفترة طويلة مع الغشاء المخاطي لباطن الفم واللثة وتأكدت شكوكي ، فتحليل معجون الأسنان الموجود في المنزل أثبت أن تلك العبوة تحتوي على كميات كبيرة جداً وقاتلة من الزرنيخ مخلوطة مع معجون الأسنان .
سأل قاضي التحقيق : " كيف حدثت الوفاة ولا توجد سوى كميات قليلة جداً من الزرنيخ في المعدة ؟ ".
أجاب د . هشام : "إن الامتصاص هنا حدث عن طريق الغشاء المخاطي للفم أثناء دلك معجون الأسنان الموجود على الفرشاة داخل الفم ونظراً لكمية السم الكبيرة فقد حدثت الوفاة بسرعة وربما قبل التنبه لطلب الإسعاف أو معرفة أن ما تحدثه هذه المادة من آلام هضمية هي آلام ناجمة عن التسمم " .
سأل القاضي مستفسراً: "هل يمكن لكمية قليلة من معجون الأسنان المخلوط مع الزرنيخ أن تسبب الوفاة وبهذه السرعة ؟.".
أجاب د . هشام :إن الجرعة القاتلة من الزرنيخ الأبيض هي 2 ملغ لكل كيلو غرام من الوزن أي أن 150 ملغ من الزرنيخ كافية لقتل شامل بسرعة على اعتبار أن وزنه 75 كغ والكمية الموجودة مع أجزاء من معجون الأسنان المستخدم تبلغ أضعاف تلك الجرعة القاتلة وعادة تحدث الوفاة خلال الساعات القليلة التالية لتناول السم وأحياناً يعاني الشخص من بعض الأعراض الهضمية التي يمكن أن لا يعيرها اهتماماً إلى أن تحدث الوفاة.
وهنا تابع قاضي التحقيق : "هذا يعني أنه وحسب ظروف الوفاة ونتائج تحليل الأدلة الجناية والتشريح أن زوجة شامل سلمى هي من قام بوضع الزرنيخ مع معجون الأسنان قبل ذهابها إلى بيت أهلها لتبدو وفاته طبيعية" .
رد?'َ د. هشام : "صحيح ما تقول " .
على الفور تم استدعاء سلمى ولم تجد مفراً من الاعتراف بعد أن تمت مواجهتها بالحقيقة قائلة بأنها وحدها خططت لقتله لتتمكن من الزواج من سامر فيما بعد .
وما إن انكشفت حقيقة الجريمة حتى سارع د. هشام إلى الاتصال بزوجته أمل وقال لها إنه يرغب باحتساء القهوة معها في الكافيتريا ذاتها التي شهدت لقاءهما الأول .




مـنـقـــــول
مجلة عالم الصحة
بقلم الدكتور بسام يونس المحمد
اختصاصي طب شرعي - حمص



وردة*


 

آلبتول

أدميرال

إنضم
Jul 5, 2008
المشاركات
10,067
مستوى التفاعل
172
المطرح
من جزيرة العرب وبقايا بخور فرنسي !!
رسايل :

قد أكون ... فراشة تحلق في السماء ولكن في الحقيقة ... ألسع كالنحلة!

لا أعلم كيف فأتني هذا النوع من القصص يزدني تشويق لمتابعتها
قرأتها كلها من دون ان اشعر بالوقت !
:
/
كلوبترا فعلاً اسم على مسمى :25:
 

mr_ops

بيلساني محترف

إنضم
Jan 12, 2010
المشاركات
2,777
مستوى التفاعل
38
المطرح
شامي
قصص حلوة كتيييير .. يسلموووو عالنقل ..
 

RaNoSh

رنوشة البيلسان

إنضم
Oct 4, 2008
المشاركات
3,491
مستوى التفاعل
46
المطرح
♥ في مملكتي الخاصة ♥
رسايل :

الحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه <3

القصة التاسعة


قتله حبنا

بعد ثلاثة عشر عاماً من الزواج رزقا بطفل ، لتنتهي معها محنتهم التي استمرت لسنوات كانوا يتجنبون فيها الحديث عن الأطفال ، ويتهربون بخجل من تلك الأسئلة ، والنظرات المتطفلة التي اخترقت آذانهم عبرها .
رزقا بطفل سمياه " أمجد "، فكان ثمرة انتظارهم الطويل ، وبهجة عمرهم ، بل كان حافز مستقبلهم بأسره .
ربياه كما يقال: "كل شبر بندر" ، و أحاطاه بكل رعاية وعناية ، فكان كالعين المحمية بريف القلب ، وإذ تعاملوا معه بهذا الحرص ، منعوه من اللعب في الشارع كأقرانه ، وراحت مراقبتهم له تحاصره من كل صوب وحدب ..
ومرت السنوات وكبر أمجد ، ودخل في طور المراهقة ، وباتت محاولة السيطرة على خطواته ومراقبته شبه مستحيلة ، فضلا عن ذلك النزوع الذي اعتراه نحو التحرر من ذلك الحضن ، الذي غفل في لجة متابعته ، عن تلك النرجسية التي وسمت حياة أمجد بغلالة من الزهو والتكبر ، والإعجاب بالذات ، والشعور بالتميز عن الأقران الذين حرم من مخالطتهم كما يجب ، كان يفضلهم في الدراسة والتفوق بتشجيع من الأهل ، ومباركة منهم ، وهكذا ورغم كل شيء ، بدأت محاولاته للتمرد عليهما تتعاظم شيئا فشيئا ..
وجاء الصيف بعد سنة مثقلة بالدراسة الثانوية ، فأحب أن يشارك أصدقائه في رحلة من تلك التي حرم منها طيلة السنوات السابقة ، رحلة يتصرف فيها كما يحب ويشتهي دون عين الرقيب الأبوية ، حيث يخيم مع أصدقائه لمدة أسبوع في إحدى الغابات ، وإلى جوار الشلالات ، ورغم معارضتهم الشديدة للفكرة ، اضطروا وتحت إلحاح ولدهم أن يستجيبوا للأمر الواقع ، ليبدأ أمجد رحلته ..
كل شيء بدا رائعاً في اليوم الأول والثاني من الرحلة ، فالطبيعة ساحرة ، ومخالطة الأصدقاء وسماع تندراتهم ، وتسقط هفواتهم ، أمر جميل ، والمشاركة في تحضير الطعام ، وجعل كل ذلك يبدو كطقس يستحق التقدير ، كل ذلك منح اليومين الأولين من الرحلة نكهة مميزة من اللذة والشقاوة ، لكن ما جرى في صبيحة اليوم الثالث ، محا كل ما سبق ..
استيقظوا جميعاً مع شروق الشمس ما عدا أمجد..
تركوه نائماً لبعض الوقت ، ثم رأى أسعد أن بقاءه نائما قد يدمر مسيرهم الصباحي ، فأسرع إليه يلكزه للنهوض ، واستمر الأمر وقتا لينتبه أسعد أن صديقه لا يبدي حراكا ..


ذعر الأصدقاء

كان وائل وفراس وهيثم قد أشعلوا نارا صغيرة ليتخلصوا من قشعريرة الصباح ، وقد غادروا أغطيتهم الدافئة ، فيما توجه راشد نحو نبع قريب لجلب الماء ، وما إن عاد حتى سمع الجميع صراخ أسعد : " الحقوا أمجد .. إنه لا يتحرك إنه لا .. " ..
وهرعوا إليه يقيسون نبضا قد توقف ، وقلبا قد كف عن ضربات الحياة .. يا الهي إنه ميت !! .. وعلى وسادته لاحظ هيثم آثار دماء ..فقال مرتجف الصوت " آثار دم .. " وأشار لهم حيث ينظر .. ليصابوا بحالة من الجمود ، وقد اعترتهم الدهشة حتى سمعوا صوت راشد يقول : " علينا أن نخبر أهله " ..وصحح فراس : " بل علينا إعلام الشرطة أولا " ..
وتبادلوا نظرات غريبة ، جعلت كل واحد منهم يتوجه بالشك نحو الآخر ..
قال وائل : " بل ننقله للمستشفى .. لعله ما زال حيا " وعند هذه الإشارة راحوا يأملون من جديد أن يكون ما عرفوه من أمر أمجد مجرد عارض لا يلبث أن يزول ، فتنزاح معه الغمة .. واستعادت ذاكرتهم صورة بدا فيها أمجد باسما كما لم يعرفوه من قبل ، كان مرحا .. محبا .. ودودا.. متألق النظرة .. متوقد الذهن .. لقد كان رائعا بالأمس .. وبالأمس فقط ..


احتقان بلون أزرق

في المستشفى تأكدت واقعة موته ، فأعلمت إدارة المستشفى قسم الشرطة القريب ، و من ثم تم إعلام هيئة الكشف القضائي فوراً ..
حضر قاضي النيابة العامة الأستاذ زاهر مع الطبيب الشرعي هشام..و بعد توصيف الجثة من قبل القاضي قام الطبيب الشرعي بمعاينة الجثة ..
حيث أفاد بأن الجثة تعود لشاب معروف الهوية عليها احتقان بلون أزرق في الوجه و الرقبة و صيواني الأذن و الفم و الأنف و نهاية أصابع اليدين و لم يلاحظ وجود أية آثار لجبر أو شدة على الجثة و نظراً لعدم وضوح أسباب الوفاة طلب الدكتور هشام الإذن بتشريح الجثة و وافق القاضي ..
تحرك القاضي قلقاً وهو يفكر بما قاله د.هشام ..
- ألا يمكن أن تكون هناك كدمة ما يصعب تبينها في الفحص ؟.. قال القاضي وهو يركز بصره على علاقة المفاتيح التي تدلت من سترة د. هشام .. ليتابع بعدها فكرته : لا يمكن أن يقضي شاب في هذا العمر هكذا .. أقصد لا بد من سبب .. بل وسبب قادر على إزهاق روحه دون أن يشعر به جميع من كانوا في الرحلة .. هل أثقل عليك د.هشام بطلب إعادة الفحص ؟؟..
د.هشام : إطلاقاً حضرة القاضي .. سأعاود الفحص من جديد .


صدمة الأهل

كانت أم أمجد قد استيقظت منقبضة القلب لا تدري لهذا الأمر سببا .. توجهت بالصلاة إلى الله .. ولم تنس أن تشفع صلاتها بالدعاء لله بأن يحفظ ولدها من كل سوء ..
أما الأب الذي عاد مبكراً من عمله وقد تأخرت البضائع بالوصول إليه .. وجد فرصة ليطلب من زوجته تحضير الإفطار ..
في أثناء وجودها في المطبخ رن جرس الهاتف فتعوذت بالله من شر ما قد يحدث .. حين تناهت إلى أسماعها جمل متقطعة لزوجها تشي بأن أمراً ما قد حصل .. أطلت مسرعة ..
- ماذا جرى ؟.. لمن كنت تقول " أي مستشفى " ؟..
- إنه ولدنا أمجد .. لقد نقلوه إلى المستشفى ..
وأسرع نحو زوجته التي أغمي عليها ليسندها ويجلسها ، وهو يشعر برجفة تعتري قلبه ..
في المستشفى حاول الطبيب أن يخفف عليهم وطأة ما قاله لهم منذ قليل بتذكيرهم بقضاء الله وقدره .. لكن الأب انفجر في الصراخ : " لقد قتلوه .. أغروه بالرحلة وقتلوه .. لن أتسامح معهم ..الأشقياء قتلوا أمجد " .. استسلمت الأم لنوبة بكاء جديدة عند ذكر اسم ولدها .. فيما راح القاضي يطلب منه الهدوء ..
- أرجوك اهدأ..و لماذا يقتله رفاقه وقد ذهبوا معاً في رحلة ؟؟.. إن هذا يدل على مدى محبتهم له.
أجاب الأب و هو يجهش بالبكاء : قتلوه لأنهم يغارون منه فهو الأذكى بينهم و الأشطر و هو المدلل..قتلوه بدافع الغيرة...
سأل القاضي : هل تتهم أحداً منهم ؟
أجاب الأب : لا أعرف بالضبط .. كان دائم الخلاف مع وائل و الجميع يعرف أنهما تشاجرا أكثر من مرة و ضربه وائل على رأسه مرة بحقيبته المدرسية .. و قمت بزيارة الإدارة يومها من أجل ذلك حيث أصيب ولدي بجرح رضي تمت خياطته .. أجل وائل .. إنه يكره ولدي لأنه فصل حينها من المدرسة لمدة ثلاثة أيام كعقوبة ..
طلب د.هشام من القاضي أن يسمح له باستجواب الأب قائلاً : هل كان أمجد يتناول أية أدوية في الأيام الأخيرة ؟
أجاب الأب بالنفي قائلاً : لا.. ولدي لم يكن مريضا على الإطلاق ..
وهنا تذكرت الأم أنها رأت أمجد يتناول دواءً بسيطاً .. وحين سألته قال لها : إنها بضع حبات من السيتامول..
وأضافت الأم : قال إنها تعالج آلام رأسه ..
سأل الطبيب الشرعي : هل كان أمجد نشيطاً على عادته في الأيام الأخيرة قبل الحضور للتخييم مع أصدقائه ؟
أجاب الأب : عادة أمجد لا يغادر البيت ...
سأل الطبيب الشرعي : هل شعر أمجد قبل أسبوع أو أكثر من ذلك بقليل من ألم في أنفه أو شيء من هذا القبيل ؟
و هنا استغرب القاضي قائلاً : ما علاقة أنفه بحادثة موته ؟
و لم يعلق الدكتور هشام على ذلك و تابع الحديث موجهاً الكلام للأب : لم تجبني ؟
أجاب الأب : أعتقد أنه كان يشكو من دمل في مدخل أنفه و قد اشترى دواء "جنتاميسين" مرهم من الصيدلية من أجل ذلك ..
و هنا هز الدكتور هشام رأسه ، و توجه إلى القاضي قائلاً : الآن أصبح كل شيء واضحاً .. فبتشريح جثة أمجد تبين وجود خراج دماغي يقيس 3 ×2 سم و يبدو أن مصدره دمل في الأنف أدى إلى حدوث ما يعرف بالتهاب"جيب كهفي" و هذا الجيب يقع في الدماغ وعادة ينتقل الالتهاب له من أي دمل في الأنف إذا لم يعالج بشكل جيد و هذا الالتهاب ينتقل ليصيب الدماغ ..
كان أمجد يتناول السيتامول في محاولة ليسكن ألمه و يخفف حرارته و يبدو أنه لم يخبر أهله خوفاً من أن يمنعوه من القيام بالرحلة مع أصدقائه و يؤكد ذلك عدم وجود أية آثار لجبر أو شدة و لم يتناول أية مواد سامة ، وللتأكد من ذلك أُخذت عينات من دمه وأعضائه من أجل الفحص السمي والمجهري و التي سنحصل على نتيجتها بعد يومين..
و بعد يومين جاءت نتيجة التحليل السمي و تبين عدم وجود أية آثار لمواد سامة في جسم أمجد و أكد التشريح المرضي لأنسجة الدماغ أن الكتلة في الدماغ هي خراجة إنتانية و ليست نزفية رضية....
أخيراً تم إقفال المحضر على اعتبار وفاة أمجد بالقضاء و القدر من خراج دماغي قيحي ناجم عن دمل أنفي معالج بشكل سيء و تمت تبرئة الجميع..


مـنـقـــــول
مجلة عالم الصحة
بقلم الدكتور بسام يونس المحمد
اختصاصي طب شرعي - حمص



Albilsan%20(115).gif
 

Bilal Mohammad

رجُل الياسمين

إنضم
Apr 7, 2009
المشاركات
9,884
مستوى التفاعل
105
المطرح
في الســـــماء {..
قصة ممتعة ..

هاد الشي صار كلو بسبب الحصار اللي كان من الاهل على امجد .. والخوف الزايد

بالفعل ومن الحب ما قتل


شكراً رنا وردة*
 

آلبتول

أدميرال

إنضم
Jul 5, 2008
المشاركات
10,067
مستوى التفاعل
172
المطرح
من جزيرة العرب وبقايا بخور فرنسي !!
رسايل :

قد أكون ... فراشة تحلق في السماء ولكن في الحقيقة ... ألسع كالنحلة!

اشتقنا لقصصك كليبوترا

بأنتظار القصة العاشرة بشغف

:
/
:24:
 

RaNoSh

رنوشة البيلسان

إنضم
Oct 4, 2008
المشاركات
3,491
مستوى التفاعل
46
المطرح
♥ في مملكتي الخاصة ♥
رسايل :

الحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه <3

القصة العاشرة

خيمت الحيرة على وجوه فريقنا الطبي بعد أن قمنا بتفحص جسد عبد الرحمن الذي استقر فوق سرير المشفى مفارقاً الحياة بعد غيبوبة استمرت تسعة أيام .. وما أثار الحيرة هو عدم وجود آثار ظاهرة لعنف أو مشادة جسدية على مختلف أعضاء وجسم الرجل.
كانت زوجته واقفة عند الباب في حالة يرثى لها من البكاء والنحيب وإلى جوارها وقف أخوها فراس محاولاً تهدئتها دون جدوى ..
دعونا الطبيب الذي أجرى الفحص الأول على عبد الرحمن عند دخوله المشفى وسألناه عن كيفية وصول المريض وتفسيره لسبب الغيبوبة التي دخل فيها فأجاب إجابة تقليدية جداً "أحضره ذووه إلى المشفى وقالت زوجته أنه تزحلق عند عتبة الباب.. هذا كل ما في الأمر" ولكن الطبيب لم يكلف نفسه عناء معرفة كيفية وقوع الرجل سيما أنه لا أثر ظاهر للسقوط على الجمجمة.
كان مدير المشفى ينتظر بفارغ الصبر تقريرنا حول وفاة عبد الرحمن ليريح نفسه من المتاعب المحتملة فيما لو أظهر التقرير أن سبب الوفاة جناية ستدخله في دوامة ومتاعب لا حدود لها .. قال صديقي الطبيب علي كيف يقع رجل أرضاً دون وجود خدش أو رضة في الجهة الأمامية أو الخلفية لرأسه؟!.
متهكماً قال أحد أعضاء الفريق " لعله سقط سقوطاً حراً على أم رأسه" أثارت ملاحظته اهتمامنا أنا وعلي فسارعنا إلى غرفة المشفى وفحصنا قمة رأسه فوجدنا بقعة صغيرة مزرقة متخفية تحت شعر عبد الرحمن ما أضاف الحيرة بدل أن يقودنا إلى سبب منطقي للوفاة.
" لا بد من تشريح الرأس" قال علي وهو ينظر لي مثيراً حماستي للأمر قلت له: " هذا ما يجب عمله دون إبطاء" ونظرت لمدير المشفى وطلبت منه تجهيز غرفة التشريح.

الإصابة ليست ناجمة عن السقوط

عند التشريح للجثة تبين وجود كسر خطي طولي ناجم عن رض قوي فوق قمة الجمجمة يمتد من نقطة تبعد عن جذر الأنف بما يقارب 4 سم وينتهي عند الدرز السهمي حيث شوهد تباعد في دروزه مسافة 3 سم كما شوهد ارتشاح دموي على باطن الفروة في مكان الكسر يمتد إلى الناحيتين الصدغيتين مع وجود تفرق في أنسجة باطن الفروة في الناحية القفوية من الرأس وهذا يضحد ما جاء في إفادة زوجة المغدور عن انزلاقه عند العتبة.
تابعنا التشريح فوجدنا برفعنا الدماغ خط كسر يمتد من الجناح الأيسر للعظم الوتدي إلى قاعدة عظم الصخرة وبالنتيجة فإن الإصابة ناجمة عن اصطدام الرأس بجسم ثقيل مع استبعاد حدوث الإصابة بسبب السقوط تحت تأثير الثقل نحو الخلف نظراً لشدة الأذية فوق مستوى حافة القبعة (يفترض الطبيب وجود قبعة على رأس المصاب ويحدد الحافة السفلية للقبعة على سبيل التوضيح).

قتل مع سابق الإصرار

وبمواجهة زوجة عبد الرحمن (المغدور) بنتائج التشريح انهارت وبدأت بالاعتراف عن حقيقة ما جرى ذلك اليوم.
كانت جلسة حوار عائلي مع أخيها فراس الذي أخذ مبلغاً كبيراً من المال من زوج أخته عبد الرحمن لتشغيله في مشروع تجاري باء بالخسران والفشل فبعد أن بدأ الزوج يلح على زوجته كي تتصرف لإعادة المال إليه ووصل الأمر حد تهديدها بالطلاق فضلاً عن اتهام الأخ بالنصب والاحتيال ذهبت الزوجة إلى بيت العائلة وطلبت من أخيها إعادة المبلغ فبدأ هذا بالانفعال حيناً والتبرير حيناً آخر بأنه قد تعرض لفشل وأنه سيعيد المال عند الميسرة وأثناء هذا الحوار كان عبد الرحمن قد عاد إلى بيته وطال انتظاره لعودة زوجته حين أخذ قراره بالتوجه بنفسه إلى بيت فراس وهناك وقف للشجار مع زوجته فيما اعتلى فراس الحافة العلوية للدهليز مختبئاً من مواجهته ولكن حين بدأ عبد الرحمن برفع صوته مهدداً بفضح عائلة زوجته فاجأ فراس زوج أخته بضربة بلوح خشبي على أم رأسه ولأن الزوجة كانت قريبة منه سارعت بإمساكه قبل السقوط وبعد نقله إلى المشفى وخلال الإفادة الأولى حول الحالة اتفق فراس مع أخته لتقول بأن عبد الرحمن سقط أرضاً دون إشارة لدوره في إصابته وهذا ما حصل.
غادرنا المشفى وشعور بالرضى يعلو محيا الفريق الطبي فدور الطبيب الشرعي لا يكتمل إلا عند استبانه وتوضيح الحالة والوصول إلى النتيجة التي ترضي ضميره وأخلاقه المهنية ففي دوره تحقيق للعدالة في القضاء.

ملاحظة

حرصاً منا على خصوصية الأشخاص لم نذكر الأسماء الحقيقية في الحادثة أو مكان وزمان وقوعها.


مـنـقـــــول
مجلة عالم الصحة
بقلم الدكتور بسام يونس المحمد
اختصاصي طب شرعي - حمص



Albilsan%20(115).gif

 

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

الله يعطيكي العافية يارب وردة*
 

Tobiza

بيلساني مجند

إنضم
Apr 8, 2010
المشاركات
1,151
مستوى التفاعل
19
المطرح
ببلاد الغربة
رسايل :

سَتُمْطِرُ السَمَاءُ يَومَـاً مَـآ بِ آمَانِينـَـآ ♥♥

أعلى