رؤوس احلام ... تحية لأحلام مستغانمي

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
ماذا لو خرجت حورية من البحر . . ؟
ماذا لو انسلت أنثى من الحبر . . ؟
لأنها هكذا دوما . . تقف الكلمات على مفترق الطرق . . عارية . . خائفة . . تتسكع ما بين ارتعاشات الليالي وصباحات الكلام, ومن ثم تهرب خوفا على نفسها من مهب الألفاظ , لتختبئ في رحم حبرها . .
لأنها. . سيدة الرواية شعرا . . سيدة لكل الاحتمالات , سيدة الأحاسيس العابرة للقارات , والانبهار الدائم بلقاء أول . . ووداع أول. .
و لأنها. . سيدة الشعر حبرا . . تصنع منك جثة هامدة للحب دون أن تدري , وتغلق أمامك مطارها كي لا تحاول الإقلاع . . ثم تحيلك إلى براد الذاكرة .
هي سيدة الحب موتا . . إياك أن تمر من بساتينها وحقولها . . إنها ألغام تنفجر شوقا , تنفجر جنونا , ثم تصنع منك لوحة يتيمة , لتغادرك مسافرة نحو مينائها , وأنت تسبح بدهشتك تقضم خيبتك .
فيا صديقي المغامر ( انتبه . . . يمكن لزهرة من الكلام أن تخفي غابة من القتلى )
ولم لا ؟ أليست هي من وجه الصواريخ البالستية تلك التي تحترف الاجتياح . . ؟
ولم لا ؟ أليست هي من أعلن الزوبعة تلك التي تتقن الأعاصير. . ؟

إنها السيدة احلام مستغانمي
هي المرأة الزوبعة ... تقول عن نفسها: أنا لم أقصد أن أكون زوبعة و لكن ما ذنبي إن ولدت في عين الاعصار
طوبى لهكذا اعصار سيدتي ... طوبى لنا بسيدة من ألق ... سيدة من وجع ... اهدتنا ذاكرتنا على شكل كتاب
طوبى لنا بكاتبة جعلت حواسنا تنتظم بفوضى العشق
طوبى لنا بك سيدتي ... فمن سرير الم إلى سرير حب كان كل واحد منا " عابر سرير "

أعزائي شباب و صبايا

أتمنى منكم إعطائي الضوء الاحمر لإهداء كل عاشق لقلم و سحر أحلام مستغانمي زاوية تضم مقالاتها الادبية و بعض من شعرها و نثرها
و لإنها تستحق زاوية باسمها شاركوني في....... رؤوس أحلام
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
تعالو انقاطع الحب

لا أفهــم أن يكون للحب عيده، ولا يكون للفراق عيد أيضاً، يحتفل فيه العشاق بالقطيعة، كما لو كانت مناسبة سعيدة، لا مناسبة للاحتفال بالنكد على طريقة أخينا، الذي يغني "عيد ميلاد جرحي أنا" ولا أفهم كيف أن هذا الكمّ من المجلات، التي تتسابق إلى تعليمنا، كيف نحب، وماذا نأكل من الأطعمة المثيرة للشهوة، وماذا نرتدي في المناسبات الحميمة، لم تفكر في نجدتنا بمقالات تعلُّمنا كيف نتفادى الوقوع في هذا المطبّ، ولا الاحتفاظ برأسنا فوق الماء إن نحن غرقنا، وكيف نتداوى من عاداتنا العشقية السيئة، بإيقاف تلك الساعة الداخلية فينا، التي تجعلنا نواصل العيش بتوقيت شخص، ما عاد موجوداً في حياتنا.

إذا كان ثمَّة مجلات قد خصّصت غلافها، لحثنا في هذا الصيف على تناول الكافيار والسومون والصدف والشوكولاتة، بصفتها أطعمة تفتح القابلية على ملذات أُخرى، عليها أن تقول أيضاً لِمَن لا يملك منا ثمن هذه الأطعمة الفاخرة، ولا يملك حبيباً يتناولها من أجله، ماذا عليه أن يلتهم ليقمع رغبات جسده؟ وبماذا تنصحنا أن نأكل في فترة نقاهتنا العاطفية، وماذا نرتدي من ثياب معلّقة في خزانة الذكريات؟ وأيّة أمكنة نزور للنسيان.. أو نتحاشى المرور بها؟ وأي كتب نطالع؟ ولأيِّ أغانٍ نستمع؟ وأية مُتع نُقاطع دون أخرى؟ وبِمَن نستنجد كي نُعجّل في شِفائنا؟ أبالعطّارين وقارئات الفنجان، على طريقة نـــــزار؟ أم بالمشعوذين والسَّحَرَة، على طريقة الأُمِّيات من النساء؟ أم بالحلاَّقين وبائعي المجوهرات ومُصمِّمي الأزياء، كما تفعل الثريَّات من النساء؟

وكنتُ قرأت أن الشَّعر يسرد تحوّلات المرأة ويشي بتغيّراتها النفسية، وتقلّبات مزاجها العاطفي فتسريحة الشَّعر ولونه وقصَّته، هي أول ما تُغيِّرها المرأة عند نهاية قصّة حُــبّ، أو بداية علاقة جديدة، كما لتُعلن أنها أصبحت امرأة أخرى، وأنها، كما الزواحف، غيَّرت جلدهـــا، وخلعت ذاكرتها.

وإذا كان في هذا الكلام، الذي يجزم به علماء النفس، من صحة، فإن أكثر النشرات العاطفية تقلّباً، تعود للمطربة اللبنانية مادونـــــا، التي منذ عشر سنوات، وهي تطلّ علينا أسبوعياً، بتسريحة أكثر غرابة من الأولى، حتى ما عدنا نعرف لها شكلاً ولا لوناً.. ولا قلباً! وفي المقابل، أذكر أنني قرأت، أثناء الحملة الانتخابية لبوش الابن، ثناءً على زوجته، بصفتها امرأة رصينة وذات مزاج ثابت، حتى إنها لم تغيّر تسريحتها منذ زواجها وعلينا أن نستنتج أن السيدة الأميركية الأُولى، عكس هيلاري كلينتون، التي بدأت مؤخراً تصول وتجول عاطفياً، انتقاماً مما ألحقه بها بيــل من أذى، هي امرأة وفيّة، لم تعرف في حياتها سوى ذلك المخلوق الوفيِّ للقيم الأميركية، ولأُمّـــه بـربــــــارة، التي أعطته تربية تليق برئيس قادم للولايات المتحدة، فذهبت حتى تعليمه، كيف يمضغ جيداً الكعك الذي يتسلَّى بتناوله أمام التلفزيون فرؤســــــاء أميركا مضطرون إلى التهــام الكعك، أثناء متابعتهم الأخبــــــار، بسبب الاكتئــاب الذي يصيبهم من أخبارنا والتعاطي بشؤوننا، حتى إن الكاتب جونثان ستيل، ينقل عن الرئيس كينــدي قوله، "إنَّ الاتصالات مع وزارة الخارجية أشبه بالمجامعة مع مَـخَــدَّة!" ذلك أنَّ ثمَّة علاقة بين الأكل وحالات التوتّـــر والْمَلل الجسدي ولأنَّ القطيعة العاطفية تصيب بالاكتئاب، فثمَّة مَن يتداوى منها بالهجوم على البراد، أو باللجــوء إلى محال الثياب وهنا أيضاً كثيراً ما يشي وزننا الزائــد، بما فقدناه مِــن حُــبّ، وتفيض خزانتنا بثياب اقتنيناها لحظة ألم عاطفي، قصد تجميل مزاجنا، عندما فرغت مفكِّرتنا من مواعيد، ماعدنا نتجمّل لها، بينما يهجم البعض الآخر على الهاتف، يُحــــادث الصديقات والأصدقاء، ويشغل نفسه عن صوت لن يأتي، لشخص وحده يعنيه.

وللقـــارئات الْمُبتليات بالهاتف أقول، إن الحمية العاطفية تبدأ بريجيم هاتفي، وبالامتناع عن الشكوى إلى الصديقات، عملاً بنصيحة أوسكار وايلد، الذي كان يقول: "إنَّ المرأة لا تُواسي امرأة أخرى.. إلاَّ لتعرف أسرارها!".​
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
الرقص على أنغام الطناجر

منذ أن التحقت بوظيفتي كـ "ست بيت" وأنا أحاول أن أجد في قصاص الأشغال المنزلية متعة ما، تخفف من طبعي العصبي الجزائري في التعامل مع الأشياء، قبل أن أعثر على طريقة أخوص بها المعارك القومية والأدبية، أثناء قيامي بمهامي اليومية.
وهكذا، كنت أتحارب مع الإسرائيليين، أثناء نفض السجاد وضربه، وأرش الإرهابيين بالمبيدات، أثناء رشي زجاج النوافذ بسائل التنظيف، وأمسح الأرض بناقد صحافي، أثناء مسحي أرض البيت وشطفها، وأتشاجر مع مزوري كتبي، ومع الناشرين والمحامين، أثناء غسل الطناجر وحكها بالليفة الحديدية، وأكوي "عذالي" وأكيد لهم أثناء كي قمصان زوجي، وأرفع الكراسي وأضعها مقلوبة على الطاولات، كما أرفع بائعا غشني من ربطة عنقه.
أما أبطال رواياتي، فيحدث أن أفكر في مصيرهم وأدير شؤونهم، أثناء قيامي بتلك الأعمال البسيطة التي تسرق وقتك، دون أن تسرق جهدك، والتي في إمكانك أن تسهو وأنت تقوم بها، من نوع تنظيف اللوبياء، وحفر الكوسا، وتنقية العدس من الحصى، أو غسل الملوخية وتجفيفها. حتى إنني بعد عشرين سنة من الكتابة المسروقة من الشؤون البيت أصبحت لدي قناعة، أنه لا يمكن لامرأة عربية أن تدعي أنها كاتبة إن لم تكن قد أهدرت نصف عمرها في القيام بالأشغال المنزلية، وتربية الأولاد، وتهريب أوراقها في الأكياس كسارق، من غرفة إلى أخرى، ولا أن تدعي أنها مناضلة، إن لم تكن حاربت أعداء الأمة العربية بكل ما وقعت عليه يدها من لوازم المطبخ، كما في نداء كليمنصو، وزير دفاع فرنسا، أثناء الحرب العالمية الأولى، عندما صاح: "سندافع عن فرنسا، وندافع عن شرفها، بأدوات المطبخ والسكاكين.. والشوك.. والطناجر إذا لزم الأمر".
وإذا كان كليمنصو هو الرجل الوحيد في العالم الذي دفن واقفا حسب وصيته، لا أدري إذا كان يجب أن أجاريه في هذه الوصية لأثبت أنني عشت ومت واقفة خلف المجلى وخلف الفرن، بسبب "الزائدة القومية" التي لم أستطع استئصالها يوما، ولا زائدة الأمومة التي عانيت منها.
يشهد الله، أنني دافعت عن هذه الأمة بكل طنجرة ضغط، وكل مقلاة، وكل مشواة، وكل تشكيلة سكاكين اشتريتها في حياتي، دون أن يقدم الأمر شيئا في قضية الشرق الأوسط.
وكنت قبل اليوم استحي أن أقول لسيدات المجتمع اللائي يستقبلنني في كل أناقتهن ووجاهتهن، إنني أعمل بين كتابين شغالة.. وصانعة، كي استعيد "الشعور بالعبودية"، الذي عرفته في فرنسا أيام "التعتير" والذي بسببه كنت أنفجر على الورق، حتى قرأت أن سفيرا تشيكيا في بريطانيا (وهو محاضر جامعي سابق) قدم طلبا لعمل إضافي، وهو تنظيف النوافذ الخارجية في برج "كاناري وورف" المعروف شرق لندن، لا كسبا للنقود، وإنما لأنه عمل في هذه المهنة في الستينات، ويريد أن يستعيد "الشعور بالحرية" الذي كان يحس به وهو متدل خارج النوافذ، معلقا في الهواء يحمل دلوا واسفنجة.
غير أن خبرا في ممجلة "فاكس" السويسرية أفسد علي فرحتي بتلك المعارك المنزلية التي كنت استمد منها قوتي. فقد نجحت سيدة سويسرية في تحويل المكنسة ودلو التنظيف إلى أدوات فرح، بعد أن تحولت هي نفسها من منظفة بيوت إلى سيدة أعمال، تعطي دروسا في سويسرا والنمسا وألمانيا، حول أساليب التمتع بالتنظيف من خلال الموسيقى والغناء، ودروس الرقص الشرقي وتنظيم التنفس.
أما وقد أصبح الجلي والتكنيس والتشطيف يعلم في دروس خصوصية في جنيف وبرلين وفيينا على وقع موسيقى الرقص الشرقي، فأتوقع أن أجد بعد الآن في مجالس النساء في بيروت من ستسرق مني حتى زهوي باحتراف هذه المهنة.
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
أقلام للقلب.. وأُخرى للجيب


نسيت أن أقول لكم، إنني كتبت مقالي السابق عن الجزائر، بقلم طُبع عليه بالفرنسية عبارة بوتفليقة في قلبي· فقد طاردتني الحملة الانتخابية حتى الطائرة العائدة بي من الجزائر إلى بيروت، ولم أجد وأنا محجوزة مدة أربع ساعات، سوى قلم أهداني إيّــاه أحد أنصار بوتفليقة، عندما زرت صديقتي خالدة مسعودي، وزيرة الثقافة والاتصال، في زيارة ودِّية لرفع العتب قبل مغادرتي الجزائر بيوم·
خالدة الرائعة، والمناضلة الشهيرة بتاريخ تصدِّيها للمتطرفين، الذين أحلُّوا دمها، وأرغموها لسنوات على الدخول في الحياة السرية، هي بثقافتها وشجاعتها السياسية، الفرس البربري الجامح، الذي راهن عليه بوتفليقة لكسب ثقة اليساريين والبربر والنساء بورقة واحدة·
إنها، بأصالتها وبساطتها، لا تشبه إلا نفسها·· بشعرها الأشقر الرجالي القصير، وبملامح أُنثوية جميلة، وبتلقائية وحماسة تفتقدهما عادة النساء حال جلوسهن على كرسي رسمي· فهي لا ترتدي تاييراً سوى في المناسبات· وتفعل ذلك بأناقة أوروبية عمليّة من دون بهرجة أو تشاوف· لا يزعجها أن تكون كفّاها مُطرّزتين بالحناء في كل مناسبة دينية، وبهما تكتب مرافعاتها ومحاضراتها السياسية، التي تُمثل بها الجزائر بتفوق في المحافل الدولية، بلغة فرنسية راقية، ما عاد يتقنها الفرنسيون أنفسهم·
لكنها، مذ شغلت مناصب سياسية كثيرة، أحدها ناطقة باسم الحكومة، رفعت خالدة تحدِّي اللغة العربية، وأصبحت تتحدث الفصحى بطلاقة·
مدير مكتبها قال لي مازحاً وهي ترغمني بمودَّة على مُرافقتها إلى قصر الثقافة لتدشين معرض جمعية الأمل لترقية وحماية المرأة والطفولة: إنها امرأة دائمة الركض·· أكثر عدوَاً من العدّاءة حسيبة بومرقة (الجزائرية حائزة الميدالية الذهبية في العدوِ)·
أتركها تسبقني بخطوات مُراعاة لمنصبها، لكنها تعود وتبحث عني لتُقدمني بفخر لنساء أنصاف أُميّات، يستقبلنها بالزغاريد، ويأخذن معنا صوراً تذكارية·· هـنّ البائسات اللائي فقدن بيوتهن في الزلازل، واللائي أوجدت لهن جمعيات وتظاهرات تمكّنهن من بيع منتجاتهن اليدوية وإعالة عائلاتهن· تضمّهن واحدة واحدة·· تقبّلهن بمودَّة وصبر· توشوشني: لابد من دعمهن· العمل أشرف لهن من مدّ أيديهن إلى الدولة أو إلى أزواجهن·
عدنا مُحمَّلتين بالورود، وبهدايا رفضتُ بمحبّة معظمها مُراعاة لحاجة مُقدِّماتها· لكنني احتفظت بالأقلام، ونسيت أن أعطيها أُمي التي كانت سعيدة بأن تعيش أوّل حملة انتخابية على الطريقة الأميركية· فراحت تجمع كل ما لهُ علاقة بمرشحها المفضّل بوتفليقة، من قمصان وقبّعات وشارات، تقوم بتوزيعها بدورها على السائق، وأبناء أخي ومَن يزورنا من شغِّيلة·
وأنا أكتب في الطائرة مقالي بذلك القلم الذي عليه عبارة بوتفليقة في قلبي، تذكّرت الدكتور غازي القصيبي الذي قال لي مرّة إنّ مَن يهدي كاتباً قلم حبر كمن يهدي فرّاناً ربطة خبز· وكنت يومها أشكو إليه إصرار بعض قارئاتي الثريات، على إهدائي أقلاماً فاخرة، يعادل ثمن بعضها تكاليف طباعة كتاب، من دون أن تكون تلك الأقلام قادرة على إلهامك نصّاً جميلاً، لكونها في حلّتها الذهبيّة تلك، لم تُخلَق سوى لتوقيع الصفقات والشيكات، ما جعلني أحتفظ بها في درج خاص لمجرّد الذكرى، لكوني لا أعرف الكتابة سوى بأقلام التلوين المدرسيّة التي تُباع في علبة من اثني عشر قلماً، لا أستعمل منها سوى أربعة ألوان· ونظراً إلى سعرها الذي لا يتجاوز الثلاثة دولارات، فأنا أُلقي ببقية الأقلام في سلَّة المهملات·
وبالمناسبة، أجمل قلم أحتفظ به أهداني إيّــاه الدكتور غـــازي القصيبي، في التفاتة جميلة من كاتب يدري أن القلم المستعمل، ذا السوابق الأدبيّة، أثمن من أقلام بِكْر لم تقترن بيد كاتب، وأن إهداء كاتب كاتباً آخر قلمه الشخصيّ هو أعلى درجات المودّة والاعتراف بـقلم الآخر·
لكن المحرج بالنسبة إلى كاتب، أن يكتب بقلم طُبع عليه اسم رئيس، حتى وإن كان ذلك الرئيس صديقاً منذ ثلاثين سنة، ومكانه في القلب حقّــاً·

أحلام مستغانمي
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
هاتف الحب.. أنقذني من الموت


ربما كنت مدينة للهاتف بوجودي بينكم على قيد الحياة. وعيت في ما بعد أنه كان يمكن لي أن أقضي في ذلك الحادث، الذي ذهب بحياة الفقيد الرئيس رفيق الحريري، وبعض مَن وضعتهم الْمُصادَفة يومها في طريقه، لولا أنني انشغلت ذلك الصباح بمكالمة طويلة وصلتني في "عيد العشّاق"، كسلَّة ورد صباحية، وحجزني شذاها في غرفتي ساعتين، ما جعلني أتأخر عن موعد نزولي من جبل برمّانا إلى بيروت. في الطريق، تذكّرت أنني، من سعادتي بذلك الصوت الذي يبتكر لي عيداً كلّ صباح، عابراً قارّات الاشتياق، نسيت سبب نزولي إلى بيروت. إذ كنت أقصد الغالية لطيفة لأُقدِّم لها هدية بمناسبة "عيد الحبّ". وعندما تنبّهت إلى نسياني الهدية التي قضيت يوماً قبل ذلك في اختيارها، واختيار طريقة لفّها والورود والفراشات التي تطوّعت البائعة بنثرها عليها عندما عرفت لِمَن سأُقدّمها، حزنت، وطلبت من ابني ونحن في الطريق، أن نعود إلى البيت لإحضارها، فراح، عن كسل، يقنعني بأن أُقدّمها لها في الغد. وعندما استسلمت لإرادته سلك طريقاً جبلياً آخر، بعدما لم يجد من ضرورة لسلوك الطريق البحريّ الذي نعبره كلّما نزلنا إلى بيروت، حيث منطقة الفنادق البحرية كانت ممرّاً حتمياً لنا. فجــأة، دقّ هاتفي الجوّال. كانت "مصاريت"، شغالتي الإثيوبية، تهمس لي مذعورة كَمَن استرق هاتفاً ليُكلّمني "مدام.. انتِ وين.. ما تروحي ع بيروت، في بومب.. ارجعي پليز حبيبتي". طبعاً، كانت أوّل مَن عرف بالخبر، بحُكم قضائها اليوم أمام التلفزيون، وصوتها كان يحادثني كما اعتاد مُحادثة صديقتها خلسة من هاتف البيت. ولم أفهم ماذا حدث، ولا كوني أخلفت طريق الموت المبكِّر، إلاّ عندما هاتفت لطيفة لأعتذر لها عن تأخري، وإذا بها تخبرني مذعورة أنّ الانفجار حدث مقابلاً لفندقها، وأن كل شيء اهتز وتطاير، والناس من حولها خرجوا بثياب النوم من غرفهم، وتجمعوا في بهو الفندق. وبعدما وجد نزلاء الفنادق الفخمة أنفسهم في ضيافة الموت، غادر بعضهم إلى بلده في أوّل طائرة، بينما توزّع آخرون على الفنادق الجبلية الفخمة. وهكذا، انطبقت علينا النكتة المصرية غداة حرب 67: "اللي كنّا رايحين لُـهُم.. جُونا". جاءت لطيفة لتقيم على بعد أمتار من بيتي. فقد كان عليها البقاء في بيروت لمواصلة تقديم دورها "ست الحُسن" في مسرحية "حُكم الرعيان" لمنصور الرحباني. كان القمر جاري لبعضة أيام، ووجدتني أنا التي كنت سأقضي معها صباح الحبّ، أقضي معها مساءه، فنتعشّى أنا وهي وأُختها منيرة عشاء "عيد العشّاق" على طاولة محاطة بباقات ورود، لم أفهم سرّها إلاّ عندما جاء قالب الحلوى الصغير ليشي لي بأنه "عيد ميلاد" لطيفة. ببساطتها، تقاسمت لطيفة قالبها الصغير، وقلبها الكبير، مع طاولة لسيدات خليجيات هربن معها من الفندق الآخر، قبّلت طويلاً أطفالهن، ورفضت أن تأخذ صورة مع معجب بها، ما كان مرفوقاً بزوجته. بعد ذلك رافقتُها حتى جناحها لأحمل معها باقات الورود، وبعض أحزانها في يوم غير عادي، ولم أقبل دعوتها إلى مزيد من السهر. في سهرات أُخرى بعد ذلك، كانت تُهاتفني مساء وأنا في ثياب النوم، فتصيح بي باللهجة التونسية "إبقاي كيما إنتِ.. إحنا وحدنا أنا ومنيرة وهديل.. قومي يامراة يزّيك من الكسل". وعندما تلحُّ ألبسُ أول شيء أعثر عليه وأقصدها. نتحدّث كثيراً، نضحك، نغني، نخطّط لمشروعات سينمائية ربما ننجزها معاً. تسألني فجأة: "كيف استطعت العيش في برمّانا؟ أنا لا أطمئن إلى مدينة لا يُرفع فيها الأذان". في لقاء سابق لنا، أُعجبتُ بمصحف إلكتروني، سمعيٍّ بصريٍّ، لا يفارقها جهازه الصغير، فأحضرته هديّة لي. لطيفة، الابنة الشرعية للحب، تُخفي امرأة مؤمنة تخاف اللّه وتذكره كلّ لحظة، إلى حدّ إرباكي. سخيّة معطاء، تشهر بهجة كاذبة، وغناءً يغطي أحياناً على نُواحها الداخلي. هاتفتني تطلب مني في الغد معطفاً أسود وشالاً تذهب بهما إلى عزاء عائلة الحريري. قالت إنها لا تملك شيئاً أسود في حقيبتها. سألتني أن أُرافقها. اعتذرت لأنني لا أحب زحمة التعازي، وواجبات الحزن، وأُفضِّل أن أُعزِّي صديقتي بهيّة الحريري لاحقاً، إنْ أنا صادفتها. أرسلت إلى لطيفة تشكيلة ما في خزانتي من سواد، واثقة بأنّ الأسود يليق بها. فـ"ست الحسن" التي تملأ مسرحية "حكم الرعيان" بهجة، وتملأ حقائبها، حيث حلّت، بالأوسمة، تحتاج إلى أن تكون "سيدة الحزن" كي تكون رائعة.
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
حان لهذا القلب أن ينسحب

حان لهذا القلب أن ينسحب


أخذنا موعداً
في حيّ نتعرّف عليه لأوّل مرّة
جلسنا حول طاولة مستطيلة
لأوّل مرّة
ألقينا نظرة على قائمة الأطباق
ونظرة على قائمة المشروبات
ودون أن نُلقي نظرة على بعضنا
طلبنا بدل الشاي شيئاً من النسيان
وكطبق أساسي كثيراً من الكذب.

وضعنا قليلاً من الثلج في كأس حُبنا
وضعنا قليلاً من التهذيب في كلماتنا
وضعنا جنوننا في جيوبنا
وشوقنا في حقيبة يدنا
لبسنا البدلة التي ليست لها ذكرى
وعلّقنا الماضي مع معطفنا على المشجب
فمرَّ الحبُّ بمحاذاتنا من دون أن يتعرّف علينا

تحدثنا في الأشياء التي لا تعنينا
تحدّثنا كثيراً في كل شيء وفي اللاّشيء
تناقشنا في السياسة والأدب
وفي الحرّية والدِّين.. وفي الأنظمة العربيّة
اختلفنا في أُمور لا تعنينا
ثمّ اتفقنا على أمور لا تعنينا
فهل كان مهماً أن نتفق على كلِّ شيء
نحنُ الذين لم نتناقش قبل اليوم في شيء
يوم كان الحبُّ مَذهَبَنَا الوحيد الْمُشترك؟

اختلفنا بتطرُّف
لنُثبت أننا لم نعد نسخة طبق الأصل
عن بعضنا
تناقشنا بصوتٍ عالٍ
حتى نُغطِّي على صمت قلبنا
الذي عوّدناه على الهَمْس
نظرنا إلى ساعتنا كثيراً
نسينا أنْ ننظر إلى بعضنا بعض الشيء
اعتذرنـــــا
لأننا أخذنا من وقت بعضنا الكثير
ثـمَّ عُدنــا وجاملنا بعضنا البعض
بوقت إضافيٍّ للكذب.

لم نعد واحداً.. صرنا اثنين
على طرف طاولة مستطيلة كنّا مُتقابلين
عندما استدار الجرح
أصبحنا نتجنّب الطاولات المستديرة.
"الحبُّ أن يتجاور اثنان لينظرا في الاتجاه نفسه
.. لا أن يتقابلا لينظرا إلى بعضها البعض"

تسرد عليّ همومك الواحد تلو الآخر
أفهم أنني ما عدتُ همّك الأوّل
أُحدّثك عن مشاريعي
تفهم أنّك غادرت مُفكّرتي
تقول إنك ذهبت إلى ذلك المطعم الذي..
لا أسألك مع مَن
أقول إنني سأُسافر قريباً
لا تسألني إلى أين

فليكـــن..
كان الحبّ غائباً عن عشائنا الأخير
نــــاب عنــه الكـــذب
تحوّل إلى نــادل يُلبِّي طلباتنا على عَجَل
كي نُغادر المكان بعطب أقل
في ذلك المساء
كانت وجبة الحبّ باردة مثل حسائنا
مالحة كمذاق دمعنا
والذكرى كانت مشروباً مُحرّماً
نرتشفه بين الحين والآخر.. خطأً

عندما تُرفع طاولة الحبّ
كم يبدو الجلوس أمامها أمراً سخيفاً
وكم يبدو العشّاق أغبياء
فلِمَ البقاء
كثير علينا كل هذا الكَذب
ارفع طاولتك أيّها الحبّ حان لهذا القلب أن ينسحب


* عُمر هذا النصّ خمس عشرة سنة
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
إلى إيطاليا.. مع حبي

إلى إيطاليا.. مع حبي



في رومــــا، تذكّرت أغنية الراحلة ميلينا مركوري، التي كانت في تشرُّدها النضالي تغنّي حيث أُسافر تجرحني اليونان، قبل أن تصبح وزيرة للثقافة في اليونان الديمقراطية·
مثلها، ما سافرت إلى بلد إلاّ وجرحتني هموم العروبة· وكنت جئت إلى روما، لحضور الحفل الذي قدّمته بنجاح كبير صديقتي المطربة الملتزمة جاهدة وهبي، في قاعة بيو الضخمة، التابعة لحاضرة الفاتيكان، وذهب ريعه لبناء مستشفى لأطفال الناصرية·
كان أهالي الجنود الإيطاليين الذين سقطوا في الناصرية، مُتأثرين ومُؤثرين في حضورهم إلى جانب أبناء الجالية العربية· فبعض أمهات وزوجات الجنود القتلى لم يخلعن حدادهن منذ عدة أشهر، لكنهن، على الرغم من ذلك، واصلن تضامنهن مع الشعب العراقي، لاعتقادهن أنَّ أبناءهن ذهبوا بنوايا إنسانية، لا في مهمة عدوانية كما خطَّط لها بعد ذلك البنتاغون·
إحدى أرامل الحرب، أبدت أُمنيتها لزيارة الناصرية، المدينة التي دفع زوجها حياته ثمناً لإعادة البسمة إلى أبنائها·
أما فكرة الحفل، فقد ولدت من تصريح شقيق أحد الجنود الضحايا، غداة مقتل أخيه، حين قال: مَن يريد تقديم تعازيه لي·· ليواصل جمع المال من أجل الأطفال الذين كان أخي يقدِّم لهم العون·
وقد نقلت وسائل الإعلام الإيطالية، آنذاك، قصة ذلك الجندي القتيل، الخارج لتوِّه من الفتوَّة، الذي درج على تناول وجباته الغذائية برفقة عدد من الأطفال العراقيين، واعتاد أن يقتطع من مصروفه مبلغاً يوزعه عليهم·
بعد موته، اكتشف الأطفال الذين ظلُّوا يترددون على مواقع العسكر، أن الجنود ليسوا جميعهم ملائكة، فقد غدت طفولتهم وجبة يومية للموت الأميركي الشَّـره·
بعد ذلك الحفل، أخذتْ إقامتي في روما منحىً عراقياً لم أتوقعه· أسعدني اكتشاف مدى حماسة بعض الإيطاليين للقضايا العربية، بقدر ما آلمني ألاَّ يجد هؤلاء أي سند، ولا أي امتنان من الجهات العربية في روما، أو من العرب أنفسهم، الذين لا يدلّلون ولا يسخون إلاّ على أعدائهم·
واحدة من هؤلاء الإيطاليين الرائعين، الجميلة ماورا غوالكو، التي اعتادت الحضور إلى لبنان كل 16 أيلول، مع وفد من الإيطاليين اليساريين الصحافيين في معظمهم، الناشطين في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، وذلك لإحياء الذكرى المأساوية لمذابح صبرا وشاتيلا، ماورا قالت لي بأسى، إنها ستتخلّف لأوّل مرّة منذ خمس سنوات عن هذا الموعد، لأنها ستضع مولودها في أيلول المقبل· ولكن رفاقها سيحضرون ليضعوا وروداً على مكان المذبحة، الذين فوجئوا عندما زاروه لأول مرة، بأنه تحوَّل إلى محل لرمي النفايات، فقاموا بتنظيفه بأنفسهم· وعندها استحت بلدية الغبيري، ووضعت شاهداً تذكارياً على ذلك المكان·
المستشرقة الصديقة إيزابيلا دافليتو، نموذج آخر للإيطاليين الذين يكافحون لتجميل صورة العرب· فهي تحاول بمفردها منذ سنوات، إنقاذ سمعة الأدب العربي، والإشراف على ترجمة أهم الأعمال الأدبية، في سلسلة تصدر عن دار نشر مناضلة على الرغم من برجوازية صاحبها المحامي المسنّ، ما جعلني أتردّد في المطالبة بحقوقي، من ناشر تورَّط في حُب عربي مُفلس·
كما يقوم عدَّة مثقفين موالين للعرب، بتنظيم ندوات فكرية أو سياسية، كتلك التي دُعيت إليها في مركز بيبلي، التي كانت مُخصصة للعراق، وألقيتُ خلالها نصاً شعرياً عن بغداد، تمت ترجمته للإيطالية·
إيزابيلا دعتني، رغم مشاغلها، إلى عشاء في بيتها، دعت إليه على شرفي ناشري والبروفيسور وليام غرانارا، الأستاذ في جامعة هارفارد، والمستشرق الأميركي، الذي احتفظ بوسامة أصوله الإيطالية، وبحبِّه الأدب العربي·· ومشتقاته·
وليام، الذي سبق أن التقيته في مؤتمر في القاهرة، اقترح دعوتي إلى أميركا لموسم دراسي ككاتبة زائرة، وناقشني بفصاحة مدهشة في رواياتي·· لكن من الواضح أنه لم يقرأ مقالاتي·
لقائي الأكثر حرارة·· كان مع المخرج التلفزيوني داريو بلّيني، الذي سبق أن شاهدت له في مركز بيبلي، شريطاً وثائقياً عن بغداد، أبكى معظم الحاضرين، وهو يعرض يوميات العذاب والموت والإذلال، التي يعيشها العراقيون على أيدي جيش التحرير الأميركي·
داريــو، الذي أُعجب بقصيدتي عن العراق، طلب مني أن يُصوّرها على شكل كليب لبرنامج ثقافي فـي التلفزيون الإيطالي·
وهكذا قضيت آخر يوم برفقته، ورفقة الشاعرة ليديا فيلو، نُصوِّر القصيدة باللغتين، بعضها في بيت موسوليني، والبعض الآخر وسط المظاهرات العارمة، التي كانت يومها تجتاح شوارع روما، مندِّدة بالحرب الأميركية على العراق·
إيطاليــــا العظيمة، لم تنجب فقط النصّابين والمافيوزي·· ومرتزقة الحروب، لقد أنجبت أيضاً مَن يعطون درساً في الإبداع·· وفي الإنسانية·


أحلام مستغانمي
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
موعد مع روما

موعد مع روما


منــذ عقدين وأكثر، وأنـا أُؤجل موعدي مع رومـــا· فقد كانت محطَّة اشتياق تقع بمحاذاة إقامتي الصيفية· وكنتُ أُريد معها لقاءً يُضاهي جغرافية جَمَالها، وتاريخ انبهاري بنحّاتيها ورسّاميها ومُغنِّيها وطُهاتها، مُصرَّة على انتظار الموعد المناسب، لدخولها بذريعة حبّ ما· فمع مدينة مثل روما، يجتاحك حنين الفتوحات العشقيَّة· لــــذا، ما وثقت يوماً ببراءة مَن يزورها بحجّة سياحيَّة، ولا احترمت مَن يقصدها، فقط، بنيَّة التسوّق أو اقتناء أحذيــة·
رومــــا، ككلِّ المدن الإيطالية، ليست فوق ولا تحت الشُّبهات· إنها الشبهة ذاتها· تسبقها ذبذبات عاطفية، تشي بها بحَّــة داليـــدا، وشفتا صوفيا لورين، ووسامة ماستروياني، والإغـــراء الغامض لرجال لا أسماء لهم، يرتدون الأسود وغِوايـــة المافيوزي·
لــــذا، ما ظننتني أحتــاج سوى إلى افتعال أحلامي لدخولها·
فثمَّــة حتمــاً عشق إيطالي ينتظر أيّ زائـــر حــال نزوله من الطائرة· كما انتظر ذلك الأمير ساندريللا الحافيّــة مُمسكاً بفردة حذائها·
وثمَّـة نوافير وبرك مرمريــة، ستستحم فيها امــرأة خالعــة شُبهة حذائها كما في فيلم الدولتشي فيتــا، بعد حُــبّ التهمت نيرانه تلابيب جسد متوسطيّ المزاج، تربَّى على الْمُعجّنات والصلصة الحمراء ذات البهارات الحارَّة، وعلى موسيقى مسكونة بإيقاع الشهوات·
ولكن، وحده فيلليني استطاع الإمساك بوهــم روما، وترك لنا شوارع نسيت أسماءها، وأصبحت في ذاكرة أبناء رومــا، تحمل أسماء أفلامه ووجوه نساء مُفرطات في الشغف·
أمّــا ليوناردو دافنشي، فغادر روما ليتولّى إدارة حركة الهبوط والإقلاع في مطار يحمل اسمه· لقد تقاعد عن حبّ الموناليزا، وترك أحفاده من شعراء ومُحتاليــن، وعشّاق وثرثاريــن، يتكفّلون باستقبال السيّاح والتجار والمغفّلين من الزوّار·
في سيارة الأُجــرة التي كانت تنقلني من المطار إلى رومـــا، كنتُ مشغولة عن متابعة لهاث العَـدَّاد المعبوث بأرقامه، بإعــادة الكلمات الإيطالية التي كان يتحدَّث بها سائقي، الْمُفـرط في اللطــف، إلى أُصولها الفرنسيّة، أتأمَّــل مدينة تعيش السيولة الزمنيّة، حتى في الانفتــاح الشاسع للمكان، الذي عكس جنيف، لا تقطع أنفاسه عند كلّ شارع إشارات المرور· فرومــا كأهلها، مدينة مزاجيّـة، لا تحبّ الضوء الأحمر، ولا الألوية الحمراء التي حكمتها يوماً، ويحدث ألاَّ تحترم الضــوء الأحمر· ولا أحد يجد في ذلك جريمة· فالْمُشاة يقطعون الطرقات الشاسعة كيفما اتفقّ، والشوارع مُزدحمة بالسيارات، حتى إنهم أعلنوا يوم الأحد يوماً يُمنع فيه استعمال السيارات الخاصّـة·
وأفهَم أن يكون الكاتب الإيطالي داريُـو فــو قد علم بنبأ فوزه بجائزة نوبل، عندما اقتربت منه سيارة عليها لوحة كُتب عليها داريو لقد فزت بجائزة نوبل· فالإيطاليون يقضون نصف وقتهم في السيارات، ويتعذّر الاتصال بهم، لأنهم أثناء ذلك، يكونون مشغولين بالتحدُّث على هواتفهم النقّالة·
رومـــا المزدحمــة حبّــاً وبهجة وغشّاً وضجيجاً موسيقياً لكلام كأنه غناء، لا تترك لك وقتاً للتأمُّل أو لِمُساءلة التاريخ· لكأنها مدينة منذورة لكعوب النساء، تصرُّ على تكبيدكَ خسائر شرائيّـة لست مهيأً نفسياً لها، لأنك مازلت لا تدري لِمَن سترتدي كل الثياب المعلّقة في خزانتك، ولا أين ستذهب بأحذيتك الفاخــرة الفارغــة، التي أضاعت وجهتها، كما ألبرتو مورافيا القائل رأسي مليء بأوراق الميترو العتيقة·
كان قلبي مزدحماً بأحذية عتيقة، أغلى على ذاكرتي من أحذية إيطالية تعرضها واجهات رومــا لغير الأقدام العاشقة·
ثـمَّ إنّ ذلك السائق الذي احتال عليَّ، وأقنعني من دون أن أعترض على نصبه، إنني مددته بورقة نقدية من فئة العشرة يورو، لا من فئة الخمسين، وتقاضى مني بالتالي ما يفوق المئة يورو، مقابل إيصالي من المطار إلى رومــا، لا يدري كم أساء لأحذية أحلامي الإيطالية، وأطــــاح بموعـدي العشقي الأوَّل مع إيطاليـــا·


أحلام مستغانمي
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
ابني.. الإيطالي

ابني.. الإيطالي

انتهى حديثي عن رومــــا، عند ذلك السائق الذي تشاطر عليّ وأقنعني بأنني أمددته بورقة نقدية من فئة العشرة يورو·· لا الخمسين، وتقاضى مني بالتالي مئة يورو، عن مشوار المطار الذي يساوي نصف ما دفعت·
ولم يحزنِّي الأمر كثيراً، مادام هذا كلّ ما فقدت، مقارنة بنسيبي، الذي على فائق ذكائه وشطارته، وتردده على إيطاليا أكثر من مرَّة، نجح الطليان في ميلانــو في سرقة حقيبة يده، بكل محتوياتها من مبالغ نقدية وجوازات سفر وبطاقات مصرفية، بعد أن قاموا بتنفيس دولاب سيارته، وسطوا على محتوياتها أثناء توقُّفه للبحث عمَّن يساعده· وهكذا تحوّلت لديه مقولة روما فيدولتا فيدا بردوتا أي شاهد روما وافقد إيمانك إلى شاهد روما وافقد جزدانك (أي حقيبة يدك)·
ابني غسان، الذي جاء من لندن، حيث يتابع دراسته في إدارة الأعمال، التحق بي كي يراني ويكتشف روما، أخيــــراً، بعدما قضى الصيف الماضي في إيهام بنات كان بأنه إيطالي، حتى إنه اختار اسماً حركياً لغزواته العاطفية، بعد أن وجد أنّ البنات يقصدنه لذلك السبب· فالرجل الإيطالي له سطوة لدى الفرنسيات بحُكم صيته العشقي، وأناقته المتميزة· ولا داعي لتخييب ظن البنات مادام الأمر لا يتعدَّى سهرة في مرقص· وعبثاً حاولت مناقشة الموضوع معه، وإقناعه بأن حبل الكذب قصير، فكان يردُّ بأن البنات هنّ مَن يفضّلن سماع الأكاذيب· وانتهى بي الأمر إلى الاقتناع بقول عمر بن الخطاب (رضي اللّه تعالى عنه) لا تخلِّقوا أولادكم بأخلاقكم، فقد خُلِقوا لزمان غير زمانكم، خاصة أنني عجزت أيضاً عن إقناعه بالوفاء لصديقة واحدة، ودفعت ثمن تعدُّد صديقاته، عندما كان عليَّ في روما أن أشتري هدايا لهن جميعاً، وأتشاور معه طويلاً في مقاساتهن وأذواقهن، وأجوب المحال النسائية بزهد كاتبة، بعد أن جبت المحال الرجالية بصبر أُمٍّ، لأشتري له جهازاً يليق بوظيفة في النهار في بنك إنجليزي، ووظيفة ليلاً كعاشق إيطالي·
وقد حدث في الصيف أن أشفقت كثيراً على إحدى صديقاته، الوحيدة التي عرّفني إليها، والتي تقدَّم إليها باسمه الحقيقي، نظراً إلى كون علاقتهما دامت شهرين· وكانت المسكينة تدخل في شجارات مع والدها، المنتمي إلى الحزب اليميني المتطرِّف الذي يشهر كراهيته للعرب، وتستميت في الدفاع عمّا تعتقده حبّاً· وذهبتْ حتى شراء نسخة من ذاكرة الجسد بالفرنسية لإطلاع أهلها على أهمية حماتها، وكانت تملأ البيت وروداً كلّما سافرت وتركت لهما الشقة، وتُهاتفني سراً لتسألني إن كان ابني يحبّها حقاً· ووجدتني مرغمة على الكذب عليها· وتأكيداً لأكاذيبي، صرت أشتري لها هدايا كي يقدِّمها لها ابني، بما في ذلك هدية وداعٍ، عندما غادر غسان كان إلى لندن· فالمسكينة لم تكن قد سمعت بمقولة مرغريت دوراس: في كلِّ رجل ينام مظلِّي· ولم تكن تدري أنّ الرجال دائماً على أهبة رحيل نحو حبّ آخر· ربما من وقتها أضفت إلى واجبات أُمومتي، واجب شراء هدايا لصديقات ابني، وإلى مشاغلي الروائية·· مهمّة إسعاد بطلة حقيقية، تشبهني في شغفي وذعري وشكّي وسخائي·· و غبائي العاطفي·
بعد عودته إلى لندن، هاتفني غسان مبتهجاً· قال: شكراً ماما·· كانت الإقامة معكِ جميلة في روما·· الثياب التي اشتريتها لي أعجبت الجميع·· وصديقاتي هنا جميعهن سعيدات بالهدايا· ثم أضاف مازحاً: جاهز أنا لأراكِ في أيّة مدينة تسافرين إليها·
غسان عمره 23 سنة·
التهم من كتب الأدب والفلسفة أكثر مما قرأت أنا·

أحلام مستغانمي
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
شفتان على شَفَا قُبلة


"هل عشت القبلة والقصيدة
فالموت إذن
لن يأخذ منك شيئاً"

الشاعر الإغريقي يانيس ريتسوس

**1**

اختبر الأدب بشفتيك
كيف يمكنك أن تصف متعة
ذروتها أن تفقد لغتك؟
كلّما تقدّم بنا الحبُّ نشوة
أعلن العشق موت التعبير

**2**

شفتان تُبقيانك على شَفَا قُبلة
لا شفاعة
لا شفاء لِمَن لثمتا
لا مهرب
لا وجهة عداهما أو قِبلة
مجرد شفتين أطبقتا على عمرك

**3**

ركوة قُبلتك الصباحيّة
قهوة لفمين
أغرق فيها كقطعة سكر
أرتشفها بهال الشكر
حمداً لك
يا مَن وضعت إعجازك في شفتين
وجعلتهما حكراً عليّ

**4**

ما كنت لأُحبّهما إلى هذا الحدّ
شفتاك اللتان نضجتا
بصبرحبّات مسبحة
تسلّقتا شغاف القلب
عناقيد تسابيح وحمد
ما كان لقُبَلِكَ أن تُزهر
على شفتيّ
لو أنّ فمك لم ينبت
بمحاذاة مسجد

**5**

في غفوته
في ذروة عزلته
يواصل قلبي إبطال مفعول قُبلة
فتيلُها أنت

**6**

يا للهفتك
يا لجوعي إليك بعد فراق
ساعة رملية
تتسرّب منها في قبلة واحدة
كل كثبان الاشتياق

**7**

كيف بقبلة تُوقِفُ الزمن؟
كيف بشفتين
تُلقيان القبض على جسد؟

**8**

يا رجلاً
مَن غيرك
سقط شهيداً
مُضرّجاً بالقُبَل؟
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
أيها الرب ...........إذا جعلتني أقوى

أيها الرب ...........إذا جعلتني أقوى



إذا كان ما حدث في أميركا في "صباح الطائرات"، قد تطلّب منّا وقتاً لتصديق غرائبيّته وهَوْلِـه، فإنّ الكتابة عنه، بقدر من الموضوعية والإنسانية، كانت تتطلّب منّـا أيضاً بعض الوقت، كي نتجاوز أحاسيسنا الأُولى، ونعي أنّ تلك الأبراج الشاهقة، التي كانت "مركز الجشع العالمي"، التي انبهر الملايين من بؤساء العالم وجياعه ومظلوميه، وهم يشاهدون انهيارها، لم تكن مجرّد مبانٍ تُناطح السحَاب غروراً، بل كانت تأوي آلاف البشر الأبرياء، الذين لن يعرفوا يوماً لماذا ماتــوا، والذين كانوا لحظة انهيارها يُدفنون تحت أنقاضها، ويموت العشرات منهم، محترقين بجنون الإرهاب، دون أن يتمكَّن أهلهم من التعرّف حتى إلى أشلائهم المتفحّمة، ليكون لهم عزاء دفنهم أو زيارة قبورهم في ما بعد.

لــم تكن المباني إذن مِن ديكورات الكارتون، كما يتمُّ تجسيمها عادة في استديوهات هوليوود، عندما يتعلَّق الأمر بخدع في فيلم أميركي يصوّر نهاية العالم: فكيف انهارت بتلك السرعة الْمُذهلة، وجعلتنا نكتشف، مذعورين، هشاشة الْمَفاخر التكنولوجية، والحضارة العصرية، القائمة على الْمُزايدات التقنية، والتشاوف بين الأُمم؟

ذلك أن الكثيرين، من الذين ماتــوا تلك الميتة الشنيعة، قضوا أعمارهم في أكبر الجامعات وأغلاها، كي يتمكّنوا يوماً من تسلُّق سلّم الأحلام، والوصول إلى أعلى ناطحة سحاب في العالم، حيث ينبض "جيب" الكرة الأرضية وماداموا لم يسمعوا بابن المعتز، وإنما ببيل غيتس، نبيِّ المعلوماتية ورسولها إلى البشرية، فقد فوّتوا عليهم نصيحة شاعر عربي قال: "دعي عنكِ المطامع والأماني --- فكم أمنيةٍ جلبت منيّة"

ساعة و44 دقيقة فقط، هو الوقت الذي مرَّ بين الهجوم على البرج الأول وانهيار البرجين وإذ عرفنا أن الوقت الذي مـرَّ بين ارتطام عابرة المحيطات الشهيرة "تايتانيك" بجبل جليدي وغرقها، كان حسب أرقام الكوارث ساعتين وأربعين دقيقة، بينما تطلَّب إنجازها عدَّة أعوام من التخطيط والتصميم، وكلَّفت أرقاماً خُرافية في تاريخ بناء البواخر، وكذلك سقوط طائرة "الكونكورد" الأفخم والأغلى والأسرع لنقل الركّاب في العالم، واحتراقها (بركابها الأثرياء والمستعجلين حتماً)، في مــدّة لا تتجاوز الخمس عشرة دقيقة، وإيقاف مشروع تصنيعها لحين، بخسارة تتجاوز آنذاك مليارات الفرنكات، أدركن هشاشة كلّ ما يزهو به الإنسان، ويعتبره من علامات الوجاهة والفخامة والثراء، ودليلاً على التقنيات البشرية المتقدمة، التي يتحدّى بها البحر حيناً، لأنه يركب أضخم وأغلى باخرة، ويتحدّى بها السماء حينا آخر، لأنه يجلس فوق أعلى وأغلى ناطحة سحاب، جاهلاً أن الإنسان ما صنع شيئاً إلاّ وذهب ضحيته، ولــذا عليه أن يتواضع، حتى وهو متربّع على إنجازاته وقد كان دعاء أمين الريحاني "أيّها الربُّ إذا جعلتني أقوى، فاجعلني أكثر تواضُعاً".

أميركا التي خرجت إلينا بوجه لم نعرفه لها، مرعوبة، مفجوعة، يتنقّل أبناؤها مذهولين، وقد أطبقت السماء عليهم، وغطَّى الغُبار ملامحهم وهيأتهم، لكأنَّـهـم كائنات قادمة إلينا من المرِّيخ، لفرط حرصهم على الوصول إليه قبلنا، أكانت تحتاج إلى مُصَابٍ كهذا، وفاجعة على هذا القدر من الانفضاح، لتتساوى قليلاً بنا، نحنُ جيرانها، في الكرة الأرضية، الذين نتقاسم كوارث هذا الكواكب كلَّ يوم؟

ذلك أنه منذ زمن، والأميركيون جالسون على علوّ مئة وعشرة طوابق من مآسينا فكيف لصوتنا أن يطالهم؟ وكيف لهم أن يختبروا دمعنا؟

لــم يكن إذن ما رأيناه في الحادي عشر من أيلول، مشهداً من فيلم عوَّدتنا عليه هوليوود كان فيلماً حقيقياً عن "عولمة الرعب"، بدمار حقيقي وضحايا حقيقيين، بعضهم كان يعتقد آنذاك أنه يتفرّج على "الفيلم"، عندما وجد البرجين ينهاران فوق رأسه وكما في السينما، كان السيناريو جاهزاً بأعداء جاهزين المفاجأة أننا ما كنّـا نتوقع أن يتمّ اختيارهم بقرعة الجغرافيا من بين الْمُشاهديـــن.
لا جـــدوى مِن الإسراع إلى إطفاء جهاز التلفزيون ذلك أنَّ "النسر النبيل"، هو الذي يختار في هذا الفيلم الأميركي الطويل، لِمَن مِن المشاهدين سيُلقّن درساً ومتى، فهو الذي يقرّر إلى مَنْ منّـا سيسند دور الشرِّير.
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
العراقي.. هذا الكريم الْمُهَان

العراقي.. هذا الكريم الْمُهَان


أذكر أنّ طيِّب الذِّكر، عديّ، كان في آخر عيد ميلاد للقائد المفدَّى، قد اقترح على لسان مجلّة الشباب، التي كان يرأسها، أن يكون يوم 28 نيسان، بداية التقويم الزمني الجديد في العراق، وأن يبدأ العمل به في روزنامة الأعوام المقبلة، رافعاً بذلك والده، صاحب الرسالة الحضارية الخالدة، إلى قامة الرُّسل والأنبياء الذين بمولدهم يبدأ تاريخ الإنسانية·
غير أنّ بوش، في فكرة لا تقلُّ حماقة، ارتأى أن يكون 9 نيسان، يوم سقوط بغداد وهجرة صدام إلى ما سمّاه الإعلام الأميركي بعد ذلك حفرة العنكبوت، يوم عيد وطنيٍّ، وبداية للتقويم الجديد، في أجندة الحرية، التي تؤرِّخ للزمن العراقيّ الموعود·
وبين مولد الطاغية النبيّ وتاريخ هجرته من قصوره العشرة، إلى حفرته ما قبل الأخيرة، ضاع تاريخ العراق، وفرغ الوطن من خيرة أبنائه، ودُمِّرت منشآته الحربية وبنيته التحتية، وأُهين علماؤه، وتحوَّل مثقفوه من مفكري العالم ومن سادته إلى متسوِّليه· وانتقل العراق من بلد يمتلك رموز الحضارات الأُولى في العالم، وآثاراً تعود لستة آلاف سنة، إلى شعب يعيش في ضواحي الإنسانية، محروماً حتى من الظروف المعيشية الصحية، ومن مستشفيات تستقبل مرضاه، ومقابر تليق بموتاه، وموت يليق بطموحاته المتواضعة في ميتة نظيفة وطبيعية قدر الإمكان·
العراقـــي·· هذا الكريم الْمُهَـــان، يرتدي أسمال مجده، منتعلاً ما بقي من عنفوانه، يقف على أغنى أرض عربية، فقيراً دون مستوى الفقر، أسيراً دون مستوى الأَسر·· الذين جاؤوه بمفاتيح أصفاده، فعلوا ذلك مقابل ألاّ يكون ليده حق توقيع مصيره· وعندما خلع عبوديته، وجد نفسه في زنزانة في مساحة وطن· فقد سطوا على أمنه الوظيفيّ، وسقف بيته، وسرير مستشفاه، واحتجزوه في دوائر الخوف والموت العبثي· جرّدوه من كرامة كانت تصنع مفخرته· سرقوا من القتيل كبرياءه، ومن الشهيد شهادته·
يكاد المرء يفقد صوابه، وهو يتابع نشرات الأخبار· لا يدري إنْ كان يشاهد العراق أم فلسطين؟ الفلُّوجــــة أم جنيــــن؟ لا يدري مَـــــنْ تَتَلمَـــذ على يــد الآخر: أميركــــا أم إسرائيــــل؟
لكأنه المشهد نفسه: عُروبــــــة تحت الأنقــاض، دموع تضرُّعــات، جثث، مقابر مُرتجلة في ملعبٍ أو في حديقة مستشفى، أطفال في عمر الفاجعة، وأُمهات يخطف الموت أطفالهن من حجورهن·
إنها حرب تحرير يُراد بها تحرير العراق من أبنائه· غير أن البعض في اجتهاد لغويّ يُسمِّيها حرب احتلال، لأنّ المقصود بها احتلال القلوب العراقية والعربية، الْمُشتبه في كرهها لأميركا، في اجتياح عاطفي مُسلَّح لم نشاهد مثله في أي فيلم هوليوودي·
وبحُكم تداخل العواطف وتطرُّفها، وحيرة فقهاء اللغة وخبراء القلوب، حلّ أحدهم المعضلة اللغوية، بأن اشتق مصطلح تحلال لوصف ما يجري في العراق، بصفته مزيجاً فريداً من التحرير والاحتلال·
وهكـــذا صار في إمكاننا أن نُغْني المعجم العربي بكلمة جديدة، ونتحلَّق حول التلفزيون، نحنُ متابعي الفيلم الأميركي·· الطويـــل·

أحلام مستغانمي
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
نجيب «محفوظ» في الذاكرة

نجيب «محفوظ» في الذاكرة

الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي تكتب عن لقائها الأول بعميد الرواية العربية

احتفل نجيب محفوظ مؤخرا ببلوغه التسعين.
وبالنسبة الي، سيبقى عمره سبعة وثمانون عاما.. العمر الذي التقيته ذات 11 ديسمبر 1998.
كان يومها تاريخ ميلاده، والتاريخ الذي نلت فيه جائزة تحمل اسمه، وهي جائزة، ما كنت سمعت بها من قببل، حتى انني ما كنت اعرف ان كاتبين سبقاني الى نيلها.
لم اكن يومها قد بلغت عمر الجوائز لأتوقع جائزة او اسعى اليها. ولكنني بحصولي عليها عن روايتي "ذاكرة الجسد" بلغت عمر الفاجعة، ودخلت "ذاكرة الحسد". فلقد اكتشفت كم ان الطريق الى النجاح محفوف بالعداوات، وكم انا عزلاء، امام ذلك الكم من الاحقاد والدسائس التي لم افهم لها سببا، لكوني اعتقدت دوما، ان الجوائز لم تصنع يوما مجد كاتب، بل كثيرا ما صنعت نكبته من دون ان تصنع بالضرورة شهرته.. او ثروته.
غير ان الاخرين يحسدونك دوما على الشئ الذي يعتبرونه الاهم بالنسبة اليهم، لا على الذي هو الاهم بالنسبة اليك، والذي من نعم الله عليك انهم لا يدركونه، لانهم يملكون احلاما غير احلامك. وانا كانت مصيبتي دائما انني احقق احلام الاخرين.
مرت ثلاث سنوات على نيلي جائزة نجيب محفوظ، ولم يبق منها في قلبي من بريق مراسيمها الرسمية، سوى تلك السعادات السرية التي عرفتها بمحاذاتها، وذلك التكريم الذي منحتني اياه الحياة في الخفاء.. بعيدا عن الاضواء، والتي احداها حضور العزيز نور الشريف حفل تكريمي، لاعجابه منذ سنوات بـ "ذاكرة الجسد"، ورغبته في نقلها الى السينما (وهي امنية ما زالت تبحث لها عن ممول).
اما فرحتي الاخرى فكانت لقائي نجيب محفوظ وعبوري من الكتاب الى الكاتب.. بذريعة جائزة.
لا انسى زيارتي الى بيته في شارع النيل. فقد فاجأني ذلك المبنى العادي بمدخله المتواضع، الذي تتجاور فيه سلال الورد التي فاض بها بيته بمناسبة عيد ميلاده، بمنظر قطة تأكل طعاما على الارض.
قصدناه ذلك الصباح، انا وبارعة سريح، مترجمة اعمالي الى اللغة الانجليزية، ونبيلة عقل ممثلة الجامعة الامريكية في القاهرة، وهي الجامعة التي تتولى ترجمة اعمال نجيب محفوظ الى اللغات الاجنبية، وكذلك اعمالي، بحكم الجائزة.
فتحت لنا زوجته الباب بثياب البيت وبحفاوة تنسيك تواضع المكان، سارعت باحضار المشروبات والحلوى لضيافتنا، ثم جاء نجيب محفوظ بقامته الهزيلة، التي لسبب غامض توقعتها اطول.. واضخم قليلا، ربما لتتناسب في ذهني مع قامته الادبية. كان مرتديا بيجاما مخططة يغطيها رداء من الحرير داكن اللون. كان بشوشا، مضيافا، سعيدا بلقائنا، وسعيدا لان امرأة جزائرية حصلت على جائزته، وكان ممازحا، مما خفف من هيبتي في حضوره.. فقد بادرني بعتاب لطيف، لانه انتظرني قبل ذلك بيوم مع مجموعة من الكتاب في موعده الاسبوعي، ولكنني لم ات. ولم ادر كيف اشرح له انني كنت اريد ان يكون لقائي معه بعيدا عن عيون الصحافيين، وانني اثرت ان التقيه في حضرة زوجته.. وقطته.. وما لم يذبل من ورد عيد ميلاده.
عندما سألني عن الكلمة التي القيتها، والتي بلغه انها كانت مؤثرة، استغربت انه لم يطلع عليها، قبل ان يعترف لي متحسرا، بان بصره لم يعد يتيح له القراءة، وان ثمة رجلا يتطوع كل يوم ليقرأ له ربع ساعة.. الصحافة. وعندما عرضت عليه ان اقرأها عليه، اكتشفت ان سمعه ايضا اصبح خفيفا، بحيث لابد من الحديث اليه في اذنه بصوت مرتفع.. فرحت اقرأ عليه نصا.. لكأنني كتبته من اجله:
"جميل كل ما يمكن ان يحدث لكاتب بسبب كتاب.. فبسبب كتاب يمكن ان تحب.. ويمكن ان تكره.. ويمكن ان تكرم.. ويمكن ان تُغتال.. ويمكن ان تُنفى.. ويمكن ايضا ان تحصل على جائزة لم تتوقعها يوما.. ان تكون كاتبا.. هو ان تكون على استعداد لان يحدث لك اي امر من كل هذا، مقابل.. حفنة من الكلمات".
كان نصا كأنني كتبته من اجله. استمع اليه وهو ممسك يده اليمنى التي شلها ارهابي.. بطعنة سكين.. بعد نيله جائزة نوبل.
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
أطلق لها اللحى

أطلق لها اللحى


لو لم تكن الصورة تحمل أسفلها خبراً عاجلاً، يعلن وقوعه في قبضة قوات التحرير، ما كنا لنصدِّق المشهد.
أيكــون هــو؟ القائد الزعيم الحاكم الأوحد، المتعنتر الْمُتجبِّـر، صاحب التماثيل التي لا تُحصى، والصور التي لا تُعدّ، وصاحب تلك القصيدة ذات المطلع الذي غدا شهيراً، يوم ظهر على الشاشة عند بدء الحرب الأميركية على العراق، مطالباً بوش بمنازلته.
أيكون صاحب أطلق لها السيف لا خوف ولا وجل، قد أطلق لها اللحية، بعد أن خانه السيف وخذله الرفاق، ولم يشهد له زُحل سوى بالحمق والجريمة؟
أكان هو؟ ذلك العجوز مُتعــب الملامح، المذعور كذئب جريح، فاجأه الضوء في قبو، هو بشعره المنكوش ولحيته المسترسلة، هو ما عداه، يفتح فكّيه مستسلماً كخروف ليفحص جندي أميركي فمه. فمه الذي ما كان يفتحه طوال ثلاثين سنة، إلاّ ليعطي أمراً بإرسال الأبرياء إلى الموت، فبين فكّيه انتهت حيوات ثلاثة ملايين عراقي.

أكانت حقاً تلك صورته؟ هو الذي ظلّ أكثر من ثلاثة عقود، يوزع على العالم سيلاً من صوره الشهيرة تلك، في أزيائه الاستعراضية الكثيرة، وسيماً كما ينبغي لطاغية أن يكون، أنيقاً دائماً في بدلاته متقاطعة الأزرار، ممسكاً ببندقية أو بسيجار، مبتهجاً كما لو أنه ذاهب صوب عرس ما. فقد كان السيد القائد يُزفّ كل يوم لملايين العراقيين، الذين اختاروه في أحد تلك الاستفتاءات العربية الخرافية، استفتاءات المئة في المئة التي لا يتغيّب عنها المرضى ولا الموتى ولا المساجين ولا المجانين ولا الفارُّون، ولا حتى المكوّمون رفاتاً في المقابر الجماعيّة. وكان الرجل مقتنعاً قناعة شاوشيسكو، يوم اقتيد ليُنفّذ فيه حكم الشعب، هو وزوجته، رمياً بالرصاص، إنه معبود الجماهير، هو الذي بدأ حياته مُصلِّح أحذية قبل أن يصبح حاكماً، وتبدو عليه أعراض الكتابة والتنظير.

وبالمناسبة، آخر كتاب كتبه السيد القائد، كان رواية لم يتمكّن من نشرها، وهي تتمة لـزبيبة والملك. وكان عنوانها اخرج منها أيها الملعون. ولا يبدو أنها أفادته في تدبُّـر أمره والخروج من الكارثة التي وضع نفسه فيها، مُورِّطاً معه الأُمّـة العربية جمعاء. فرصته الوحيدة، كانت في النصيحة التي قدّمها إليه الشيخ زايد، بحكمته الرشيدة، حين أشار عليه بالاستقالة تفادياً لمزيد من الضحايا والأضرار، التي ستحلّ بالعراق والأُمة العربية. وأذكر أن وزير خارجيته أجاب آنذاك في تصريح خالٍ من روح الدعابة الرئيس صدام حسين لا يستطيع اتخاذ قرار بالتخلي عن ملايين العراقيين الذين انتخبوه بقناعة ونزاهة. في هذه الأُمّـة التي لا ينقصها حُكّام بل حُكماء، كانت الكارثة متوقعة، حتى لكأنها مقصودة. وبعد أن كان العميل المثالي، أصبح صدّام العدو المثالي لأميركا، وعلى مرأى من أُمّة، ما كانت من السذاجة لتحلم بالانتصار على أميركا، ولكن كانت من الكرامة بحيث لن تقبل إلاّ بهزيمة منتصبة القامة تحفظ ماء وجهها.
حملة النظافة ستستمر طويلاً، في هذه الحرب، التي تقول أميركا إنّ أهدافها أخلاقية. ومهما يكن، لا نملك إلاّ أن نستورد مساحيق الغسيل ومواد التنظيف من السادة نظيفي الأكفّ في البيت ناصع البياض في واشنطن.
من بعض فجائع هذه الأُمة، فقدان حكامها الحياء. إنه مشهد الإذلال الأبشع من الموت. ومن مذلّة الحمار... صنع الحصان مجده.
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
أمنيات نسائية.. عكس المنطق

أمنيات نسائية.. عكس المنطق


طالما تردّدت في الاعتراف بأحلامي السريّة، خشية أن تهاجمني الحركات النسويّة. وحدي ناضلت كي يعيدني حبّك إلى عصور العبودية، وسرت في مظاهرة ضد حقوق المرأة، مطالبة بمرسوم يفرض على النساء الحجاب، ووضع البرقع في حضرة الأغراب، ويعلن حظر التجول على أي امرأة عاشقة، خارج الدورة الدموية لحبيبها.

***

قبلك حققت حلم الأُخريات، واليوم، لا مطلب لي غير تحقيق حلمي في البقاء عصفورة سجينة في قفص صدرك، وإبقاء دقات قلبي تحت أجهزة تنصّتك، وشرفات حياتي مفتوحة على رجال تحرّيك. رجل مثلك؟ يا لروعة رجل مثلك، شغله الشاغل إحكام قيودي، وشدّ الأصفاد حول معصم قدري. أين تجد الوقت بربّك.. كي تكون مولاهم.. وسجّاني؟
امرأة مثلي؟ يالسعادة امرأة مثلي، كانت تتسوق في مخازن الضجر الأنثوي، وما عاد حلمها الاقتناء.. بل القِنانة، مذ أرغمتها على البحث عن هذه الكلمة في قاموس العبودية. وإذا بها تكتشف نزعاتك الإقطاعيّة في الحبّ. فقد كنت من السادة الذين لا يقبلون بغير امتلاك الأرض.. ومن عليها.
كانت قبلك تتبضّع ثياباً نسائية.. عطوراً وزينة.. وكتباً عن الحرية. فكيف غدت أمنيتها أن تكون بدلة من بدلاتك.. ربطة من ربطات عنقك.. أو حتى حزام بنطلون في خزانة ثيابك. شاهدت على التلفزيون الأسرى المحررين، لم أفهم لماذا يبكون ابتهاجاً بالحريّة، ووحدي أبكي كلّما هدّدتني بإطلاق سراحي. ولماذا، كلّما تظاهرت بنسيان مفتاح زنزانتي داخل قفل الباب، عُدت لتجدني قابعة في ركن من قلبك.
وكلّما سمعتُ بالمطالبة بتحقيق يكشف مصير المفقودين، خفتُ أن يتم اكتشافي وأنا مختفية، منذ سنوات، في أدغال صدرك.
وكلّما بلغني أن مفاوضات تجرى لعقد صفقة تبادل أسرى برفات ضحايا الحروب، خفت أن تكون رفات حبّنا هي الثمن المقابل لحرّيتي، فرجوتك أن ترفض صفقة مهينة إلى هذا الحد.. ورحت أعدّ عليك مزايا الاعتقال العاطفي.. علني أغدو عميدة الأسرى العرب في معتقلات الحب.


أحلام مستغانمي
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
إنهم يقضمون تفاحة الحياة

إنهم يقضمون تفاحة الحياة


كلّما طالعت في الصحف أخبار "صباح"، التي تنتظر في أميركا التحاق خطيبها العشريني الوسيم بها، حال حصوله على تأشيرة، مستعينة على أمنيتها أن تحبل منه، بإشهار دبلة خطوبتها في وجه شهادة ميلادها، آمنتُ بالحب كنوع من اللجوء السياسي، هرباً من ظلم "أرذل العمر"، وصدّقت أن علّة الحياة: قلّة الأحياء رغم كثرة عددهم.

ذلك أن الأحياء بيننا، ماعادوا الشباب.. بل الأثرياء.. وبعض المسنين الحالمين، الذين لا يتورعون عن إشهار وقاحة أحلام، لا نملك جسارة التفكير فيها، برغم أننا نصغرهم سنّاً. فهل الاقتراب من الموت يُكسب الإنسان شجاعة، افتقدها قبل ذلك، في مواجهة المجتمع؟

أغرب الأخبار وأجملها، أحياناً تأتينا من المسنين، الذين يدهشوننا كل يوم، وهم يقضمون أمامنا تفاحة الحياة بملء أسنانهم الاصطناعية، ويذهبون متكئين على عكازتهم نحو أسرَّة الزوجية وليلة فتوحاتهم الوهمية، مقترفين حماقات جميلة، نتبرأ من التفكير فيها، غير معنيين بأن يتركوا جثتهم قرباناً، على سرير الفرحة المستحيلة.

وبعض النهايات المفجعة لهؤلاء اللصوص الجميلين، الذين يحترفون السطو على الحياة، تعطينا فكرة عن مدى روعة أُناس يزجُّون بقلوبهم في الممرات الضيقة للسعادة، فيحشرون أنفسهم بين الممكن والمستحيل، مفضلين، وقد عجزوا عن العيش عشاقاً، أن يموتوا عشقاً، ويصنعوا بأخبارهم طرائف الصحف اليومية، كذلك المسن المصري، الذي فشل في تحقيق حلم حياته، بأداء واجباته الزوجية مع عروسه الشابة، التي تزوجها منذ بضعة أيام، مستخدماً في ذلك مكافأة نهاية الخدمة، الذي رغم استعانته ببركات "الفياغرا"، لم يتمكن من الدخول بعروسه الحسناء، فسكب البنزين على جسده، وقرر أن يموت حرقاً، بعد أن فشل في تحقيق آخر أحلامه، أو كعجوز الحب الفرنسية، التي لم يتحمل قلبها، وهي في الثامنة والسبعين من عمرها، الفرحة، فتوقف عن النبض قبل ساعات قليلة من عقد قرانها على زميلها في دار المسنين، الذي يبلغ من العمر 86 عاماً، بينما كانت منهمكة مع بقية النزلاء في تزيين دار العجزة استعداداً للمناسبة! وإذا كانت الفرحة قاتلة، بالنسبة إلى النساء، فالغيرة تبدو العاطفة التي تعمر أكثر في قلوب الرجال، وقد تحولهم في أي عمر إلى قتلة، كقصة ذلك الزوج التسعيني، الذي كان يتبادل مع زوجته العجوز أطراف الذكريات البعيدة، عندما أخبرته في لحظة فلتان لسان نسائي، أنه بينما كان مجنداً في الحرب العالمية الثانية، خانته مع رجل عابر. فلم يكن من الرجل إلاّ أن غافلها وخنقها ليلاً، انتقاماً لخيانة تعود لنصف قرن! أو ذلك المعمر الفرنسي، البالغ 89 سنة، الذي يقبع في سجون فرنسا، كأكبر معتقل، إثر حكم عليه بالسجن بتهمة خنق وضرب زوجته، البالغة من العمر 83 عاماً، حتى الموت، بعد أن عثر تحت وسادتها على رسائل غرامية، يتغزل فيها بها معجب، ليس في عمر "عمر محيو" خطيب صباح، وإنما رجل يبلغ ثمانين عاماً، يصغرها بثلاث سنوات!

غير أن العشاق من المسنين، ليسوا جميعهم مشروعات مجرمي حب، بل ثمة العشاق الأبديون الحالمون.. كذلك الجندي الأميركي، الذي شارك في الحرب العالمية الثانية، ومازال منذ ذلك الحين دائم البحث عن المرأة، التي وقع في حبها في ألمانيا، التي مازالت حلم عمره، حتى إنه نشر صورته بالزي العسكري، مرفقة برسالة موجهة إلى جميع "السيدات اللواتي تجاوزن السبعين من العمر"، يطلب فيها من حبيبته الاتصال به، والجواب عن بعض الأسئلة.. بل إن الحب مازال يزوِّد المسنين بطاقة خرافية للحلم، وبشهية مخيفة للحياة، كما في طهران، حيث وافقت المحكمة على زواج رجل، في الخامسة والثمانين من عمره، بامرأة في الخامسة والسبعين من عمرها.. بعد أن سبق لأهلها منذ 50 سنة أن رفضوا تزويجه بها!

أما في تونس، فمازال البعض يذكر إحدي أجمل قصص الحب، التي انتهت بعقد قران رجل في السابعة والتسعين من العمر على عروسه، البالغة 86 عاماً، وتلك الأفراح التي دامت آنذاك سبعة أيام، وسبع ليالٍ كاملة، نظراً لكثرة أفراد عائلتي الزوجين، التي تضم 42 حفيداً، من جهة العريس، الذي يبلغ ابنه البكر الخامسة والسبعين من عمره.. و11 ابناً و33 حفيداً من جهة العروس.
"برافو
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
ابتسم أنت في امريكا

ابتسم أنت في امريكا


يدهشك حقا ويعنيك أهمية الجامعات في تأسيس أمريكا ، انها تنب كالجزر والواحات في الولايات وتصنع فخر الأمريكي الذي تخرج منها والذي يدين لها بولاء يبخل به حتى على عائلته ، أحدهم جاء من المكسيك كان مزارعا تابع دروسه الليلية في جامعة ميريلاند وعاد منذ مدة وقد اصبح مهندسا كبيرا ليدفع 5 ملايين دولار مساعدة منه للجامعة ولمن يتعلم بعده فيها

ولانك لاتمنع نفسك من المقارنه فستتذكر ذلك السفير الجزائري الذي كان يحتفظ بمنح الطلبة في الخارج لعدة اشهر في حسابه الخاص للاستفادة من فوائدها ولا يحولها لهم الا عندما يشارفون على التسول

وعندما تتجول بعد ذلك في المباني الجامعية والمتشابهة بجامعة ميريلاند ستكتشف ان معظمها بنيت بهبات خريجي الجامعة الأثرياء ، وفي نزل ماريوت الذي تقيم فيه سيقع نظرك حيث ذهبت على لوحات جميلة وثمينة تزين الممرات والقاعات وستلحظ اسفلها صفيحة من البرونز وبخط صغير اسم واهبها الذي هو أحد خريجي الجامعة فتتذكر قصة معروفة لمدير سابق لإحدى الكليات اللبنانية الذي نهب نصف ميزانية الكلية أثناء الحرب بابتكاره فواتير مزورة لتجهيزات وهمية لم تحصل عليها الكلية ، ثم غادر الى وظيفة اكثر ربحا وقد ترك الكلية عارية من كل شئ

وبعد قليل يأتي نادل لخدمتك في المطعم ويخبرك أحدهم انك قد تعود في المرة المقبلة وتجده موظفا في الطوابق العليا لان الجميع هنا يدرس ليتقدم ولا احد يشغل الوظيفة نفسها طوال حياته والفرص متاحة بالتساوي للجميع

يحكى الأستاذ سهيل بشوئي احد عمدة أساتذة الجامعة الأمريكية في بيروت في الستينات والسبعينات انه استطاع برسالة الى رئيس لجنة الهجرة في أمريكا ان يوقف إجراء بطرد طبيبة عربية لم يستطع المحامي ان يفعل لها شي قبل ان يسألها يائسا أتعرفين أستاذا في الجامعة يمكن ان يقدم شهادة لصالحك اما في بلادنا فكان سيسألها اتعرفين ظابطا كبيرا ام وزيرا او أي زعيم يتوسط لك عند القضاء ولكن في امريكا كل هؤلاء لا يضاهون وجاهة الاستاذ ولا هيبته

البيت الابيض لايثير في نفسك شيئا مما توقعت من انبهار وانت ترى حديقته المفتوحة على الطريق وداخلها عدد من السياح الفضوليين ولكن هذا المشهد بالذات هو الذي سيوقظ المك ويذكرك بتلك القصور المسيجة لحكام لايمكن الاقتراب من بيوتهم بالعين المج
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
هزيمة الخنساء . . في مسابقة البكاء

هزيمة الخنساء . . في مسابقة البكاء

منذ مدة، وأنا أحتفظ بخبر طريف، عن سيدة استطاعت الفوز بـ "تاج البكاء"، بعد تحطيمها رقما قياسيا في البكاء المتواصل، الذي لا سبب له طبعا، عدا إصرارها على الفوز بذلك اللقب.
وكنت أعتقد، حتى قراءتي هذا الخبر، أن العرب دخلوا كتاب "غينيس" للأرقام القياسية، على الأقل من باب النواح والعويل. فعندما نزل شيطان الشعر على أشهر شاعر جاهلي، ما وجد شاعرنا بيتا يفتح به تاريخ الغزل العربي غير "قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل". ومن يومها ونحن نتوارث البكائيات، جيلا بعد جيل، ونملك "بطارية" جاهزة لامدادنا بطاقة البكاء، لسبب أو لآخر.
فالإنسان العربي يعيش على حافة البكاء. إن أحب بكى، وإن كف عن الحب بكى، وإن نزلت عليه السعادة بكى، وإن هو شاهد على التلفزيون مشهدا مؤثرا بكى، وإن رأى منظرا جميلا أيضا بكى. ألم يقل مالك حداد، شاعر الرواية الجزائرية: "ثمة أشياء من الجمال، بحيث لا نستطيع أمامها إلا أن نبكي"؟
وحتى قرائتي ذلك الخبر، كنت أعتقد أن الله قد وهبنا في شخص الخنساء مفخرة لأمتنا، بعد أن لزمت المسكينة قبر أخيها ترثيه وتبكيه، حتى ماتت، فمنحتنا شرف الموت بكاء.
يا لغبن الخنساء، الشاعرة التي أحبتها أنيسة بومدين، زوجة الرئيس الجزائري الراحل، وخصصت لها بحثا مطولا، مفتونة بذلك الكم من الدموع الذي ماتت بغصته.
ربما لو علمت الخنساء أنه سيأتي يوم يكون فيه للبكاء أيضا جوائز ومسابقات، لوفرت على نفسها دموعا أودت بها، بينما أخرى غيرها هي التي فازت بلقب المرأة الباكية في مسابقة للبكاء، نظمها ناد ليلي في "هونغ كونغ".
ولو نظمت هذه المسابقة في مقبرة، لما وجدوا بين الثكالى واليتامى من يفوز بها، لأن الألم الكبير لا دموع له. وتحضرني هنا والدة الشهيد محمد الدرة، التي التقيتها في أبو ظبي في اليوم التضامني مع الأقصى، بعد فترة وجيزة من استشهاد طفلها، وكان لها نبل الألم وصمته. بينما، وحتى بعد انتهاء جميع المشاركين في تلك المناحة الجماعية، التي نظمها النادي الليلي، وحتى بعد إعلان لجنة التحكيم قرار فوزها، لم تتمكن المرأة الفائزة من التوقف عن البكاء، ولم تفد معها محاولة الآخرين إقناعها بأنه لا داعي بعد الآن لمزيد من العويل، واستمرت ساعات تبكي، ربما من شدة الفرح هذه المرة، حتى أصيبت بنوبة هستيرية، نقلت على أثرها إلى المستشفى "وتاج البكاء" على رأسها
وقرأت مؤخرا تصريحا لإيطالي يدعى كارلو مارتيني يقول فيه: "كم أبكي عندما أرى ما حل بجبن الستلتن. أصبحوا يعملونه الآن من حليب معقم يقتل الميكروبات، التي هي في الواقع سر روعة طعم هذا الجبن".
وأخونا الإيطالي، الباكي المتحسر على زمن الميكروبات، التي تعطي جبنا إيطاليا شهيرا بطعمه المتميز، هو مؤسس "حركة الطعام البطيء"، وبكاؤه لا علاقة له بالموت السريع أو البطيء، الذي يهدد العالم بسبب الحروب الجرثومية.. أو القنابل الانشطارية أي الهاطلة من سماء أفغانستان، فكل يبكي على "جبنته"، أو دفاعا عن تاجه.
وعلى ذكر البكاء.. تحضرني قصة تلك المحامية، التي اختلت بي أثناء زيارتي إلى بلادها، بعد أن انتهيت من إلقاء محاضرة ألهبت القاعة وأبكتها، وأنا أطالب بحق الصلاة في الأقصى. فقد نصحتني بالتروي في الهجوم على إسرائيل، وحكت لي ما حل بها يوم كانت تزور، برفقة وفد من النساء العربيات، مدينة سياحية، ورأت لأول مرة سياحا إسرائيليين يتجولون في بلادها، فأجهشت بالبكاء، وإذا بالشرطة تحضر وتطالبها بأوراقها الثبوتية، وتسجل اسمها وعنوان عملها. وعندما سألت إن كان ثمة قانون يمنعها من البكاء في حضرة إسرائيليين، جاءها الجواب: "لا.. ولكنك ببكائك هذا، أسأت إلى الضيوف". وفي الغد حضر رجال الأمن إلى مكتبها لمزيد من التوضيح.
أما وقد سلب منا تاج الحزن، أخاف أن يأتي يوم لا نستطيع فيه البكاء على ظلم أعدائنا، إلا بذريعة النواح على جبن إيطالي، أو المشاركة في مسابقة للبكاء ينظمها ناد ليلي ما
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
اشــتري دمعـــاً .. فـمـــن يـبـيـع؟

اشــتري دمعـــاً .. فـمـــن يـبـيـع؟


أحسد سيوران القائل: "لم أبكِ قط، فدموعي استحالت أفكاراً".
فهل تعود قلّة إنتاجي الأدبي إلى كون أفكاري استحالت دموعاً، وأني بدل أن ألقي القبض على لحظات الحزن الجحيمية، فأُحوّلها إلى عمل إبداعي، رحت أطفئ وهج الحرائق بالبكاء الغبي؟ عزائي أمام خسائري الأدبية، ما قرأته في دراسة طبية تؤكد أن المرأة تعيش أكثر من الرجل.. لأنها تبكي بسهولة أكبر، ذلك أن القدرة الرهيبة على البكاء، التي تمتلكها المرأة، تمنحها إمكانية تفجير ما تحقنه في نفسها من غضب وحزن وأسى، بينما لافتقادهم هذه القدرة، يموت الرجال تحت وطأة أحزانهم، بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
الخيار إذن هو بين أن أُعمّر طويلاً وأترك أعمالاً قليلة.. بعد أن أكون قضيت نصف العمر، الذي كسبته بالبكاء.. في البكاء، أو "أقصف عمري" بقمع حاجتي إلى ذرف الدموع مقابل أن أترك بعد رحيلي أعمالاً إبداعية كبرى تُبكي الآخرين.
وفي مسألة البكاء، اختلف الفقهاء من مبدعين وشعراء، بين الذين يفاخرون بدمعهم، ويذرفونها أنهاراً عند أول سبب، وأحياناً من دون سبب منطقي، عدا حالة الكآبة الوجودية التي لا تفارق المبدعين، خاصة الرومنطقيين منهم، أمثال بول فرلين ولامارتين ورامبو وروسو، وبين حزب آخر قد يكون ناطقه الرسمي أبو فراس الحمداني، الذي كأي عربي قح، أعلن أنه سيصون كرامة دمعه، حتى وإن كان في جفاف مآقيه هلاكه.
أشعر بالندم لأنني ما كنت من أتباعه، ولا كنت يوماً عصيّة الدمع، ولا شيمتي الصبر. تشفع لي أعذار ثلاثة: فأنا أولاً امرأة.. وثانياً: مبدعة.. وثالثاً: من برج الحمل. وهي أسباب كافية عند اجتماعها لصنع كيمياء الدموع. وعلى الذي يشك في مصيبتي، أن "يسأل دموع عينيَّ.. ويسأل مخدتي" وكل المواويل وأغاني العويل التي تربيت عليها في مراهقتي العاطفية والسياسية الأُولى. إذ بسبب كمّ الدموع التي ذرفتها آنذاك أمام الأفلام المصرية والنشرات الإخبارية العربية، منذ السبعينات وحتى "حرب الحواسم" المباركة، وجدتني اليوم مهددة بجفاف أدمعي وتصحّر بساتين أوهامي.
والأمر ليس نكتة. فطبيب العيون الذي زرته لأول مرة منذ بضعة أشهر، لينجدني بنظّارات طبية للقراءة،، فاجأني بأن وصف لي "دمعاً صناعياً لعلاج مرض نشاف الدمع".
منذ أيام عثرت على تلك الوصفة الطبية، التي مازلت أحتفظ بها في مفكرة العام الماضي، بنيّة غير معلنة لنسيانها. وكدت منذ أيام آخذها لأشتري أخيراً تلك القطرات التي عليّ أن أضع عشراً منها يومياً في كل عين، لولا أنني رفضت أن ينتهي بي الأمر إلى شراء دموع صناعية في عز شهر التسوّق، حتى لا أريد في عجز الاقتصاد اللبناني بـ"شوبينغ للدموع" التي هي على أيامنا السلعة الأكثر ندرة، نظراً إلى كوننا استهلكنا في المصائب القوميّة كل الآبار الجوفية لدموعنا العربية، ولم يبق أمامنا بعد الآن إلاّ أن نذرف نفطاً، إن سمحت لنا بذلك شركات البترول العالمية، التي تتولى كل شؤوننا، بما في ذلك تقنين دموعنا، ووضع لائحة بالأسباب المسموح بها للعربي بالبكاء.
لهذه الأسباب، فرحت عندما رأيت منذ أشهر الرئيس الجزائري يجهش باكياً مرتين في حضرة الكاميرات، أمام قادة أغنى دول العالم، وهو يتحدث إليهم في قمّة "إيفيان" عن كارثة الزلزال التي أصابتنا، ثمّ عن كل المآسي الدموية، التي شهدتها الجزائر في الأعوام الماضية. استبشرت خيراً بارتفاع منسوب دمعنا الوطني. فيوم غادرت الجزائر في السبعينات، كان مخزون بترولنا يرفع سقف ثمن برميل الدمع إلى حدّ يصعب معه رؤية جزائري يبكي علناً. يومها، تمنيت لولا جفاف مآقيّ أن أُساند رئيسنا بالبكاء. ولكن، كجزائرية تشتري "الدمع الصناعي" بالعملة الصعبة، وجدت في الأمر إهانة لمن أبكيهم..
هل بينكم من مازال في مآقيه دموع.. فيدركني بها؟




أحلام مستغانمي
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
تعالو انقاطع الحب



لا أفهــم أن يكون للحب عيده، ولا يكون للفراق عيد أيضاً، يحتفل فيه العشاق بالقطيعة، كما لو كانت مناسبة سعيدة، لا مناسبة للاحتفال بالنكد على طريقة أخينا، الذي يغني "عيد ميلاد جرحي أنا" ولا أفهم كيف أن هذا الكمّ من المجلات، التي تتسابق إلى تعليمنا، كيف نحب، وماذا نأكل من الأطعمة المثيرة للشهوة، وماذا نرتدي في المناسبات الحميمة، لم تفكر في نجدتنا بمقالات تعلُّمنا كيف نتفادى الوقوع في هذا المطبّ، ولا الاحتفاظ برأسنا فوق الماء إن نحن غرقنا، وكيف نتداوى من عاداتنا العشقية السيئة، بإيقاف تلك الساعة الداخلية فينا، التي تجعلنا نواصل العيش بتوقيت شخص، ما عاد موجوداً في حياتنا.

إذا كان ثمَّة مجلات قد خصّصت غلافها، لحثنا في هذا الصيف على تناول الكافيار والسومون والصدف والشوكولاتة، بصفتها أطعمة تفتح القابلية على ملذات أُخرى، عليها أن تقول أيضاً لِمَن لا يملك منا ثمن هذه الأطعمة الفاخرة، ولا يملك حبيباً يتناولها من أجله، ماذا عليه أن يلتهم ليقمع رغبات جسده؟ وبماذا تنصحنا أن نأكل في فترة نقاهتنا العاطفية، وماذا نرتدي من ثياب معلّقة في خزانة الذكريات؟ وأيّة أمكنة نزور للنسيان.. أو نتحاشى المرور بها؟ وأي كتب نطالع؟ ولأيِّ أغانٍ نستمع؟ وأية مُتع نُقاطع دون أخرى؟ وبِمَن نستنجد كي نُعجّل في شِفائنا؟ أبالعطّارين وقارئات الفنجان، على طريقة نـــــزار؟ أم بالمشعوذين والسَّحَرَة، على طريقة الأُمِّيات من النساء؟ أم بالحلاَّقين وبائعي المجوهرات ومُصمِّمي الأزياء، كما تفعل الثريَّات من النساء؟

وكنتُ قرأت أن الشَّعر يسرد تحوّلات المرأة ويشي بتغيّراتها النفسية، وتقلّبات مزاجها العاطفي فتسريحة الشَّعر ولونه وقصَّته، هي أول ما تُغيِّرها المرأة عند نهاية قصّة حُــبّ، أو بداية علاقة جديدة، كما لتُعلن أنها أصبحت امرأة أخرى، وأنها، كما الزواحف، غيَّرت جلدهـــا، وخلعت ذاكرتها.

وإذا كان في هذا الكلام، الذي يجزم به علماء النفس، من صحة، فإن أكثر النشرات العاطفية تقلّباً، تعود للمطربة اللبنانية مادونـــــا، التي منذ عشر سنوات، وهي تطلّ علينا أسبوعياً، بتسريحة أكثر غرابة من الأولى، حتى ما عدنا نعرف لها شكلاً ولا لوناً.. ولا قلباً! وفي المقابل، أذكر أنني قرأت، أثناء الحملة الانتخابية لبوش الابن، ثناءً على زوجته، بصفتها امرأة رصينة وذات مزاج ثابت، حتى إنها لم تغيّر تسريحتها منذ زواجها وعلينا أن نستنتج أن السيدة الأميركية الأُولى، عكس هيلاري كلينتون، التي بدأت مؤخراً تصول وتجول عاطفياً، انتقاماً مما ألحقه بها بيــل من أذى، هي امرأة وفيّة، لم تعرف في حياتها سوى ذلك المخلوق الوفيِّ للقيم الأميركية، ولأُمّـــه بـربــــــارة، التي أعطته تربية تليق برئيس قادم للولايات المتحدة، فذهبت حتى تعليمه، كيف يمضغ جيداً الكعك الذي يتسلَّى بتناوله أمام التلفزيون فرؤســــــاء أميركا مضطرون إلى التهــام الكعك، أثناء متابعتهم الأخبــــــار، بسبب الاكتئــاب الذي يصيبهم من أخبارنا والتعاطي بشؤوننا، حتى إن الكاتب جونثان ستيل، ينقل عن الرئيس كينــدي قوله، "إنَّ الاتصالات مع وزارة الخارجية أشبه بالمجامعة مع مَـخَــدَّة!" ذلك أنَّ ثمَّة علاقة بين الأكل وحالات التوتّـــر والْمَلل الجسدي ولأنَّ القطيعة العاطفية تصيب بالاكتئاب، فثمَّة مَن يتداوى منها بالهجوم على البراد، أو باللجــوء إلى محال الثياب وهنا أيضاً كثيراً ما يشي وزننا الزائــد، بما فقدناه مِــن حُــبّ، وتفيض خزانتنا بثياب اقتنيناها لحظة ألم عاطفي، قصد تجميل مزاجنا، عندما فرغت مفكِّرتنا من مواعيد، ماعدنا نتجمّل لها، بينما يهجم البعض الآخر على الهاتف، يُحــــادث الصديقات والأصدقاء، ويشغل نفسه عن صوت لن يأتي، لشخص وحده يعنيه.

وللقـــارئات الْمُبتليات بالهاتف أقول، إن الحمية العاطفية تبدأ بريجيم هاتفي، وبالامتناع عن الشكوى إلى الصديقات، عملاً بنصيحة أوسكار وايلد، الذي كان يقول: "إنَّ المرأة لا تُواسي امرأة أخرى.. إلاَّ لتعرف أسرارها!".
 
أعلى