رؤوس احلام ... تحية لأحلام مستغانمي

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
يا لغنى رجل ثروته الاستغناء

يا لغنى رجل ثروته الاستغناء


في محاضرة ألقاها الدكتور نصر حامد أبو زيد، مؤخراً في القاهرة، ونقلت أخبار الأدب بعض نقاشاتها، استوقفني قوله: أنا متصوّف، ثروتي الاستغناء. موضحاً أنّ تصوّفه، هو بالمعنى الحياتي وليس بالمعنى العرفاني. فهو يؤمن بأنه كلّما استغنى اغتنى. لــذا هو يقلّل دائماً من احتياجاته، فتقلُّ بذلك قدرة الآخرين على التحكّم فيه، حتى إنه لا يحتاج في النهاية سوى حجرةٍ وكتابٍ ومكتب وقلم. فالتصوّف بالنسبة إليه منهج للحياة، يضمن استقلالية الإنسان. أُصدّق تماماً الدكتور حامد أبو زيد في قوله هذا. وقد سبق أن جمعني به في غرناطة، منذ خمس سنوات، مؤتمر عربي كبير، حول مستقبل العالم العربي على مشارف القرن الحادي والعشرين، ومازلت أذكر أوّل مُداخلة، قام بها حال افتتاح المؤتمر، محتجاً على إخفاء أسماء الجهات المموّلة هذا المؤتمر عن المشاركين، على الرغم من النوايا الحسنة لبعضهم. فقد كان حامد أبو زيد مُصرّاً على حماية اسمه وسمعته، من أيّ تلوّث مادي، هو الذي دفع ثمن أفكاره ومواقفه، غربةً إجباريّة، إثر فتوى صدرت بتكفيره، والحُكم بفصله عن زوجته، الدكتورة ابتهال يونس، ما أرغمه على الهجرة إلى هولندا، لمواصلة أبحاثه في تاريخيّة الظاهرة الدينية. ذهبت بعيداً في تأمل زاهد مثقفٍ، أدرك أنّ حرّيته تكمن في استغنائه، لا في رخائه، وأن لا قوّة لمبدعٍ ترتهنه مؤسسات، باختلاق مزيد من احتياجاته وامتيازاته، بذريعة تكريمه والاعتراف بمكانته، بينما، ما التكريم الرسمي سوى نوعٍ مُهذّبٍ من أنواع التدجين، واستعباد الضمائر بالإغداق.
وقَبْلَ نصر حامد أبو زيد، كان فولتير قد اكتشف أنّ المال والتكريم، هما أكبر خطرٍ على المبدع. أمّا ألبيرتو مورافيا، فأذكر له نصيحة جميلة، تصلح أيضاً لغير المبدعين. فهو يرى أنّ على الإنسان، أن لا يكسب من المال أكثر مما يلزمه لحياة كريمة وميسورة. ذلك أنّ المال، إذا زاد على حدّة أنفق المرء عمره في إدارته، وإن قلّ عن الحاجة، أنفق عمره في السعي إلى كسبه. وهو في الحالتين خاسر.
وفي ما يخصُّ المبدع، فإنّ القرش الزائد، هو ذلك الشيء المهلِك، الذي كلّما زاد، انخفض منسوب الحريّة لدى مُكتسبه، وتضاعفت قيود تبعيّته. وربما مأساة المبدع، كما مأساة الإنسان، تكمن في عجزه عن احترام أي سقفٍ يضعه لاحتياجاته.
فالإنسان بطبعه يتمنى الحصول على ألف، وعندما يحصل عليها يتمنى المليون، وعندما يكسب المليون يصبح هدفه الملايين، بحيث يتحوّل إلى مدمن مالٍ، في حاجة دائمة إلى المزيد منه برفع سقف أُمنياته. وهي مأساة تزداد فجعةً، عندما يتعلّق الأمر بالمثقف. ذلك أنّ مَن يؤمن بأنّ المال، هو كل شيء يفعل كلّ شيء للحصول عليه. والذي ليس له سقف قناعة يحميه، هو معروض للبيع والشراء في سوق النخاسة. لذا، يحار مقاولو الضمائر المفروشة للإيجار، والأقلام الجاهزة للاستثمار، عندما يقعون على مثقف لا ثمن له، ولا يمكن اختراق سقف قناعاته بأي مبلغ كان. فبالنسبة إليهم لا أحد إلا وله ثمنٌ.
ذلك أنه ليس بالإمكانات يتعفّف الإنسان، بل بالقناعة، وبسقف قِيَمٍ يحميه من الزلل، فوحده الزاهد في مكسب زائل، يُفضّل مثلاً بساطة بيته، على الإقامة في فندق من خمسة نجوم يُدعى إليه في مهرجانات، نهب وسلب الشعوب، ليُبارك بحضوره قراصنة الأوطان.
في الواقع، كما أنه لا يوجد إنسان مثقف، بل إنسان يتثقّف، حسب قول يونيسكو، فلا وجود أيضاً للتعفّف المطلق، بل لإنسان يتمرّن يومياً على التعفُّف، وعلى تقوية مناعته الخُلقية، لمواجهة هجمة وباء قلّة الحياء، المتفشي لدى رهطٍ من البشر، ما تسبّب في إتلاف كريات الأَنفة وعزة النفس، وإضعاف الجسم العربي، بمزيد من المذلّة، التي ليست الحاجة دوماً من أسبابها. وإذا كان الرئيس سليم الحصّ يقول: يبقى المسؤول قويّــاً إلى أن يطلب شيئاً لنفسه، ففي إمكاننا أن نقول: يبقى المثقف كبيراً، حتى يُفرِّط في عزة نفسه.


أحلام مستغانمي
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
قل لي.. ماذا تشرب?

قل لي.. ماذا تشرب?


أزعجني أن تتسبب المشروبات الأميركية في انشقاق سياسي بين أفراد عائلتنا الصغيرة، بعد أن أشهر أخي في الجزائر ولاءه لحزب "الكوكاكولا"، وغدا من دُعاتها، والمفكرين في بركاتها على المغرب العربي، بينما انحاز أخي ياسين، المقيم في باريس، إلى مشروب "مكَّة كولا"، وملأ به برَّاده، مجبراً صغاره على أن لا يشربوا إلاَّ منه.
"ومكَّة كولا" صنف جديد من المرطِّبات، رصد صاحبه الفرنسي توفيق مثلوثي، تونسي الأصل، %10 من أرباحه لمصلحة أطفال فلسطين. واختار مثلوثي أوَّل يوم في شهر رمضان، ليُنزل مشروبه إلى الأسواق الفرنسية.

وقد وُلِدت لديه الفكرة من مشروب "زمزم كولا" إيراني الصنع، وهي مياه غازية بلغت صادراتها 10 ملايين زجاجة في الأشهر الأربعة الأُولى.

وبرغم الأجواء المعادية للعرب والمسلمين، فقد نجح المثلوثي، في أن يضع على القنينة العملاقة (1.5 لتر)، والمشابهة تماماً لقنينة "كوكاكولا" الأصلية، عبارة "اشرب ملتزمــــاً"، بل وذهب حتى إعلان تخصيص نسبة من ريـــع المبيعات، لدعم القضية الفلسطينية، مُعلناً ذلك على كل قنينة، من خلال ملصق أخضر تحت شعار: "لا تكن أحمق واشرب ملتزماً"، الذي استوحاه من شعار مشهور، دأبــت على رفعه دُور النشر الفرنسية، كل صيف، لتحث الناس على أن لا يسمِّروا جلودهم بغباء، وأن يستفيدوا من وجودهم على الشواطئ.. للمطالعـــة.

ولقد شغلت ظاهرة "مكَّة كولا"، الصحافة الفرنسية، والقنوات التلفزيونية، ومعها خبراء قضايا الاستهلاك، الذين فاجأتهم المنافسة الحقيقيَّة، التي شكَّلها لدى الجالية العربية والإسلامية، هذا المشروب "المعارض"، في سابقة جديدة لا عهد لهم بها، خاصة أنَّ المبادرة لم تأتِ من رجل أعمال، قصد تحقيق صفقة تجارية، تستثمر مرارة المغتربين العرب، ورغبتهم في إشهار انتمائهم إلى الإسلام، ووقوفهم ضــدّ المذابح، التي يتعرض لها الفلسطينيون، بل جاءت من صحافي، قرَّر أن لا يكتفي بمساندة الفلسطينيين بالمقالات، ولا أن يدعــــو إلى مُقاطعة اقتصادية، لا تقوم على منطق احتياجات السوق. فقد صرَّح لجريدة "الفيغارو"، شارحاً إطلاقه شراب "مكّة كولا" قائلاً: "لا يمكن المضي قُدمــاً في مقاطعة المنتجات الأميركية والصهيونية، دون العثور على بدائل لها". فهذا الرجل الواقعي والعملي، سبق له أن استفاد من عمله، كمدير لإذاعة المتوسط، التي تتوجه إلى المغتربين، ليجمع 300 ألف يورو، من خلال "راديو تون"، دام 16 ساعة، في حملة لمساندة الفلسطينيين.

وقد ذكَّرني الأمر بإعلان في الصحافة الجزائرية، استوقفني أثناء زيارتي سنة 1998م إلى الجزائر، وكان يشغَل صفحة كاملة، جـــاء فيها، بمناسبة كأس العالم: "ستكون الليالي طويلــة.. اطمئنـــوا.. كوكاكولا تُفكّر فيكم"، وعلى يساره صورة كبيرة لزجاجة كولا، كُتب عليها: "عِشْ كرة القدم.. احلــم كرة القدم.. اشرب كوكاكولا".

أخـي الذي لاحظ تذمُّري من الإعلان، قال يومها ما أقنعني بالانخراط في حزب "الكوكاكولا"، بعد أن شرح لي، وهو الْمُسيَّس أكثر مني، أننا نحتاج إلى هذا المشروب لتحقيق أحلامنا المغاربية، بعد أن أصبحت الوحدة المغاربية مطلباً من مطالب الشركات الكبرى، التي أفقدتها خلافاتنا الغبيَّة صبرهــا، وأضرَّت بمكاسبها.. هي تُريدنــا سوقاً مغاربيَّة موحَّدة من مئة وثلاثين مليون مستهلك، تتقاسم في ما بينها أفواههم وبطونهم، وأقدامهم وملبسهم وعيونهم وآذانهم.. ولابأس أن تتوافق مع مصالحها. فقد تفتح حينئذ في وجوهنا الحدود المغاربية، ويكون لنا حقّ التنقُّل دون تأشيرة، على غِــرار البضائع الأميركية.

حضرنـي يومها قول جبـــران "ويلٌ لأُمَّــة تلبس ممّا لا تُنتج، وتأكل ممّا لا تزرع، وتشرب ممّا لا تعصر".
غيــر أنَّ ويــلات جبــران، لم تقض مضجعي، في زمن الطهارة الأميركية، والنوايــــا الحسنة لكبرى الشركات العالمية، كيف لا ننام مطمنين وكوكاكولا، بطيبة الأُم تريـــزا، تُفكّر فينــا، والقدِّيس "ماكدونالد" يدعــو لنا مع كلِّ همبورغر بالخير، وجمعيهم ساهرون على تحقيق وحدة، فشلنا في تحقيقها حتى الآن، ما دعــا المناضل التونسي، حسني النوري، أحد القوميين المخضرمين، إلى تقديم أربع شكاوى ضد أربعة من زعماء المغرب العربي، اتَّهمهم فيها بالعجــز عن تحقيق حلــم الجماهير المغاربية ببناء اتِّحـاد مغاربي فعّال وقوي، وعدم تطبيق ما جاء في ميثاق اتحاد المغرب العربي، خاصة ما يتعلق بحرِّية التنقُّـل بين الأوطان الخمسة؟
أما كان أنفع لهذا المناضل المغفّل، لو اكتفى يومياً بشرب كميَّات كبيرة من الكوكاكولا، واصطحاب أولاده، وهم ينتعلون أحذية "نايك"، إلى أقرب "ماكدونالد".. عساه يعجِّـل بذلك في مشروع الوحدة المغاربية؟
أما أنا، فمازلت في حيــرة من أمــري: أأشــــرب "الكوكاكولا"، كي تتحقق الوحـــدة المغاربيــة، أم أشرب "مكّـة كولا"، لدعـم الانتفاضة الفلسطينية؟
أجيبونــي.
الحائــرة: أُختكــم فـي عُروبــة سابقـــة".
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
انقذونا من التلفزيون

انقذونا من التلفزيون


يقول "كنفوشيوس": "توجد في طريق العظمة أربعة عوائق، وهي: الكسل وحبُّ النساء، وانحطاط الصحّة والإعجاب بالنفس".

ولو أن هذا الحكيم عاصر التلفزيون، لأضاف إلى عوائقه الأربعة، إدمان المرء الفضائيات وربما كان أخطر العوائق على المبدع، انصرافه عن الكتابة والإبداع، وهدره وقته في اللهاث مشاركاً في هذا البرنامج أو ذاك.

ذلك أن هناك أُناساً لا يعرفون كيف يبددون أوقاتهم، فيعمدون إلى وقت سواهم لكي يبددوه، وهو ما أقوله لنفسي كلما اتصلتْ بي إحدى الفضائيات، كي أُشارك في أحد برامجها الترفيهية، في سهرات شهر رمضان، معتقدة أن وقت المبدع مستباح، وأنه جاهز ليكون جلسة وصل بين أغنية وأخرى، ومستعد متى شاءت، أن تملأ به ما هو شاغر من فقرات برامجها، بذريعة تكريمها له والاحتفاء بالأدب وقد حسمت هذا الأمر منذ سنتين، بتغيير أرقام هواتفي تفادياً للإحراج لكن، في مساءات رمضان، لا يمكن أن تنجو من الوقوع في شرك التلفزيون، وخدعة الاحتفاء بشهر الإيمان، بالانخراط في حزب المشاهدين، الذين على مدى خريطة الأمة العربية، دخلوا في حالة غيبوبة، وشلل فكري لمدة شهر، وسلّموا أمرهم للفضائيات، تعيث فيهم سخافة واستخفافاً، ما شاء لها استسلام صائم، يساعده استرخاؤه على هضم التفاهات، فلا يخلد إلى النوم، إلاّ بعد أن يكون قد أخذ وجبته من المسابقات، وانغلق بتخمة السخافات واللطافة الإعلامية المصطنعة، لمذيعة تطارده عبر القارات بالـ "أيوة" والـ "ألو"، فيكاد يرد عليها على طريقة زياد الرحباني في إحدى مسرحياته "ألو.. با بنت الألو".

ما جدوى اللياقة؟ ما عاد الجهل مصدر حياء، منذ صار المذيعون يتسابقون على إشهار جهلهم وتسويق قلة ذوقهم.

شمّرت الفضائيات عن ساعديها، وكشفت عن نوايا ساقيها، وراحت تركض، ككل رمضان، في تسابق، راتوني لإلقاء القبض على المشاهدين ومطاردتهم، حتى في الشوارع وفي بيوتهم وأماكن عملهم، وهدر ماء وجههم بنصف ساعة من الأسئلة، التي لا تخصُّ سوى برامجها وأسماء مذيعيها، مقابل مئة ألف ليرة لبنانية (!)، فهذا ما يساويه المشاهد والمشارك، لدى إحدى أكبر الفضائيات اللبنانية، التي لا يُعرف عن صاحبها الفقر ولا الحاجة فكلما أسدل علينا الليل سدوله، أصبحنا طريدة الفضائيات، ونصبت لنا كل واحدة مصيدة وبذريعة إثرائنا وتسليتنا.. أصبحنا وليمتها ومصدر رزقها في سوق الإعلانات.
في زمن "الأمن الوقائي"، و"الأمن الاستباقي" نطالب بـ "أمن المشاهد"، وحمايته من "الوباء الفضائي" وهجمات الفضائيات عليه يومياً، بترسانة أسلحة دمارها الشامل فأخطر ظاهرة فكرية تهدد المواطن العربي اليوم، هذا الكم الهائل من الفضائيات التي أفرزها فائض المال العربي في العقود الأخيرة، التي تملأ جيوبها بإفراغنا من طاقاتنا الفكرية، والإجهاز سخافة على عقولنا، وصرف المواطن العربي عن التفكير في محنته، وتحويله إلى مدمن سيرك "الكليبات" ومهرجيه المتسابقين عرياً و"نطّاً" وزعيقاً.. على القفز الاستعراضي على القيم، وإقناعه بفضائل الكسب السريع، بالإغداق عليه بالمال المشبوه.
ودون أن أُطالب بالاقتداء بسكان ولاية "غوجارتيون" الهندية، التي إثر تضررها بفعل الزلزال، قام المئات من سكانها بتحطيم وحرق أجهزة التلفزيون، بغية طرد الأرواح الشريرة، وتجنُّب وقوع زلزال جديد، بعد أن أفتى لهم المتدينون بأن التلفزيون أثار الغضب الإلهي، بها يبثه من رسائل تخدش الحياء، فراح الناس يرمون بأجهزتهم المحطمة، بالعشرات، في جوار المعابد، أُحذر من يوم يصل فيه إدمان التلفزيون ببعضنا إلى حدٍّ أوصل أُسترالياً إلى اختيار تلفزيونه زوجة مثالية، وعقد قرانه عليه بمباركة كاهن، وبحضور أصدقاء العريس، البالغ من العمر 42 سنة، الذي تعهد بالوفاء للتلفزيون، واضعاً خاتمي الزواج في غرفة الجلوس قرب هوائي الاستقبال، مصرحاً بأنه اختار التلفزيون شريكاً لحياتة، وبأن زواجه به يبعده عن المشاجرات، التي كانت ستحدث لو تزوج بامرأة وما كان ناقصنا إلاّ التلفزيون.
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
تذكّروا.. "أرخص ما يكون إذا غلا"

تذكّروا.. "أرخص ما يكون إذا غلا"


مــذ بدأتُ الكتابة في "زهرة الخليج"، منذ ما يقارب الثلاث سنوات، وأنا أتحاشى التوقّف عند الإعلانات، التي "يخزي العين"، تملأ المجلّة حتى يفيض بها غلافها أحياناً إلى غلافين.

وإذا كان في هذا جــاه إعلاميٌّ، وشهادة بنجاح، قلَّما تحظى به مطبوعة، فقد كان في هذا الأمر قصاصي، إذ كان لابد أن أتعثّر بين صفحة وأُخرى، بدعاية لسلعة، لا يفوق ثمنها إمكاناتي، بقدر ما يفوق ما يسمح لي حيائي بإرفاقه على الكماليات.

في الواقع، قلَّما كنت أتنبَّـه لغلائها، لأني كنت بتجاهلها، والتعفّف عن الانبهار بها، أسترخصها وكنت أظنني ابتدعت فلسفة في مقاومة مثل هذه الإغراءات، حتى قرأت قول المتنبي:

"وإذا غلا شيء عليَّ تركته --- فيكون أرخص ما يكون إذا غلا"

فازددت إيماناً بعظمة شاعر، ما ترك حكمة إلاَّ وسبقنا إلى قولها بما هو أفصح.
فازددت إيماناً بعظمة شاعر، ما ترك حكمة إلاَّ وسبقنا إلى قولها بما هو أفصح غير أنّ خبراً، قرأته مؤخراً، أوحى لي بفكرة قد تؤمّن لي احتياجاتي من لوازم وكماليات نسائية، دون الشعور بالذنب أو الوقوع في فخّ الاستهلاك، وذلك بتقاضي راتبي مباشرة على هيئة حاجات وبضائع معروضة في الإعلانات، مادامت من "حواضر البيت"، وبعض ما تفيض به خزائن "زهرة الخليج"، وواجهاتها من سلع أحتاج إليها في مواسم الأعياد، بعد أن اعتدت أن أُنفق دخلي على البيت والأولاد، وعلى المحتاجين حولي من عباد وحان، حسب نصيحة حنّا مينة في إحدى المرّات، أن أكتسب عادة تدليل نفسي، لأنّ في تدليلها على ما يبدو منفعة أدبية! ولأنني أتوقّع أن تكون معظم زميلاتي في المجلة في وضعي، فإنني أحثهن على مساندة عرضي، ومطالبة مدير التحرير بدفع معاشهن بعد الآن، ساعات ومجوهرات وعباءات، وثياب سهرة وعطوراً وسيارات، بل إنني أذهب حدّ الْمُطالبة، بألاَّ تظلّ علاقة كُتّاب المجلّة مقتصرة على مدير التحرير، بل تمتد إلى الْمُعلنين، ذلك أنني قررت أن تكون مُكافأتي، من ضمن السلع الْمُعلن عنها في الصفحة المواجهة لصفحتي، بعدما تأكّدت بعد التدقيق أنها الأثمـن.
ولطفــاً مني، سأسمح للزميلات بأن يتناوبن على صفحتي ليؤثثن بيوتهن ويقتنين سيّارات.. ويخترن أرقى المجوهرات، شرط ألاَّ يستغفلنَني ويسطينَ على "الكرسيّ" فهذه الصفحة، للتذكير، أحتلّها في انتظار أن أُورثها لابني.
أعـــود إلى الخبر الذي جــاء من روسيا، الذي يقول إنه، نظراً للوضع الاقتصادي الأســوأ الذي تعرفه البلاد، اعتاد المديرون الذين لا تتوافر لهم السيولة المادية، دفــع أُجــور موظفيهم بما يتوافر تحت أيديهــم، حتى إنّ بعض الشركات تدفع أُجــور الموظّفين من البضائع التي تنتجها فشركة لإنتاج ماكينات الخياطة، سدّدت أُجــور موظفيها بمنح كل منهم ماكينة خياطة، بينما دفع مصنع لإنتاج الفودكا 10 زجاجات فودكا، أجراً شهرياً لكلّ عامل، وهي بضائع يمكن مقايضتها في الأسواق بالمواد الغذائيّة.
كما أنّ بعض الشركات اعتمدت التعامل بالمقايضة في ما بينها، حتى إن 300 طبيب وموظّف وجدوا أنفسهم في حيرة، لا يدرون كيف "ينفقون" معاشهم، الذي هو ثلاثة أطنان من أسمدة روَث الحيوانات، تلقّاها كلّ واحد منهم من المستشفى الذي يعملون فيه.. كجزء من أُجورهم المتأخرة.
أمّا ما فاجأني وأفسد عليّ مشروعي، فتلقّي شركة، تعمل في تقطيع الأخشاب وبيعها، صناديق حفاضات نسائية بدل دَيْــن لها على إحدى الشركات!
وقد شغلني هذا الخبــر، حتى رحــت أبحث في أعداد المجلّة عن إعلان لماركة شهيرة لهذه الحفاضات، خشية أن ينتهي بنا الأمر، نحنُ كاتبات المجلّة، بتلقّي معاشنا صناديق حفّاضات نسائية تُرسل إلينا شهرياً، ما سيجعل المجوهرات والسيّارات.. والعطور من نصيب الرجال العاملين في المجلة، بذريعة أنّ لا حاجة لهم إلى تلك "البضاعة"، مذ أثبت الزعيم الليبي في أحد فصوله الشهيرة في "الكتاب الأخضر" أنّ "المرأة تحيض.. والرجل لا يحيض"!
لـــذا يبدو أنه مكتوب علينا، حتى في الأعياد، أن نواصل إنفاق دخلنا على البيت والأولاد.. بالتفرّج على أحلامنا المعروضة في الإعلانات...
وكـلّ عـام وأنتـم وأُســرة "زهرة الخليج" بخيـر
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
رالي الجنون العربي

رالي الجنون العربي


مــرَّ عيد ميلاد نــزار قبّاني منذ أيام، وما كنت لأتنبَّه له. فما كان هناك وقت لمثل هذه الذكرى، لولا أن القنوات التلفزيونية، التي كنت أُتابعها من باريس، كانت منذ بدء القصف الأميركي على العراق، تعرض على شاشاتها صــور الحرب، مُرفقةً بتاريخ اليوم.

كنا ذات 21 آذار، اليوم الثاني في حرب أفقدتنا بوصلة الزمن، حتى إن أولادي، الذين أُهاتفهم يومياً، نسوا أن يُعايدوني بمناسبة عيد الأُم. وأنا نفسي نسيت أنني لسنوات، كنت أطلب نزار قبّاني في مثل هذا اليوم، بمناسبة عيد ميلاده، فيردُّ، رحمه اللّه، مازحاً كعادته "كان عليَّ مهاتفتك.. إنه عيد الأُمهات، وأنتِ أُمّي".

يحضرني اليوم نـزار قباني، وأنا أبحث عن شيء أكتبه لكم، فلا تسعفني الكلمات، لا لقلَّة الأفكار، ولا لشُحِّ الغضب، ففائض المرارة العربية مازال قادراً على تزويدي بها، يملأ هذه الصفحة بضع سنوات مقبلة. لكن، أكاد لا أجد جدوى من الكتابة، وأنا أتذكَّر أنّ نزار، ما ترك لنا كلاماً يعلو على صهيل أحزانه، حتى بعد مرور سنواتٍ على رحيله، ولا أظن ما سأكتبه أنا، أو غيري هذه الأيام، في إمكانه أن يطال قلم نــزار قباني فصاحة، ولا قدرة على وصف الفاجعة الأزليَّة للعروبــــــة.. حتى إن نصوصـه التي كتبها منذ ثلاثين سنة.. تبدو وكأنه بعــث بها البارحة، إلى الصحف.. تعليقاً على النشرات الإخبارية العربية الأخيــرة.

وبرغم ذلك، ما استطاعت تلك الحُمم، المتدفقة علينا من قلمه، أن تُحرِّضنا على العصيان، ولا أن تُغيِّـر شيئاً من قدرٍ مازلنا نُساق إليه كالنِّعاج إلى المسلــخ.

وأنــــا أبحـث عن شيء أكتبه لكم، وجدتني أحسده، ما عاد مطالباً بأن يقول شيئاً، ولا بأن يدلي بتصريح شعريٍّ أمام كلِّ فاجعة، وقد كان إن هجانا خوَّنــــاه، وإن صمت شكَّكنا في وطنيته وحاسبناه.

"هــو شاعـر. لــذا يطلبون منه أن يُقدِّم تقريراً عن عدد أصابعه كل يوم. هو شاعر، كلّما ظهر في أُمسية شعرية أطلقوا عليه القنابل المسيلة للدمـــوع".
ذلك أن باقـات الورد أيضاً، قد تبكي الشعراء، ففي حبّنا المفرط لهم اعتداء على حقِّهم في الخطأ، وحقِّهم في الصمت، إجـلالاً للفاجعة. ولـــذا صــاح محمــود درويش "ورد أقلّ أحبتي.. ورد أقلّ"، ولم يجد فيكتور هوغــو، أمير الشعر الفرنسي، عيبــاً في أن يقول "للمصائب جلالة أجثو أمامها".
كــم أتمنى هذه الأيام لــو أصمُــت.. أن يكون لــي حــقُّ التغيُّب أحيانــاً عن هذه الصفحة، لأكتفي مثلكم بالذهـــول والصراخ في الشوارع، عندما يؤذَن لي بذلك، والعودة مساءً، إن عدت سالمة، لأجلس أمام التلفزيون كي أُتابع برامج التسلية العربية، التي أصبحت حكــراً على نشرات الأخبار، ومحاضر جلسات القمم العربية.
ذلك أننا "حلمنا بالوحدة العربية الكبرى، فلمّا وصلنا إلى النخلة اختلفنا على البلح". يقول نــزار قبّاني في أحد نصوصه. قبل أن يواصل:
"هل تريدون أن تتسلُّوا..
إذن تعالــوا نتفـرَّج معــاً على خريطة الوطـن العربي. المدن العربية مجموعة من سيّارات السباق، تنطلق كلُّها عكس السير، وتُهشّم بعضها بعضاً بساديَّــة لا نظير لها. ومادام "البنزين" متوافراً، والعجلات متوافرة، والمجانين كثيرين، فإنَّ سباق الموت العربي مستمر، ولن يربح في النهاية إلاَّ الشيطان..
كــلُّ المدن العربية تشترك في هذا السباق الدموي.. وآخــر سيارة انقلبت بركَّابها واشتعلت فيها النار، هي بيـــروت..".
هــذا ماكتبه نــزار سنة 1978م، في ديوانــه "إلى بيــروت الأُنثـى مـع حُـبِّـي".
سعيد نــزار حيث هــو، لا يدري أنَّ السباق الانتحاري المجنون، للذين يقودون سيارات أوطاننا، مازال مستمراً، وأنَّ ثـمَّـة مَـنْ مِـنْ أجــل هوايــة القيـادة، وبقائــه مشدوداً لمقــود ثلاثين سنة، مازال مستعداً لأن يبعث بنا جميعاً إلى الجحيم، ويُدحرج أقدارنـــا إلى الهاوية..
إنـه "رالــي" الجنـون العربـي.. ولا جدوى مـن ربـط أحزمة الأمان، عندما يكون الجنـــون خلـف المقـــود!
 

البحر الهائج

بيلساني لواء

إنضم
Feb 18, 2009
المشاركات
4,842
مستوى التفاعل
38
المطرح
في بحر الجميلات هائج
ألف شكر الك خيو قطرة روح على المواضيع الجميلة وألف تحية لأحلام مستغانمي :24::24::24:
 

شام

جنرال

إنضم
Jan 17, 2009
المشاركات
5,509
مستوى التفاعل
72
المطرح
بين اجمل 3 عصافير في الدنيا
رووووووووووووووووووووووووعه حبيبتي

استغفر الله الذى لا اله الا هو الحى القيوم واتوب اليه:24:
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
ألف شكر الك خيو قطرة روح على المواضيع الجميلة وألف تحية لأحلام مستغانمي :24::24::24:

مشكور اخي الكريم البحر الهائج
على مرورك الاروع من رائع
وتواصلك العطر
ودي لك وفائق احترامي وتقديري
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
رووووووووووووووووووووووووعه حبيبتي

استغفر الله الذى لا اله الا هو الحى القيوم واتوب اليه:24:

العفو
وانا ماني بنت
انا شاب
ودي لك وفائق احترامي
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
جنرالي ...أحبك


بمناسبة حمّى معارض الكتاب التي تجتاح العواصم العربية، بالتناوب، في مثل هذا الموسم، وما يرافقها من جدل حول أسباب أزمة الكتاب، تذكّرت قول ميخائيل نعيمة: "لكي يستطيع الكاتب أن يكتب والناشر أن ينشر، فلابد من أمة تقرأ ولكي تكون لنا أمة تقرأ لابد من حكام يقرأون".

فبينما تقتصر علاقة حكّامنا وسياسيينا بالكتاب، بتشريفه برعايتهم مَعارضه، وفي أحسن الحالات حضور افتتاح هذه المعارض، وأخذ صور تذكارية مع الكتب، لتوثيق عدم أميتهم، لا يفوّت السياسيون الغربيون فرصة لإثبات غزارة مطالعاتهم والتباهي بقراءاتهم.

وأذكر أنني قرأت أن كلينتون حمل معه 12 كتاباً للقراءة، أثناء آخر إجازة رئاسية له ولأن الإجازة الصيفية لا تتجاوز الخمسة عشر يوماً، فقد وجدتُ وقتها في الأمر دعاية له، أو للكتب المنتقاة، أو ربما حيلة زوجية تعفيه من الاختلاء طويلاً بهيلاري والانشغال عنها بذريعة "بريئة".

الجميل في الأمر اعتبار القراءة من طرف الحكام الغربيين، جزءاً من الصورة التي يريدون تسويقها عن أنفسهم، لعلمهم أن شعوبهم ترفض أن يحكمها أُناس لا يتثقفون، بذريعة انشغالهم بشؤون الدولة.. عن الكتاب.

وتاريخ فرنسا حافل بحكام كانوا عبر التاريخ شغوفين بالكتب، مولعين بمجالسة المبدعين، وبإنقاذ الإرث الثقافي الفرنسي، بصيانة المتاحف وتأسيس المكتبات أحد هؤلاء جورج بومبيدو، الذي لم يمهله المرض، ليقيم علاقة متميزة مع كتّاب فرنسا، ولكن ذلك الوقت القصير، الذي قضاه في السلطة، لم يوظفه لإثراء نفسه ولا لإثراء حاشيته وأقاربه، وإنما لإثراء باريس بأكبر مركز ثقافي عرفته فرنسا وأوروبا، وترك خلفه صرحاً حضارياً، سيظل يحمل اسمه ويشهد على مكانة الكتاب في قلب هذا الرجل.
أما فرنسوا ميتران، فقد كان وفاؤه لأصدقائه الكُتَّاب وفاءً خرافياً، لعلمه أن الصداقات الحقيقية، لا يمكن أن يبنيها الحاكم، إلا خارج السياسة، حيث لا خصوم ولا حلفاء ولا أعداء ولا دسائس.
ولذا، فأول من وقع تحت سطوة تلك الوسامة الداخلية، التي صنعت أسطورته، كانوا الكتاب والمفكرين، الذين أُعجبوا بكبريائه السياسية، التي لم تمنعه من أن يكون رغم ذلك في متناولهم، ويدعوهم بالتناوب إلى تناول فطور الصباح معه، أو لقضاء نهاية الأسبوع خارج باريس في صحبته، للتناقش في شؤون الأدب والفلسفة.
وكان ميتران مولعاً بالكتب، ما توافر لديه قليل من الوقت، إلا قضاه في المكتبات التي كان يزداد تردده عليها، كلما شعر بقرب رحيله، ما جعل الكتب في آخر أيامه توجد حوله موزَّعة مع أدويته، وكأنه كان يتزود بها، ما استطاع، لسفره الأخير، حتى إنه طلب أن يُدفن مع الكتب الثلاثة المفضلة لديه، كما كان الفراعنة يطلبون أن يدفنوا مع ذهبهم وكنوزهم.
أما شارل ديغول، فقد اشتهر بخوفه على كُتَّاب فرنسا ومفكريها، بقدر خوفه على فرنسا ذاتها، حتى إنه رفض أن يرد على عنف سارتر واستفزازه له باعتقاله، واجداً في عدوٍّ في قامة سارتر، عظمة له ولفرنسا، معلّقاً بجملة أصبحت شهيرة "نحن لا نسجن فولتير" ولا نعجب بعد هذا أن تجمعه بأندريه مالرو، وزير ثقافته، علاقة تاريخية تليق بقامتيهما، ولا أن يُجمِع معظم الكتّاب الذين عاصروه على محبته والولاء له، حتى إن جان كوكتو، وهو أحد ألمع الأسماء الأدبية، اختار ديغول ليكتب إليه آخر سطرين في حياته، قبل أن يرحل، وكانا بهذا الإيجاز والاحترام، الموجعين في صدقهما "جنرالي.. أُحبك.. إنني مقبل على الموت".
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
زيدوني حقدا ...... زيدوني

زيدوني حقدا ...... زيدوني

أما وقد عايدت أحبّتي وأصدقائي، فاسمحوا لي بأن أكون مُنصفة وأُعايد هذه المرَّة أعدائي. فللأمانة، أنا مدينة لهم بكثير من نجاحاتي وانتشاري. ولا يفوتني في بداية هذا العام، أن أتوجه بالدعاء إلى اللّه، كي يحفظهم ويُبقيهم ذخراً لي، للأعوام المقبلة. فالأديب الذي لا أعداء له، هو أديب سيئ الحظ. إنه كاتبٌ غير مضمون المستقبل، لأنه فاقد وقود التحدِّي. وأنا المرأة الكسول بطبعي، التي تُصدر كلّ أربع سنوات كتاباً، أحتاج إلى أعدائي كي يتسنَّى لي الردُّ عليهم بمزيد من الكتابة. فالكاتب، كما تقول غادة السمّان، يزداد ازدهاراً عندما يُهاجَم. لــذا تَعتبر غادة استمراريتها انتقاماً من محترفي إيذائها. فبفضل أحقادهم، اضطرت إلى إثبات حضورها أربعين مرّة، بعدد كتبها. ذلك أنّ الكاتب لا يردُّ على الشتائم بمثلها، ولا على الأحقاد، بما يُماثلها من ضغائن ومكائد. فليس من عادة الكبار أن يهاجِموا، وإن هُوجموا لا يردُّون. وهذا حتى عند الحيوانات، حيث يهجم الكلب الصغير دوماً، على كلبٍ ضخم يُصادفه، ويظلّ يحوم حوله قافزاً متحديّاً إيّاه بالنباح، درءاً لبطشه وخوفاً من ضخامته.
لكنني، خلال سبع عشرة سنة، قضيتها في باريس، أتقاسم الشوارع مع الكلاب الباريسية، لم أشهد مرة كلباً من سلالة بول دوغ يردُّ على كانيش صغير، يترك سيدته ويركض نحوه لمنازلته.
صحيح أنني تمنيت لو كان لي أعداء شرفاء أكبَرُ بهم، بقدر ما يكبرون بي. فالعدو الكبير، حسب أدونيس، هو أيضاً صديقٌ. ولكن ليس هذا زمن الكبار على ما يبدو، ولا زمن المعارك النبيلة. ولستَ أنتَ مَن تختار أعداءك، بل هم من يختارونك، حسب أهمِّيتك ووصوليّتهم. فأسهل من إنفاق أعوام في كتابة عمل كبير، تفرُّغك لشتم كاتب كبير، تتقاسم فوراً جهده إعلامياً. فبالتشهير به تصنع شهرتك، وعلى منصّة اسمه تتسلّق أغلفة الكتب والمجلات، لتسوّق اسمك.
وبتلويث قلمه تُلمّع قلمك، عساه ذات يومٍ يفقد صوابه، فينزل إلى مستنقعٍ لمنازلتك. وعندها، حتى وإن انتصر عليك، سيخرج ملوَّثاً بالوحل. ومن هنا جاء قول أحد الحكماء: لا تُجادل أحمق أو جاهلاً، فلا يعرف الناس الفرق بينكماء، (وفي إمكاننا تغيير الصفتين السابقتين، بما يُناسب من صفات). أمّا المتنبي العظيم، الذي أدرك قبلنا، أنّ النجاح فعلٌ عدائي، وخَبِر من خصومه كلّ أنواع الدسائس، عبثاً استدرجه شعراء عصره، للردّ عليهم، طمعاً في اقتسام جاهه، فقد ترك لنا في قوله:

وأتعبُ من ناداكَ مَن لا تجيبُه
وأغيظُ من عاداك من لا تُشاكل

إحدى حكمه الجميلة، في إغاظة الأعداء بتجاهلهم. وهي نصيحة نجدها في قول ابن المعتز:

اصبر على كيد الحسود
فإن صبرك قاتله


ذلك أنّ الحسد داءٌ منصفٌ، يفعل في الحاسد أكثر مِن فِعله في المحسود.
كلامٌ يؤكده الطب، حيث أثبتت الأبحاث، أنّ المشاعر السلبيّة، كالعدائيّة، والضغينة والكيد، يمكن أن يكون لها تأثيرٌ تراكمي في الجسم، بمرور الوقت، قد يوصل البعض إلى ارتياد العيادات النفسيّة. فهي توذي أصحابها ويصبحون عُرضة للوقوع ضحايا لأمراض القلب والسكتات الدماغية. والذين لديهم شخصيات حاقدة وشرِّيرة، لا يُعمِّرون طويلاً، فوحدها الأحاسيس الجميلة، والنوايا الحسنة، تطيل الحياة.
ذلك أنّ الحاقد، وهو يستشيط كيداً، ينسى أن يتمنى الخير لنفسه، لفرط انشغاله بتمني الشر لعدوه، لكونه، حسب الإمام على (كرّم اللّه وجهه): يرى زوال نعمتك نعمة عليه، غير منتبهٍ لِمَا يلحقه بنفسه من ضررٍ. وهو ما ينطبق على تلك النكتة، التي تُروى عن جزائرييْن اثنين، محكوم عليهما بالإعدام، سُئلا، حسب العادة، عن أُمنيتيهما الأخيرتين، قبل إعدامهما. فأجاب الأول أُريد رؤية أُمي، وردَّ الثاني أُريد أن لا يرى أُمه.
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
دلُّوني على أحدهم


هاتفتني العزيزة لطيفة، بعد قراءتها مقالي عن عطاف شاهين، ابنة القـــدس، التي بَـــدَلَ انخراطها في "كتائب الأقصى"، انخرطت في "كتائب العشَّاق"، واختارت أكثر العمليات الفدائية صعوبة، بعد أن عاهدت خطيبها محمود الصفدي، الأسير في سجن عسقلان، على انتظاره حتى آخر يوم من الأعوام السبعة والعشرين، المحكوم عليه بقضائها في الأَسر، التي انقضى منها حتى الآن، خمس عشرة سنة كاملة، بأشهرها وأسابيعها وأيامها ولياليها·
وقالت لطيفة، وكأنها ليست مَن غنَّى "يا حبيبي ما ترحش بعيد": "معك حــق·· إنْ كان الوفاء يحتاج إلى مسافة، وإلى سجن وسجَّان، ليأخذوا بُؤسنا العاطفيّ ويسوقُونا إلى سجن عسقلان·· عسانا في الأَسر نعثر على الحــبّ الكبيــــر!"·
مَن منّا لم يحسد عطاف على بطولة عاطفيّة كهذه، في زمن لا ينقصه الأبطال ولا "السوبر ستار"، وإنها فقط "قضيّة عشقيّة" تمنحنا فرصة النضال من أجلها، وإثبات أننا جميعنا نتفوّق في دور البطولة، عندما يختبرنا الحبُّ بقصصه المبهرة العظيمة، التي ليست دوماً من صُنع المشاهير والعظماء؟
فالحبُّ لا يكبر بألقاب عشّاقه، وإنما بفجائعهــم ومآســيهم، حتى لكأنه لا يتغذّى إلاَّ بها، ولا يدين بوجوده لسواها·
ألــم يُجــب نابليون بونابارت مَن سأله: "ما الذي يقتل الحب؟" قائلاً: "النهاية السعيدة!"؟ لــــذا، عندما يغدر الموت بأحد العاشقين، ويسرقه من الثاني، تصبح فاجعة الفقدان الأبديّ "فرصة ذهبيّة" للعاشق الذي بقي على قيد الحياة، كي يُنازل الموت عشقاً، ذاهباً معه في تحدٍّ يتجاوز أحياناً المنطق، مُستنداً إلى منطق الحبّ لا غير·
وهكذا، في نيس، في جنوب فرنسا، احتفلت مؤخراً عاشقة في الخامسة والثلاثين من عمرها، بزواجها بحبيبها المتوفَّى منذ سنتين· ولم يكن من السهل تحقيق مطلبها الغريب· فلقد اضطُرّت قبل ذلك إلى تكليف مُحام للدفاع عن أُمنيتها، والكتابة إلى الرئيس جاك شيراك، لإصدار قرار رئاسيّ يسمح لها بإقامة مراسم الزواج في البلديّة، وإجراء جميع المعاملات القانونية، التي كانت قد شرعت في التحضير لها، قبل أن يقتل أحد اللصوص حبيبها الشرطيّ، قبل أشهر من عقد الزواج·
وإن كانت "العروس الأرملة" قد أعلنت سعادتها بوفائها بالعهد، الذي قطعته لحبيبها، وافتخارها بأنها صارت تحمل اسم حبيبها، فثمَّة امرأة أُخرى جاءت قبلها بأربعة قرون، وجدت أنّ الوفاء لا يقتضي أن تكتفي الزوجة بحمل اسم زوجها الفقيد·· بل بحمل رأسه أيضاً·
ويروي التاريخ قصّة "الليدي رالي"، التي طلبت أن تُعطــى رأس زوجها بعد أن أمر الملك جيمس الأوّل بقطعه، بتهمة مُوالاته لملك إسبانيا، فكانت تحمله مُحنّطاً حيث ذهبت، ودام ذلك 29 سنة· وقد سار ابنها على نهجها، وظلّ هو أيضاً محتفظاً برأس والده، حتى وافته المنيّة فدُفن معه·
لكن الوفاء لا يحتاج إلى حملنا، حيثما ذهبنا، جثمان مَن فقدناهم· يكفي أن نواصل الحياة وكأنهم مازالوا موجودين فيها، محافظين على عاداتنا الصغيرة معهم· ولقد صدر مؤخراً في فرنسا كتاب بعنوان "أُغنية حــبّ"، ضمَّ أجمل ما كتبته زوجة لزوجها يومياً، على مدى سنوات بعد موته· وما الزوج سوى أنطوان دي سانت اكزوبيري، أحد أشهر الكتّاب الفرنسيين في الأربعينات، الذي بحُكم عمله، كطيار تجاري وواحد من أوائل مَن عبروا المحيطات بأكياس البريد ليصلوا القارات ببعضها، كان يتوقّع الموت في أيّة رحلة، وهو يقود طائرته البدائية تلك· لـــذا طلب من زوجته أن تكتب له كلّ يوم رسالة قصيرة، وتحتفظ بها إلى حين عودته، وهذا ما ظلَّت تفعله الزوجة العاشقة إلى ما بعد موته بسنوات، حتى ذلك اليوم الذي توقَّـف القلم بين أناملها·· وماتت الكلمات·
لا أظنكــــم ستختلفون معي في الرأي إنْ قلت: "لا شيء على الإطلاق أجمل من الوفــــاء بعهد عشقيٍّ قطعناه"· ولا أظنني سأبـــوح بغير حسرتكن إنْ قلت: "أيـــن هُــم الرجــال الذيــن يستحقــون منّا بطـــولات الوفـــاء؟"·
دلُّــونــــي علــى أحــدهــــم·· أيـتُّـهــــا النساء!
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
فإذا أنكر خلٌّ خلَّه..


ضحكــــت لقول المسؤولة السابقة عن العلاقات العامة في حزب المحافظين في بريطانيا، في إحدى المقابلات، "عندما يُمطرك رجل برسائله المكتوبة على الجوَّال، فاعلمي أنّه يرسل رسائله من المرحاض في بيته، حيث لا تسمع زوجته ما هو فاعل.. رسائل الجوَّال هي القلعة الحصينة للخيانات الزوجية!".

أسعدنـي أن أعرف أن جميع النساء، على اختلاف جنسياتهن، سواءٌ أكـنَّ الزوجات المخدوعات، أم العاشقات الخادعات، يَعيـنَ مدى جُبن الرجال، واستعدادهم للغش العاطفي، واثقين لفرط تذاكِيهم بسذاجتنا نحنُ النساء، جاهلين أنّه لا أكثر ازدراءً في عين امرأة عاشقة، من حبيب جبان يخــاف زوجته، ولا يمكن أن يُعوَل عليه ساعة المواجهة، في حالة ما تحوَّلت الزوجة المخدوعة إلى رجل تحرٍّ، وأفحمته على طريقة "كولمبــو"، بدلائل الجريمة، واسم المرأة التي يرسل إليها من المرحاض.. رسائله الملتهبة!

في إمكاني في هذا السياق، أن أقلب تلك الْمَقولة التي تقــــول: "بعد أن اخترعنا الزواج، أصبح هنالك نوعان من الناس: تُعســـاء، وتُعســاء جـــداً", ففي الواقع، أنتجت المؤسسة الزوجية نوعين من الناس: الْجُبناء، والجبناء جــداً والعجيب حقّــاً هذه الأيام، وجود هذا النوع الأخيــر من الجبناء وسط الرجال تحديداً، بينما تزداد النساء شجاعة وجرأة، وأحياناً وقاحــــة فهـنَّ جاهزات غالباً لو اقتضى الأمر للدفاع عن حبِّهن، وأحياناً عن "صيدهنَّ"، والدخول في حرب لإنقاذ مكاسبهن العاطفية، مــذ شـرع "الحاج متولِّـي" للفتيات حـقّ اختطاف الأزواج من أُمهات أولادهم وقد روت لي صديقة جزائرية منذ سنة، كيف أنها حاولت إنقاذ زوجها، بمواجهة الفتاة التي كان على علاقة بها، لكن الفتاة ردّت عليها بوقاحة "كلي ودعي الأُخريات يأكلن أيضاً!"، مُستكثرة عليها الانفراد بـ"وليمة" رجـل ثري وشهواني، في بلاد تعاني فيها ثلاثة ملايين فتاة من العنوسة!

في المقابــل، يُفضّل الرجل دائماً التوفيق بين حياته الزوجية العلنية، وحياته السرية الأُخرى، لأنه يحتاج إليهما معاً للشعور بتفوّقه، والاطمئنان على فحُولته، فيُبدع في أداء دور الزوج الصالح، تستُّراً على تماديه خارج بيت الزوجية، في تمثيل أدوار العاشق الْمُلتـــاع غير أنه كثيراً ما يجبُن ويتحوّل إلى فـــــأر مذعـــور، ساعة المواجهة مع زوجته، فيتنكّر للمرأة التي أحبَّها، ويتخلَّى عنها حفاظاً على مكاسبه الاجتماعية ونحنُ لا نلومه على انحيازه للأُسـرة بــدل الحـبّ، بـــل نلومه على نِفاقه وكذبه وتغريره بعشيقته، ومطاردتها هاتفياً، ليل نهار، ثم التخلِّي عنها عند أول امتحان.

صديقـة هاتفتني في الصيف من مطار "نيس" صارخـــة: "رأيتها.. رأيتها"، على طريقة أرخميدس، يوم عثر على اكتشافه الشهير، وهو في مغطس حمامه، فراح يصرخ "وجدتها.. وجدتها" وكانت قد أخبرتني قبل ذلك، أنها، بعد أربع سنوات قضتها، بفضول نسائي، في مطالبة الرجل الذي تحبه بإطلاعها على صورة زوجته، التي كان يدَّعي أنه سيتخلَّى عنها ليتزوجها هي، برغم مفاخرته أحياناً بها لإغاظتها، قرّرت بعد أن علمت بسفره إلى الجزائر مع عائلته لقضاء العطلة، أن تحجز لها مكاناً في الرحلة نفسها على الدرجة الأُولى، التي يسافر دائماً عليها، وأخفت عليه الأمر مدَّعية بقاءها في فرنسا وكاد يُغمى على الرجل، وهو يراها تمر أمامه في هيئة جذّابة، وأناقة اختارتها بمكر نسائي، وراحــت دون أن تسعى إلى فضحه، تتأمَّـل من بعيد خلف نظارتها، ارتباكه، وهو يقوم بإجراءات السفر بجــوار زوجة مُتسلّطة تكبره سناً، وترتدي ثياباً أصغر من عمرها ولكي تنتقم لكرامتها، وهي تراه يتمادى برعــب في تجاهلها، جلست في الطائرة خلفه بمقعدين، وراحت تتجاذب أطراف الحديث مع رجـل وسيم كان يجلس بجوارها، ما جعله من غيرتـه يتردّد على الحمّام، كي يتلصَّص على هذا الغريم، الذي يغازل في حضرته حبيبته، وهو عاجز عن الدفاع عن حبّها أمام زوجته وأولاده.
ربما كان لسان حال صديقتي آنذاك قول الشاعر:
تمرّ بي كأنني لم أكن
ثغرك أو صدرك أو معصمك
لو مترَّ سيف بيننا لم نكن
نعلم هل أجرى دمي أم دمك
ولأنه كان لا يُتقن العربية، لكونه بربرياً، ولا يفهم شيئاً في أغاني أُم كلثــوم، ما كان في إمكانه أن يُدافــع عن نفسه بذلك المقطع الجميل:
فإذا أنكر خلٌّ خلَّهُ
وتلاقينا لقاء الغُرباء
ومضى كلٌّ إلى غايته
لا تقلْ شئنا.. فإنّ الحظّ شاء
قد يتهجّم بعضكم على تلك المرأة، ويُشفق آخرون على ذلك الرجل.. أما أنا، فاسمحوا لي بأن ألعنه.. ليذهب إلى الجحيم!
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
لها ردف إذا قامت.. أقعدها"!


قـــرأت لـ"آل باتشينو" تصريحاً ساخراً يقول فيه "كلَّما انتابتني الرغبة في القيام بتمارين رياضية، اضطجعت على الفراش، وظللت مضطجعاً، حتى تزول هذه الرغبــة".

وقد وجدت فيه الذريعة، التي كانت تلزمني بملازمة فراشي، بينما يتأتَّــى إلى مسمعي، صوت مُحرِّك سيارة جارتي، وهي منطلقة كل صباح نحــو النادي، لتبدأ صباحها بالرقص الشرقي. وأنــا أتفهَّـم تماماً جهدها ومثابرتها على تعلُّم الرقص، مادامت لم تُولد في أفريقيا، حيث الأطفال يرقصون من قبل حتى أن يمشوا، ولا في مصــر، حيث، حسب تعليق ساخر للكاتب محمد الرفــاعي، في مجلة "صباح الخيــر": "البنت المصرية بالذات بتنزل من بطن أُمها وهي بترقص وتاخد "النقوط" من الدكاترة والممرضات".

وأتمنَّـى أن تتفهَّموا موقفي من الرقص الشرقي، الذي أُعاديــه، فقط لضرورة المعارضة، ذلك أن البنت الجزائرية "مُعارضة خلقة"، تأتي إلى الوجود "حاملة السلّم بالعرض"، ولا تنزل من بطن أُمها إلاَّ بعد "أُمّ المعـــارك"، وبعد أن تكون قد "بطحـت" أُمها، وتشاجرت مع القابلة، وهدَّدت الدكاترة في أوَّل صرخة لها، بنسف المستشفى إنْ هم لم يصدروا بيانـاً يُندِّد بالإمبريالية، ويُعلن مقاطعة حليب "نيــدو"!

تصوَّروا هذا الكمّ من الجينات الغبيَّة، التي تولد بها البنت الجزائرية، خاصة أنها بحكم هذه "التشوُّهات الثورية"، وقلقها الدائــم بسبب ثــورة أو قضيَّة، مُعرَّضة للسمنة، حسب دراسة أميركية حديثة، أثبتت أن نسبة شحوم البطن والردفين، قد تزداد عند المرأة، مع ازدياد قلقها، ما يجعل حياتها عُرضة للخطر، الأمــر الذي أوصلني إلى استنتاج، أنَّ مصائــب العــرب كلَّها تعــود إلى "أرداف الأُمَّــة العربيَّـة"، الْمُثقلة منذ نصف قرن بقضايا "تسمّ البــدن"، وتُضاعف الهمّ والغُبن. ولــذا، إنقاذاً لصحة ملايين العــرب، يتمّ في كل مؤتمر قمَّة عربيَّة "شطف" بعضها، بفضل ما تزوِّدنـــا بــه أميركـــا، من آلات حديثة لسحب الشحوم والدهون، التي تراكمـت في خاصرة تاريخنا القومي، بحيث ما قمنا إلاَّ وأقعدتنا! وهو ما يُفسِّر اليوم تلك السابقة الأُولى من نوعها، التي أقدم عليها الرئيس صـدّام حسين، قبل أسابيع من "حـرب الحواسم"، بإصداره مراسيم تقضي بتقليص أُجــور الضبّاط، الذين زاد وزنهم إلى النصف، بحيث يتعرَّض كلَّ ضابط، لا يتمتَّع بطاقة بدنيَّة، لتخفيض أجره الشهري، وكلِّ علاواته الأُخـــرى.

لــم يكـن الأمر إذن، مُجرَّد قرار نابــع من حبِّه الْمُشْهَر للرياضة، وقد عوَّدنــا، وهو الفــارس المغـــوار، على رؤيتـه وهــو يمتطي الخيــل، ويقطع دجلــة سباحة، ويُمارس هوايـة الصيد البشري، بإطلاقه رصاص بندقيته في الهــواء، أثناء تدخينه سيجــــاراً. فالحــرب هـي أنبـل رياضة لدى ســادة الحـروب. والرجــل، كما تشهد لــه القصيدة، التي "فقعنا بها"، يوم "واقعة العُلــوج"، كان يستعدُّ حقــاً لمنازلـة "الأوغــــاد"، واثقــاً تماماً باللياقة البدنية لضبّاطـه، بحيث صــار في إمكانه أن يدعــو حتى سكّان الكواكـب الأُخرى، إلى أن يشهدوا على بطولاتـــه:

"أطلق لها السيف لا خوف ولا وجل أطلق لها السيف وليشهد لها زُحل"
وللأمانــة، فقد التزم الرجل حقاً، هو وذرَّيته، بنظام الحميَّة التي فرضها على ضبّاطه، نظـــراً للخفَّـة مُنقطعة النظير، التي تمَّ بها هروبه مع أركان حربه، والرشاقة التي تمَّ بها تفريغ خزائن المصرف المركزي، في ثلاث شاحنات مُحمَّلة بمليار دولار، من الأوراق النقدية، من العملات التي قِيل عنها يوماً، إنها "صعبـة".
ولابد من الاعتراف للزعيــم العراقي ببُعــد النظر. ذلك أنَّ كل الشحوم، التي لم يستطع "شفطها" خلال الساعات الأخيرة من حكمه، تولَّــت قوات التحالف أخذها على عاتقها، واستكمال مهمّات تحرير الشعوب العربية من زوائدها الدهنية.
أبشــروا... لـن يبـقى بيننا سمين بعـد اليـــوم.
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
مأتم الأحلام


استوقفني قول للكاتبة كارولين أهيم: "الحصول على دماغ يستطيع الكتابة، معناه الحصول على دماغ يعذبك", ولو أنها خبرت لعنة الحصول على دماغ عربي، لأدركت نعمة عذابها، ولقاست بمقياس ريختر للألم، فاجعة أن تكون كاتبة عربية في زمن كهذا.

ذلك أن الكاتب العربي يشهد اليوم تأبين أحلامه شيء ما يموت فيه، ويُشعره بخـواء النهايات ثمَّة عالم جميل ينتهي، وهو يستشعر ذلك، وينتظر مذهولاً حلول الكارثة زمـن انتهى بأحلامه ومثالياته ونضالاته.. وقضاياه المفلسة نشعر بخفّة الألم، لا خفّة من أزاح عن كاهله مشكلات حملها عمراً بكامله، بعدما عثر لها أخيراً عن حلول، وإنما خفة مَن تخلّص أخيراً من أوهامه.

سعادتنا تكمُن في فاجعة اكتشافنا، أنه لم يعد في إمكان أحد أن يبيعنا بعد الآن قضية جديدة، مقابل أن يسرق من عمر أبنائنا جيلاً أو جيلين آخرين فالشعارات الْمُعلَّبة، الجاهزة للاستهلاك التي عشنا عليها، انتهت مدّة صلاحيتها، وأصبحنا نعرف من أي "سوبرماركت" استوردها أولياء أمورنا، وكم تقاضى بعضهم، ومازال، مقابل تسميمنا ومنع نموّنا الطبيعي، واختراع حروب وكوارث لإبقائنا أذلاّء، فقراء، ومرعوبين.

لقد اختصر محمد الماغوط، نيابة عن كل المبدعين العرب، سيرته الحياتية في جملة واحدة: "ولدتُ مذعوراً.. وسأموت مذعوراً" فالمبدع العربي، مازال لا يشعر بالأمان في بلد عربي وإذا كان بعض الأنظمة يتردّد اليوم قبل سجن كاتب أو اغتياله، فليس هذا كرماً أو نُبلاً منه، وإنما لأن العالم تغيّر وأصبحت الجرائم في حق المبدعين لا تمرُّ بسرِّية، بل قد يُحاسبه عليها العالم المتحضّر، كلما جاءه مقدماً قرابين الولاء له، طالباً الانتساب إليه.

كيف في إمكان الكاتب العربي أن يكون ضمير الأمة ولسان حقّها، وهو منذور لمزاجية الحاكم وأُمية الرقيب وأهواء القارئ، الذي أصبح بدوره رقيباً يعمل لحسابه الشخصي، وقد يتكفل بإصدار فتوى تكفّرك أو تُخوّنك، محرّضاً الشارع عليك، فتخرج مظاهرات تطالب بسفك دمك وكسر قلمك، وتُدخلك القرن الواحد والعشرين من بوّابة المحاكم وغرف التحقيق والسجون؟ يقول برناردشو: "الوطن ليس هو فقط المكان الذي يعيش فيه الإنسان، بل هو المكان الذي تُكفل فيه كرامته وتُصان حقوقه" وهي مقُولة تجعلنا نكتشف ما نُعانيه مِن يُتم أوطان لسنا مواطنين فيها فكيف نكون فيها كُتّاباً، ونحن نقيم في ضواحي الأدب وضواحي الحرية، خارجين لتوّنا مذعورين من زمن ثقافة الشارب العريض، والقصائد التي تُلمِّع حــذاء الحاكم، وتُبيِّض جرائم قُطّاع طُرق التاريخ، لنقع في فخّ العولمة.. فريسة للثقافات الْمُهيمنة ولطُغاة من نوع جديد، لا يأتونك على ظهر دبّابة، إنما يهدونك مع رغيف البنك الدولي.. مسدساً ذهبياً تطلق به النار على ماضيك؟ وقد قال أبو الطالب الدمستاني "إنْ أطلقت نيران مسدسك على الماضي، أطلق المستقبل نيران مدافعه عليك" ولا أدري كيف في إمكاننا إنقاذ المستقبل، دون أن نعي الواجب التأمُّلي للمبدع ودوره في حماية الهوية العربية، ذلك أن معركة الألفية الثالثة ستكون ثقافية في الدرجة الأُولى، وعلينا ألاَّ نكون مُغفلين ولا مُستغفَلين أمام هيمنة ثقافية، لا يمكن أن تكون بريئة.
إنَّ المبدع والمثقف العربي، هو آخــر صرح بقي واقفاً في وجه بعض حكّام، لا ينتظرون إلاَّ غفوة أو غفلة منه ليسلّمونا شعوباً وقبائل إلى الغرب، على طبق العولمة أو التطبيع وهذا المبدع العربي، الذي حدّد نفسه منذ أجيال "مبدع الضدّ"، قد يأتي يوم لا يجد فيه قضية عربية تستحق منه مشقّة النضال، ويومها سنبلغ عُمق الكارثة!
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
يا رب سترك!

كم يبدو بعيداً ذلك الزمن الذي كانت فيه النساء في العصر الذهبيّ في أوروبا يتنقلن في الصالونات، داخل أثوابهن الدائرية الضخمة، كمظلات الطيارين في تنانير يتم نفخها باشرطة ترتديها النساء تحت الثياب.
كانت النساء وقتها، يُخبئن كل شيىء في ثيابهن: الرسائل المهربّة، والمناديل المعطّرة، والعلب الذهبية الصغيرة التي تخفي صورة الحبيب.
اليوم، أصبحت الثياب بالكاد تخفي أجساد من يلبسنها. ولا أدري إن كنّا نعيش أزمة حبّ، أم أزمة ذوق. ولكن العالم تغيّر، وتقلّص، ومعه الثياب النسائية، التي مرّت بكل مراحل القهر التاريخي، وانتقلت من الزمن الذي تتراكم فيه الثياب الداخلية، قصد إخفاء تضاريس الأنوثة، إلى زمن ابتكار المشدّ لتفصيل الجسد ونحت خصر المرأة، كما لو كانت فراشة. كل هذا، تارة بقصد إثبات براءة المرأة وعفتها، وتارة لتوريطها وتسويقها في لعبة الجمال والإغواء.
لا توجد حضارة واحدة بريئة في تعاملها مع المرأة عبر التاريخ. وقد قرأت أنّه عندما ظهر المشدّ في العصور الوسطى، تعرّض إلى حملة عنيفة على أيدي خطباء الكنيسة، إذ اعتبروا أنّ النساء "لبسن الشيطان في ثنايا أردافهن".
أثناء ذلك، كان الصينيون الذين لا يحتاجون إلى شدّ خصور نساءهم النحيفات أصلاً، مشغولين بصناعة قوالب خشبية لأرجلهن، قصد منعهنَّ من النمو، وربما لإثقال خطاهن كالحيوانات المدجنة حتى لا يذهبن أبعد من البيت.
ولكن يظلّ الصينيون أرحم من الحاكم بأمر اللَّه، الذي على ايام الفاطميين لم يحكم سوى بأمر منطقه الغريب، وكأنّه الأب الشرعي لبعض من يحكموننا اليوم من حكّام غريبي الأطوار.
فعندما قرر الحاكم بأمر اللَّه منع النساء من الخروج، أصدر مرسوماً يمنع الإسكافيين على أيامه من صناعة أحذية النساء، تماماً كما منع المصريين من اكل الملوخية لأنه لم يكن يحبّها!
وهكذا، ما كاد يعود إلى النساء حق انتعال الحذاء، حتى لم يتردّدن في استعماله ضد الرجل.
أعود إلى موضوع الثياب "الذكية" التي اخترعها لنا العلماء، والتي بوسائلها الإلكترونية ستشي للمرأة بما يكفي من المعلومات لسبر خبايا الرجل الذي أمامها. ذلك أنّ في بطانة الفستان محطة اتصالات كاملة، قد تتحول إلى شاشة تلفزيون عند الحاجة.. وإذا كان القدامى يقولون "الناس مخبّايين بثيابهم"، فعلى أيام أولادنا سيتعرى الناس بسبب ثيابهم، ولن تحتاج النساء، لقياس حرارة الرجل سوى لأحمر شفاههن الذي سيكون إلكترونياّ. ولمعرفة مدى صدق رجل، كل ما يلزمهن عدسات لاصقة ستكون مزوّدة برزمة إشعاعية تُمكّن كم يبدو بعيداً ذلك الزمن الذي كانت فيه النساء في العصر الذهبيّ في أوروبا يتنقلن في الصالونات، داخل أثوابهن الدائرية الضخمة، كمظلات الطيارين في تنانير يتم نفخها باشرطة ترتديها النساء تحت الثياب.
كانت النساء وقتها، يُخبئن كل شيىء في ثيابهن: الرسائل المهربّة، والمناديل المعطّرة، والعلب الذهبية الصغيرة التي تخفي صورة الحبيب.
اليوم، أصبحت الثياب بالكاد تخفي أجساد من يلبسنها. ولا أدري إن كنّا نعيش أزمة حبّ، أم أزمة ذوق. ولكن العالم تغيّر، وتقلّص، ومعه الثياب النسائية، التي مرّت بكل مراحل القهر التاريخي، وانتقلت من الزمن الذي تتراكم فيه الثياب الداخلية، قصد إخفاء تضاريس الأنوثة، إلى زمن ابتكار المشدّ لتفصيل الجسد ونحت خصر المرأة، كما لو كانت فراشة. كل هذا، تارة بقصد إثبات براءة المرأة وعفتها، وتارة لتوريطها وتسويقها في لعبة الجمال والإغواء.
لا توجد حضارة واحدة بريئة في تعاملها مع المرأة عبر التاريخ. وقد قرأت أنّه عندما ظهر المشدّ في العصور الوسطى، تعرّض إلى حملة عنيفة على أيدي خطباء الكنيسة، إذ اعتبروا أنّ النساء "لبسن الشيطان في ثنايا أردافهن".
أثناء ذلك، كان الصينيون الذين لا يحتاجون إلى شدّ خصور نساءهم النحيفات أصلاً، مشغولين بصناعة قوالب خشبية لأرجلهن، قصد منعهنَّ من النمو، وربما لإثقال خطاهن كالحيوانات المدجنة حتى لا يذهبن أبعد من البيت.
ولكن يظلّ الصينيون أرحم من الحاكم بأمر اللَّه، الذي على ايام الفاطميين لم يحكم سوى بأمر منطقه الغريب، وكأنّه الأب الشرعي لبعض من يحكموننا اليوم من حكّام غريبي الأطوار.
فعندما قرر الحاكم بأمر اللَّه منع النساء من الخروج، أصدر مرسوماً يمنع الإسكافيين على أيامه من صناعة أحذية النساء، تماماً كما منع المصريين من اكل الملوخية لأنه لم يكن يحبّها!
وهكذا، ما كاد يعود إلى النساء حق انتعال الحذاء، حتى لم يتردّدن في استعماله ضد الرجل.
أعود إلى موضوع الثياب "الذكية" التي اخترعها لنا العلماء، والتي بوسائلها الإلكترونية ستشي للمرأة بما يكفي من المعلومات لسبر خبايا الرجل الذي أمامها. ذلك أنّ في بطانة الفستان محطة اتصالات كاملة، قد تتحول إلى شاشة تلفزيون عند الحاجة.. وإذا كان القدامى يقولون "الناس مخبّايين بثيابهم"، فعلى أيام أولادنا سيتعرى الناس بسبب ثيابهم، ولن تحتاج النساء، لقياس حرارة الرجل سوى لأحمر شفاههن الذي سيكون إلكترونياّ. ولمعرفة مدى صدق رجل، كل ما يلزمهن عدسات لاصقة ستكون مزوّدة برزمة إشعاعية تُمكّن المرأة من اختراق خباياه.
وإذا كانت هذه الثياب تقوم بمهمة التدليك، ومنع ترهل الجسم، فإن من حسناتها او مصائبها الأخرى على العشّاق، قدرتها على استعادة الأيام الخوالي وعملها عمل الذاكرة، فتخزّن انطباعاتك واحاسيسك عن اماكن مررت بها، وتزوّدك بالهواء والأصوات التي سجّلتها في ما قد يسمّى "عطر الصوت".
وهنا.. يا لطيف.. يا ستاَّر.. تبدا فضيحة ثياب تتأوّه، وأخرى تصرخ، وأخرى تتنهّد، بعد ان التقطت تاوهات المرأة الداخلية وراحت تبثها عبر مكبّر صوت، إلكترونياً. أي انها (بعيد الشر عنكم) وباختصار، فضيحة إلكترونية، خاصة لمن في مثل حالتي يجهل التعامل مع التكنولوجيا.
ماذا يستطيع رجل مذعور أن يفعل عندما يجالس امراة مفخخة بهذا الكم من الفضائح الإلكترونية؟
* لوجه الله أنصحه بان يرتدي قميصاً بازرار من الأسبرين أنتجتها شركة الأسبرين بمناسبة مئوية هذا الدواء.
ولكن ثمة مصيبة أُخرى. فكلّما اقتلع الرجل زرّاً من قميصه والتهمه مرعوباً، انتفخ قميصه أكثر. وطبعاً، ازداد الفستان تأوهاً وصراخاً!
ويا رب سترك! يا ناس جيؤوني بعباية!

احلام مستغانمي
22 -06 2002
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
وكلّ عام وأنتم سعداء!


كلّ نهاية سنة، يتسابق الناس إلى تقديم الأُمنيات بعام سعيد.
لكأن السعادة مطلب مرهون بالأعياد والمناسبات، التي تُذكِّرنا بفداحة خساراتنا السابقة، وتُمنِّينا بوقت أكثر بهجة.
قدر السعادة أن تكون عصفوراً معلَّقاً على أغصان الذكرى، أو على شجرة الترقّب. وذلك الأحمق الذي قال: عصفور في اليد أفضل من عشرة على الشجرة، أظنه كان طبّاخاً أو موظف بنك، يعمل في رصد حشرات البورصة. فلو كان شاعراً لأدرك أنّ السعادة، هي المساحة الفاصلة بيننا وبين الشجرة.. لا أكثر.
السعادة طائر على أُهبة الإفلات من يدنا، عند أوّل سهو، وعلينا أن نعيشها كلحظة مهدّدة، كي نكون أهلاً لها.

بعضنا يتسلّق شجرة المصادفة، ويتعلّق بأغصانها، وقد يقع أرضاً ويُصاب بخدوش أو كسر ما، وهو يُطارد طائراً لن يمسك به، ثمّ قد يحدث أن يحطّ ذلك الطائر يوماً على درابزين شرفته، أو يذهب متى تناول ما تساقط أرضاً، من فتات عند أقدام مائدته. وتغدو السعادة عندئذ مرهونة بتنبّه المرء إلى وجودها.. عند قدميه.
من هنا جاءت نصيحة أحد الحكماء: السعادة في بيتك فلا تبحث عنها في حديقة الآخرين. ذلك أننا كثيراً ما لا نتنبّه إلى الأشياء، التي تصنع سعادتنا، لمجرّد أنها في متناولنا وملك يدينا، وننصرف عنها إلى مراقبة، وتمني ما هو في حوزة الآخرين، بينما معجزة السعادة تكمن في مواصلة اشتهاء ما نملك والحفاظ عليه، كأنه مهدد بالزوال، بدل هدر العمر في مُطاردة، ما قد يصنع تعاستنا، إنْ نحنُ حصلنا عليه.
ويحضرني هنا قول أوسكار وايلد: ثـمَّــة مصيبتان في الحياة: الأُولــى أن لا تحصل على ما تريد.. والثانية أن تحصل عليه.
وهو قول قد يرفع من معنوياتنا، لكونه يواسي خسارات بعضنا، بمكاسب البعض الآخر، التي ليست سوى ضرب من ضروب الخسارة، كما يبدو من إحدى الدراسات الإنسانية، التي تم إعدادها مؤخراً في إسبانيا، بعد متابعة متأنية لـ300 ثري إسباني، أثبت من خلالها الباحثون، أنّ الشباب والصحة، والوظيفة والملامح الجميلة، والسيارة الفارهة، كلّها لا تجعل الإنسان سعيداً.

وأكد الأثرياء الثلاثمئة، أنهم لا يشعرون بالسعادة والأمان، وأنّ الناس ينظرون إليهم بالإعجاب، لا لشيء إلاَّ لأنهم أغنياء فقط، مؤكدين أن السعادة لا تُشترى بالمال، وأنّ مَن يبحث عنها، لن يجدها إلاّ في العلاقات الإنسانية، والمباهج البسيطة للحياة اليومية، وهو ما يفتقدونه، بسبب الثراء الفاحش، الذي يعرّضهم لمستويات عالية من القلق، لإحساسهم بأن لا أحد يحبّهم لأنفسهم، وبأن الأقارب والأصدقاء يستغلّونهم.

اعتراف يجعلنا، لفظاعته، نصدّق قول الشاعر:
كلُّ مَن لاقيت يشكو دهره
ليت شعري هذه الدنيا لمن؟

وماذا لو كانت الدنيا مِلكاً للذي يملك الأقل؟ ففي إحصائية عالمية أُخرى، أُجريت في اثنين وعشرين بلداً، بيَّنت الدراسة أنّ عوامل السعادة، التي نالت أكثر النِّسب، انحصرت في عاملي الأُسرة والصداقة، وتساوى فيها تأثير الفقر والغنى. والمفارقة جاءت من وجود الشعب الهندي في المرتبة الثانية، بعد الشعب الأميركي، متقدماً على غيره من الشعوب الأوروبية والآسيوية. ولم أجد تفسيراً لسعادة ملايين الجياع والفقراء في الهند، إلاّ في قول جيمس بروير: السعادة إحساس تحصل عليه، عندما تكون مشغولاً، لدرجة لا تستطيع معها أن تحزن
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
درس في الحريّة.. من جلاّدك


غادرت بيروت إلى فرنسا، ذات سبت في الأول من أيار· وكان آخرُ ما شهدته مساءً، وأنا منهمكة في إعداد حقيبتي، برنامجاً تعثرت يدي بزر فضائيته، فعلقت عن فضول وذهول بين فكيه، مأخوذة بصفة ضيوفه، واختيارهم تلك القناة الحرة من دون سواها، لعرض مظالم السجناء العرب في المعتقلات العربية، والتنديد بتاريخ انتهاك حقوق الأسير في أوطان لا تعترف حتى بحقوقه الطبيعية، كما جاء على لسان ذلك الكاتب الصديق، الذي قضى في الماضي 16 سنة من عمره في أحد السجون العربية، بتهمة الشيوعية وما عاد يرى حرجاً اليوم، وقد ولَّى زمن العنفوان، أن يجلس في أناقة تليق بمنبر أميريكي، ليفتح قلبه بشكاوى، ما كان يخص بها في الماضي سوى قراء جريدة الاتحاد الاشتراكي، يشفع له وجوده بين ضيفين، يترأس أحدهما جمعية حقوق الإنسان في سجون مصر، ويمثل الثاني جمعية حقوق الإنسان لدى السجناء في لبنان·
وإذا كان أجمل حبّ هو الذي تعثر عليه أثناء بحثك عن شيء آخر، فإن أطرف برنامج تعثر عليه حتماً، أثناء بعثك عن قناة أُخرى، بعدما تكون قد تهت فضائياً، وحطت بك المصادفة عند قناة الحقيقة، وهو على ما يبدو الاسم الحركي لقناة الحرة، وقبل أن تتردد وتهاجر إلى جزيرة أُخرى، يطمئنك شعارها انتقاء ذكي إلى ذكائك، ويهنئك بحرارة ويشد على يدك، لأنك لست من الغباء لتعادي الحرية ومشتقاتها، وتنحاز كملايين المشاهدين العرب إلى قنوات معسكر الشر· وبدل أن تنضم إلى أنصار صراع الديكة ونتف الريش، في برامج الصياح الإعلامي العربي المتخلف، تجلس كأي أميركي متحضر لتتابع بهدوء ورهبة جدلاً حرّاً تقدمه إعلامية لبنانية بكل ما أوتيت من لباقة وأناقة ونوايا إنسانية حسنة·· عن الرفق بالإنسان (أي والله) وهو عنوان الحلقة المخصصة لمظالمك كإنسان عربي، وفيه إشارة واضحة تطمئنك إلى أن حقوقك لن تُهدَر بعد اليوم، لأن أميركا رفعتك أخيراً إلى مقام حيواناتها وقرّرت أن ترفق بك·
ولا تدري، أيجب أن تحزن أم تفرح، لأن ماما أميركا قد تدللك بعد الآن، كما تدلل قططها وكلابها، وتغدق عليك بقدر ما تغدق عليها· وقد تذهب حدّ إنشاء نوادٍ خاصة تهتم برشاقتك وإذابة شحومك العربية، واصطحابك إلى مطاعم لا ترتادها غير الكلاب المدللة للاحتفال بأعياد ميلادها، وستطعمك في مواسم الحرِّ آيس كريم صُنع خصيصاً لإعادة البهجة لكلاب، لفرط تخمتها ما عاد يسيل لعابها، وإن متّ لا قدَّر الله بعد عمر طويل، لن تنتهي جثتك في كيس من البلاستيك، بل سترتاح في مقبرة جميلة، تذهب إليها مكرّماً، في تابوت من الخشب الثمين المغلّف من الداخل بالساتان·
وهكذا، سافرت إلى فرنسا مطمئنة إلى مصير العراقيين الذين وجدوا أنفسهم مدعوين إلى وليمة الديمقراطية ومباهج الحرية، من دون أن يستشيرهم أحد في ذلك·
كنتَ تريد أن تعاملك أميركا كما تعامل كلابها ليس أكثر· فلماذا تحتج وأنت ترى جندية تسحب عراقياً عارياً بمقوده، كما لو كانت تجر كلباً؟
ولماذا تبكي، وتلك الرجولة العربية معروضة للفرجة، عارية إلاّ من ذعرها، مكبّلة اليدين والكبرياء، ترتعد تحت ترويع كلاب مدرّبة على كره رائحة العربيّ؟
تلك الرجولة المهانة،الذليلة، المستجدية الرحمة، وقليلاً من الكرامة الإنسانية ممن جاءوا بذريعة إحلال حقوق الإنسان، بأيِّ حق وبأيِّ شريعة، وباسم مَنْ، ولماذا، وحتى متى، سيستهان بحقها في الحياة في وطنها بكرامة، والعيش من ثروات هي ثروات أرضها؟
كانت نكتة غير موفقة في توقيتها، أن تخصص قناة الحرّة حلقة لعرض انتهاكات حقوق الإنسان في السجون العربية قبل يومين من انفجار فضيحة تكنولوجيا التعذيب النفسي والجسدي، الذي يقوم به جيش بوش لاختبار تقنياته تباعاً علينا، كي يجعل منا تلاميذ نجباء في مدرسة العالم الحرّ·
عندما تكون الديمقراطية هبة الاحتلال·· كيف لك أن تتعلم الحرية من جلاّدك؟
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
مسافر زاده الشبهات


يقــول غوتــه: "إنَّ أفضل ثقافة، هي تلك التي يكتسبها الإنسان من الرحلات", وربمـا كان هذا الكلام صحيحاً على أيامه، حتى إنَّ أجمل الأعمال الإبداعية، سواءٌ أكانت أدباً أم أعمالاً تشكيلية، وُلدت على سفر، لحظة الانبهار الأول، الذي يضعك أحياناً أمام ضدّك، فتكتشف نفسك أثناء اعتقادك أنك تكتشف الآخر.

غير أنَّ الوكالات السياحية، لم تترك اليوم من هامش للتيه السياحي، الذي غذّى سابقاً "أدب الرحلات"، وتكفّل التلفزيون مشكوراً، بأن يوفّر علينا مشقة السفر ومفاجآته السيئة أحياناً إذ أصبحنا نعرف كل شيء عن بلدان لم نزرها، وأحياناً نعرف عنها ما يكفي، كي نعدل عن زيارتها.

شخصياً، كنت في صباي منبهرة بصورة أميركا، كما كانت تبدو لي في أفلام مارلين مونرو، وفريد استير، عندما كان يرقص تحت المطر، وكنت أُصدّق فرانك سيناترا، المغترب الإيطالي، "المافيوزي"،الذي أصبح في ما بعد الابن الشرعي لأميركا وصوت أحلامها، يوم كان يغني أغنيته الشهيرة "New York.. New york"، التي يقول مطلعها، ببهجة المغترب المسافر نحو أرض أحلامه "اشيعوا الخبر.. إني مغادر إلى نيويورك".

غير أني عندما تجاوزت سن تصديق الأغاني، جعلتني أفلام العنف الأميركي اليومي، أزهد في زيارة أميركا، وأخاف على أولادي من الإقامة فيها وعندما زرت واشنطن منذ سنتين، بدعوة من جامعة "ميري لاند"، لم أُغادر المدينة الجامعية إلاّ قليلاً، خوفاً آنذاك على نفسي ولو عدت اليوم لكنت مَن يخافه الأميركيون ويشكُّون فيه، بعد أن أصبح الإنسان العربي مشبوهاً ومنبوذاً بمقاييس الكراهية المشروعة.

صديقتي رنـــا إدريس قالت وقتها، إنه كان عليَّ أن أزور نيويورك لأكتشف أميركا ولأنني لا أُصرُّ على مشاركة كريستوف كولومبوس، سبْقَه التاريخي، فلقد تركت له شرف اكتشافها، خاصة أن ذلك حدث عام 1492، أي في السنة نفسها، التي سقطت فيها غرناطــة.
ورنـــا ابنة "منهـــل" دار الآداب، ربما لم تسمع بمقولة صمويل جونسون، الذي وضع أهمَّ قاموس في الإنجليزية، وكان يشهر كراهيته لنيويورك والأميركيين، قائلاً: "عندما طرد القديس باتريك الأفاعي من آيسلندا (وهي خُرافة أساسها أنّ الجزيرة الباردة تخلو من الأفاعي)، سبحت كلُّها إلى نيويورك، وانضمت إلى الشرطة فيها", وهو أمر لم يكن ليُطمئن امرأة جبانة مثلي!
وكان كولومبوس قد أبحر في سفينته الشهيرة "سانتا ماريا"، بعد أن تكفّل ملكا إسبانيا، إيزابيلا وفرديناد، بتمويل رحلته، احتفاءً بانتصارهما على العرب، بعد أن ساعد زواجهما على توحيد الممالك الإسبانية، وإسقاط غرناطة، التي صمدت في وجه القوّات الإسبانية أكثر من غيرها من الإمارات.
ولأن كولومبوس كان يؤمن بكرويّة الأرض، فقد ذهب بسفينته في الاتجاه الخاطئ على أيامه، واكتشف أميركا، وهو يعتقد أنه اكتشف الهند طبعاً، ما كان المسكين يدري إلى أيّ حدّ سيُغيّر اكتشافه العالم، بعد قرون من ذلك التاريخ فقد كانت أميركا يومها قارة ضائعة في المحيط، تحكمها رماح الهنود الحمر، وتصول وتجول فيها خيولهم، وتغطِّي صحراءها نباتات عملاقة من شجر الصبَّار وما كان ثمَّة ما يشي بأن تنبت فيها يوماً ناطحات سحاب تتحدّى السماء، أو أن تظهر حضارة تكنولوجية خارقة تغزو العالم وتحكمه وهو ما جعل جورج كليمنصو، وزير دفاع فرنسا، أثناء الحرب العالمية الأُولى، يقول: "أميركا هي البلد الوحيد في العالم، الذي انتقل بمعجزة من مرحلة الهمجية، إلى مرحلة الانحلال، من دون أن يمر بمرحلة الحضارة الوسيطة".
ولست هنا لأُناقش الرجل رأيه، بل لأقول فقط، إنّ زمن السياحة البريئة قد انتهى، بالنسبة إلى المواطن العربي، الذي نزلت أسهمه في بورصة السفريات العالمية، ولم تبقَ له من ثقافة الرحلات إلى الغرب، إلاّ ذكرى الخوف الحدودي، ومن "أدب الرحلات" إلاّ قلّة أدب الآلات الكاشفة لأمتعته، وغُرف التفتيش التي يدخلها حافياً من حذائه، والنظرات الخارقة لنواياه، والإهانات المهذّبة، التي يتلقّاها في شكل أسئلة.
وعلى العربي الذي يسافر إلى الغرب أن يكون جاهزاً، ليجيب عن شبهة بقائه على قيد العروبة، ولماذا هو لم يشهر حتى الآن ردّته!
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
أحلام مستغانمي - أميركا.. كما أراها


زرت أميركا مرَّة واحدة، منذ خمس سنوات.كان ذلك بدعوة من جامعة "ميريلاند" بمناسبة المؤتمر العالمي الأوّل حول جبران خليل جبران. كان جبران ذريعة جميلة لاكتشاف كوكب يدور في فلك آخر غير مجرَّتي.. يُدعى أميركا. حتى ذلك الحين، كنت أعتقد أنّ قوّة أميركا تكمُن في هيمنة التكنولوجيا الأكثر تطوراً، والأسلحة الأكثر فتكاً، والبضائع الأكثر انتشاراً. لكنني اكتشفت أنّ كل هذه القوّة تستند بدءاً على البحث العلميّ وتقديس المؤسسات الأكاديمية، واحترام الْمُبدعين والباحثين والأساتذة الجامعيين. فاحترام الْمُبدع والْمُفكِّر والعالِــم هنا لا يُعادله إلاّ احترام الضابط والعسكري لدينا. وربما لاعتقاد أميركا أنّ الأُمم لا تقوم إلاّ على أكتاف علمائها وباحثيها، كان ثـمَّـة خطة لإفراغ العراق من قُدراته العلمية. وليس هنا مجال ذكر الإحصاءات الْمُرعبــة لقدر علماء العراق، الذين كان لابدّ من أجل الحصول على جثمان العراق وضمان موته السريري، تصفية خيرة علمائه، بين الاغتيالات والسجن وفتح باب الهجرة لأكثر من ألف عالِم من عقوله الْمُفكِّرة، حتى لا يبقى من تلك الأُمّة، التي كانت منذ الأزل، مهـــد الحضارات، إلاّ عشائر وقبائل وقطَّاع طُرق يتقاسمون تجارة الرؤوس المقطوعة. لكن أميركا تفاجئك، لا لأنها تفعل كلَّ هذا بذريعة تحريرك، بل لأنها تعطيك درساً في الحريّة يربكك. خبرت هذا وأنا أطلب تأشيرة لزيارة أميركا، لتلبية دعوتكم هذه، ودعوة من جامعتي "ميتشيغن" و(MIT). فعلى الرغم من مُعاداتي السياسة الأميركية في العالَم العربي، لاعتقادي أنّ العدل أقلّ تكلفة من الحرب، و محاربة الفقر أجدى من محاربة الإرهاب، وأنّ إهانة الإنسان العربيّ وإذلاله بذريعة تحريره، هو إعلان احتقار وكراهية له، وفي تفقيره بحجّة تطويره نهب، لا غيرة على مصيره، وأنّ الانتصار المبنيّ على فضيحة أخلاقيّة، هو هزيمة، حتى إنْ كان المنتصر أعظم قوّة في العالم، وعلى الرغم من إشهاري هذه الأفكار في أكثر من منبر، مازالت كُتبي تُعتَمد للتدريس في جامعات أميركا. وكان يكفي أن أُقدِّم دعوات هذه الجامعات، لأحصل خلال ساعتين على تأشيرة لدخول أميركا مدَّة خمس سنوات. وهنا يكمن الفرق بين أميركا والعالَم العربيّ، الذي أنا قادمة منه، حيث الكتابة والثقافة في حدّ ذاتها شبهة، وحيث، حتى اليوم، يعيش الْمُبدعون العرب، ويموتون ويُدفَنون بالعشرات في غير بلدهم الأصلي. لقد اختصر الشاعر محمد الماغوط، نيابة عن كلِّ الْمُبدعين العرب، سيرته الحياتية والإبداعية في جملة واحدة "وُلِـدْتُ مذعــــوراً وسأموت مذعـــوراً". فالْمُبدع العربي لايزال لا يشعر بالأمان في بلد عربي. وإذا كان بعض الأنظمة يتردَّد اليوم قبل أن يسجن كاتباً أو يغتاله، فليس هذا كرماً أو نُبلاً منه، إنما لأن العالم قد تغيَّر، وأصبحت الجرائم في حق الصحافيين والْمُبدعين لا تُسمَّى بسرّية، وقد تُحاسبــه عليها أميركا كلّما جاءها، مُقدِّماً قرابين الولاء، مُطالِباً بالانتساب إلى معسكر الخير. ولذا اختار بعض الأنظمة العربية الدور الأكثر براءة، وتَمَادَى في تكريم وتدليل الْمُبدعين، شراءً للذِّمم، وتكفيراً عن جرائم في حق مثقفين آخرين. الحقيقة غير هذه، ويمكن أن تختبرها في المطارات العربية، وعند طلب تأشيرة "أخويّـــة"، وفي مكان العمل، حيث يُعامل الْمُبدع والْمُفكِّر والجامعي بما يليق بالإرهابيّ من تجسّس وحَذَر، وأحياناً بما يفوقه قَصَاصَاً وسجناً وتنكيلاً، بينما يجد في الغرب، وفي أميركا التي يختلف عنها في اللغة وفي الدين وفي المشاعر القوميّة، مَــــلاذاً يحضن حرّيته، ومؤسسات تدعم عبقريته وموهبته. وما معجزة أميركا إلاّ في ذكاء استقطاب العقول والعبقريات المهدورة، وإعادة تصديرها إلى العالَم من خلال اختراعات وإنجازات علميّة خارقة. ما الاُسد في النهاية سوى خرفان مهضومة.

* من الْمُحاضَرة التي ألقتها الكاتبة في جامعة (Yale) في الولايات المتحدة الأميركية
 
أعلى