رؤوس احلام ... تحية لأحلام مستغانمي

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
رسالة إلى فلورانس

رسالة إلى فلورانس: الرهينة لدى بلد رهين

أحلام مستغانمي

يحدثُ أن أذكركِ، على الرغم من أني هنا لا أرى صورتكِ تلك يومياً على شاشة تلفازِ أو صحيفة. ولا أُتابع عدَّادَ غيابكِ.
أُقيم في بيــــروت، وأنــتِ في بغـــداد، مُدناً نسكنها وأُخرى تسكننا، نحنُ القادِمَتَان، إحدانا من الجزائر وأُخرى من باريس، بيننا مُدن الباء، بكلّ ما كان لها من بهاء، بكلّ ما غدا فيها من بـــلاء.
بيننا تواطؤ الأبجدية الفرنسية، جسور تاريخية، وهموم صغيرة نسائية، كان يمكن أن نتقاسم بَوْحها لو أننا التقينا كامرأتين خارج زمن الموت العَبَثيّ، والأقدار الْمُفجعَة.
فلورانس.. إنّــه الصيــف.
تشتاقُـكِ الثياب الخفيفةُ الصيفيّة، أحذيتُكِ المفتوحة الفارغة من خطاكِ.. تشتاقك الأرصفةُ والْمَقَاهي الباريسية، وزحمة الميترو.. وتلك المحال التي أظنّك كنتِ ترتادينها كما كنتُ أرتادُها لسنوات في مواسم التنزيلات.
هل تغيَّـرَ مَقَاسُـكِ.. مُــذ أصبحتِ تقيسين وزنكِ بحميّة الوحشة.. وعدَّاد الغياب؟ وهل أنقذتِ ابتسامتكِ تلك من عدوى الكراهية، ومازلتِ ترتدينها ثوبــاً يليق بكلِّ المناسبات؟ أيتُّها الغريبة التي رفعها الخاطفون إلى مرتبة صديقة، كبُر نادي الأصدقاء. لنا صديقةٌ جديدة لم تسمعي من قبلُ بها: كليمنتينا كانتوني. اسم كأُغنيّة إيطالية تُشَمُّ منه رائحةُ زهر البرتقال. كليمنتينا رهينة في أفغانستان. تصوّري، ثمّة مَن يُلقي القبض على شجرة برتقال بتهمة العطاء، ومَن يُهدِّد بإعدام معزوفة لـفيفالدي، إنْ هم لم يمنعوا بث برنامج موسيقي يُعرَضُ أُسبوعياً في التلفزيون الأفغاني.
النساءُ الأفغانيات اللائي كانت كليمنتينا تساعدهنّ ضمن منظمة إنسانية للإغاثة، مُعتصمات في انتظار إطلاق سراح ابتسامتها. ففي ديننا، الابتسامة أيضاً صَدَقَة يُجازي اللَّه خيراً صاحبها.. ديننا الذي لا يَدين به رجال الكهوف وقطّاع طُرق الأديان.
اعذُريني فلورانس إنْ نسيتكِ أحياناً. أُشاهد فضائيات عربيّة، لا وقت لها حتى لتعداد موتانا. لماذا جئتنا في زمن التصفيات والتنزيلات البشرية والموت على قارعة الديمقراطية؟ نحــنُ نُعاني فائض الموت العربيّ. لا رقم لموتانا، ولا نملكُ تقويماً زمنياً لا ينتظرنا في أجندة مولانا كاوبوي العالم.
نكاد نحسدكِ على دقّة مفكّرة مُحبِّيكِ في عدِّ أيام اختطافك. نحسدكِ على صورتكِ التي تغطِّي المباني والساحات والجرائد والشاشات، مُطالِبة بإطلاق سراحكِ. الذي يختطف شخصاً يُسمَّى إرهابياً، والذي يختطف شعباً يُسمَّى قائداً أو مُصلحاً كونياً. نحنُ شعوب بأكملها مخطوفة لتاريخ غير مُسمَّى. بـــاع الطُّغـاة أقدارنَا للغزاة، فلماذا أيتها المرأة التي نصف اسمها وردة.. ونصفه الآخر فرنسا، جئت تتفتّحين هنا كـوردة مائية في بركة دمنا؟
يا امرأة الغياب.. انقضى زمن ألف ليلة وليلة، ما عادت بغداد توافق وهَمَكِ بها. ماذا في إمكان شهرزاد أن تقول لإنقاذ شرف الحقيقة الْمَهدُور حبرها في سرير القَتَلَة؟
أضمّك.. سامحينا فلورانس * أُذيعت هذه الرسالة الصوتية في إذاعة مونتي كارلو التي دَرَجَت يومياً قبل نشرات الأخبار، على بَــث رسالة من أحد المثقفين، تضامناً مع الصحافية الفرنسية فلورانس أوبينا، المخطوفة سابقاً في بغداد.
وَصَــادَفَ أنْ كانت هذه آخر رسالة موجّهة إلى فلورانس في اليوم المئة والسابع والخمسين من احتجازها، قبل إطلاق سراحها بيوم، ويوم إطلاق سراح الرهينة الإيطالية كليمنتينا كانتوني.
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
لمزيد من الكذب.. أكتب
أحلام مستغانمي في إجازة، وهذا بعض قديمها الْمُتجدِّد..


أنا بنت نيسان شهر الكذب، وليس من عادة الأسماك أن تُصدِّق. غير أنّ لي نُبل الاعتراف بذلك، حتى إنني سمَّيت إحدى مجموعاتي "أكاذيب سمكة"، ولم أتردَّد في تنبيه القارئ بين جملتين، إلى احتمال أن يكون ما يقرأه في رواياتي، منسوجاً من "دانتيل الأكاذيب".
على الرغم من ذلك، كثيراً ما يرفض القارئ إمكانية أن يكون أمام نصّ مُخادع. وينوب عن زوجي في محاسبتي، كما نــاب الشعب الأميركي عن هيلاري في محاسبة بيل كلينتون.
أكبر حماقة تقترفها كاتبة، هي التبرؤ ممّا يُحيط كتاباتها من شُبهات، فليس واجباً أن تُدافع عن عِفَّــة الكتابة وبراءتها، ولا أن تُبرِّر مَزالِــق أبطالها ونزواتهم. فلا أحد سواها يدري أنّ الرواية هي، أيضاً، فــنّ إسناد أقوالك وأفعالك إلى الآخرين.
الكتابــة فعل إرباك واستدراج القارئ إلى كمين لغة ملغومة بالاحتمالات، وبذلك البوح الْمُشفّـر الذي تختفي خلفه المرأة الكاتبة.
شخصياً لا أثق ببراءة القارئ. لـــذا لا أقوم بجهد البحث له عن لغة معصومة تُشبهه، وأُشارك "بودلير" قوله: "أيها القارئ الْمُخادِع، أخــي.. يا شبيهي".
لماذا نحب كاتباً بالذات؟
لا لأنّه يُبهرنا بتفوقه علينا، بل لأنّه يُدهشنا بتشابهه معنا. لأنه يبوح لنا بخطاياه ومخاوفه وأسراره، التي ليست سوى أسرارنا. والتي لانملك شجاعة الاعتراف بها، حتى لهذا الكاتب نفسه. حدث مرّة أن جاءتني قارئــة، وفي حوزتها "فوضى الحَـوَاس"، وقد ملأت الكتاب تسطيراً وإشارات وهوامش، حتى بَـدَا مُنهَكَاً طاعناً في العمر. وعَبَثَاً حاولت أن أستعيره منها، لأعرف ماذا أحبَّت هذه القارئة في تلك الرواية بالتحديد، لكنها رفضت، واعترفت لي بأنّها تخاف إنْ تصفَّحته أن يَشي لي الكثير عنها. لم يُجدِ إقناعي لها بأنها تعرف عني ما يكفي ليكون لي أنا أيضاً حقّ التجسس عليها، ضحكت وأخفَت الكتاب.
وقد سَبَق أن طلبتُ من نزار قبّاني يوماً، أن يبعث لي بنسخة "ذاكرة الجسد" التي في حوزته، لأطّلع عليها. بعدما قال لي ذات مرَّة إنّه وضع كثيراً من السطور تحت الجُمَل التي "كتبتها فيها"، ما جعل أصدقاءه الذين أطلعهم على الرواية، ليُحثّهم على قراءتها، يَعجبُون من أمره.
ولكن نـــزار، رحمه اللّه، ضحك ولم يستجب لطلبي، ومازلت حتى اليوم. أنتظر فرصة لزيارة لندن، كي أطلب من ابنته هدبــــاء، إهدائي تلك النسخة، أو السماح لي بتصويرها، عساني أعرف بعض ما أخفاه عني نزار قارئاً. هذه الحادثة جعلتني أعتقد أنّ الكاتب نفسه، عندما يتحوّل إلى قارئ تنتابه أعراض الحياء إيّاها. ففي القراءة حميميَّة، لا تُعادلها إلاّ حميميَّة الكتابــة. لــــذا مثلاً، يُزعجنا ونحنُ نُطالِع كتاباً أو مجلّة، أن يقف أحد خلفنا ويبدأ في مُشاركتنا القراءة، لأنّه لحظتها يكون مُنهمِكاً في مُطالعتنا.
ولأننا اعتدنا ألاَّ نسأل الذين يقرأون لماذا يفعلون ذلك، يُقدِّر سُؤالنا الكتّاب، لماذا هم يكتبون، ففي إمكاني أن أُجيب مُستندة إلى قول "رولان بارت": "الكتابة هي فــن مَــزج الشهوات"، إنني أكتب لمتعة الإقامة في مَخدَع الكلمات. وأظنّ أنّ كثيراً من القارئات يُشبهنني، ويقرأنني لأنهنّ يُشاطرنني قدراً نسائياً لا يخلو من الْمُراوغَة الضرورية، ومن النِّفاق الْمُتوارث، الذي يبدأ من التفاصيل الْمُخادعة للحياة اليومية، وينتهي في مخدع "الشرعيّة". وفي كل مخدع، نحنُ نحتاج إلى مَكر الحَوَاس، ومَكيدة اللغة، لننجو من ورطــة الواقع. فهكذا أنقذت جدّتنا "شهرزاد" رأسها من الموت، عندما راحت في مَخدَع الكلمات، تكيد لـ"شهريار" باللغة ليلة بعد أُخرى. منذ ذلك الحين، أصبح للذاكرة النسائية حِيَــل إحداها الكتابة. وللرواية ذرائع إحداها "تبييض الأكاذيب"، كما يُبيِّض البعض الأموال غير المشروعة.
ومن هنا جــاء قول كاتبة فرنسية: "الروائي كذّاب يقول أشياء حقيقية"، وجاء قول غـــادة السمّان: "العمل الإبداعي كذب مُركَّب". لــــذا، لمزيد من الكذب، سأُواصل كتابة نصوص مُخادِعــة، قصد تبييض أحلام أشترك مع كثير من النساء في نهبها ســرّاً.. مــن الحيــــاة.
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
أنا في المطبخ.. هل من مُنازل؟

مــذ التحقت بوظيفتي كـ"ست بيت" وأنا أُحاول أن أجد في قصاص الأشغال المنزلية متعة ما، تخفّف من عصبيتي الجزائرية في التعامل مع الأشياء. قبل أن أعثر على طريقة ذكيّة لخوض المعارك القوميّة والأدبيّة أثناء قيامي بمهامي اليوميّة.
وهكـــذا، كنت أتحارب مع الإسرائيليين أثناء نفض السجّاد وضربه، وأرشّ الإرهابيين بالمبيدات أثناء رشِّي زجاج النوافذ بسائل التنظيف، و"أمسح الأرض" بناقد أو صحافي أثناء مسحي البلاط وتنظيفه، وأتشاجر مع قراصنة كتبي ومع المحامين والناشرين أثناء غسل الطناجر وحكّها بالليفة الحديديّة، وأكوي "عذّالي" وأكيد لهم أثناء كيّ قمصان زوجي، وأرفع الكراسي وأرمي بها مقلوبة على الطاولات كما لو كنتُ أرفع بائعاً غشّني من عنقه.
أمّا أبطال رواياتي، فيحدث أن أُفكِّر في مصيرهم وأدير شؤونهم أثناء قيامي بتلك الأعمال اليدوية البسيطة التي تسرق وقتي، من دون أن تستدعي جهدي، وفي إمكاني أن أحل كلّ المعضلات الفلسفية وأنا أقوم بها، من نوع تنظيف اللوبياء، وحفر الكوسة، وتنقية العدس من الحصى، أو غسل الملوخيّة وتجفيفها. حتى إنني، بعد عشرين سنة من الكتابة المسروقة من شؤون البيت، أصبحت لديّ قناعة بأنه لا يمكن لامرأة عربيّة أن تزعم أنها كاتبة ما لم تكن قد أهدرت نصف عمرها في الأشغال المنزلية وتربية الأولاد، ولا أن تدّعي أنها مناضلة، إن لم تكن حاربت أعداء الأُمّة العربية بكلّ ما وقعت عليه يدها من لوازم المطبخ، كما في نداء كليمنصو، وزير دفاع فرنسا أثناء الحرب العالمية الأُولى، عندما صاح: "سنُدافع عن فرنسا، ونُدافع عن شرفها، بأدوات المطبخ والسكاكين.. بالشوك بالطناجر، إذا لزم الأمر"!
كليمنصو، هو الرجل الوحيد في العالم الذي دُفن واقفاً حسب وصيّته، ولا أدري إذا كان يجب أن أجاريه في هذه الوصيّة لأُثبت أنني عشت ومتّ واقفة في ساحة الوغى المنزلية، خلف الْمَجلَى وخلف الفرن، بسبب "الزائدة القوميّة" التي لم أستطع استئصالها يوماً، ولا زائدة الأُمومة التي عانيتها.
يشهد اللّه أنني دافعت عن هذه الأُمة بكلّ طنجرة ضغط، وكلّ مقلاة، وكلّ مشواة، وكلّ تشكيلة سكاكين اشتريتها في حياتي، من دون أن يُقدِّم ذلك شيئاً في قضيّة الشرق الأوسط.
وكنت قبل اليوم أستحي أن أعترف لسيدات المجتمع، اللائي يستقبلنني في كلّ أناقتهن ووجاهتهنّ، بأنني أعمل بين كتابين شغالة وخادمة، كي أستعيد الشعور بالعبوديّة الذي عرفته في فرنسا أيام "التعتير"، الذي بسببه كنت أنفجر إبداعاً على الورق، حتى قرأت أنّ سفير تشيكيا في بريطانيا، وهو محاضر جامعي سابق، قدَّم طلباً لعمل إضافيّ، هو تنظيف النوافذ الخارجيّة في برج "كاناري وورف" المشهور شرق لندن، لا كسباً للنقود، وإنّما لأنه عمل في هذه المهنة في الستينات، ويُريد أن يستعيد "الشعور بالحريّة"، الذي كان يحسّ به وهو مُتدلٍّ خارج النوافذ، مُعلَّقاً في الهواء، يحمل دلواً وإسفنجة.
غير أنّ خبراً قرأته في مجلة سويسرية أفسد عليّ فرحتي بتلك المعارك المنزلية، التي كنت أستمدّ منها زهوي. فقد نجحت سيدة سويسرية في تحويل المكنسة ودلو التنظيف إلى أدوات فرح، بعد أن تحوّلت هي نفسها من مُنظِّفة بيوت إلى سيدة أعمال، تعطي دروساً في سويسرا والنمسا وألمانيا حول أساليب التمتُّع بعذاب الأشغال المنزلية، بالاستعانة بالموسيقى والغناء ودروس الرقص الشرقي وتنظيم التنفُّس.
أمّـا وقد أصبح الجلي والتكنيس والتشطيف يُعلَّم في دروس خصوصية في جنيف وفيينا على وقع موسيقى الرقص الشرقي، فحتماً ستجرّدني بعض النساء من زهوي باحتراف هذه المهنة. بل أتوقّع أن يحضرن بعد الآن إلى الصبحيات وهنّ بالمريول ("السينييه" طبعاً) خاصة أنّ هيفاء وهبي وهي تتنقّل بمريولها الْمُثير في ذلك "الكليب" بين الطناجر والخضار، نبّهت النساء إلى أنّ المعارك الأشهى والحاسمة تُدار في المطابخ!
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
كلّ العرائس.. عَوَانس

الزواج قسمة ونصيب. وإلاّ، كيف تحتفل قرية هنديّة بزواج ضفدعين عملاقين، وتزفّ الضفدعة المحظوظة إلى عريسها الضفدع الفحل في زيّ أحمر بـرّاق، بمباركة القساوسة الهندوسيين، وسط حفل موسيقي حضره مئات الأشخاص.. انطلق موكبه البهيج من بركة ماء، بينما تَقبَع فتياتنا بالملايين في بيوت أهلهنّ في انتظار عريس لا يأتي. أو ضفدع يتحوّل، حسب تلك الأُسطورة، بفعل قُبلَة مسحورة إلى فارس أميــر؟ 4 ملايين فتاة مصرية، هــنَّ في طريقهنّ إلى العنوسة، وثُلث فتيات السعودية والجزائر وتونس، يُعانين المشكلة إيّاها، وأظنّ أنّ هذه النسبة تُوجَد في معظم الدول العربيّة، التي لم تعد تدري فيها العائلات ماذا تفعل ببناتها اللائي، على ثقافتهنّ، وأحياناً على جَمَالهنّ وثرائهنّ، لا يجدن عريساً مناسباً. وقد لا يبقى أمام أهلهنّ إلاّ اتِّباع تقاليد بعض الولايات الهنديّــة، حيث عندما يبدأ موسم الزواج في يوليو (تموز)، تستأجر العائلات عصابات إجرامية لاختطاف العريس المناسب، والمجيء به تحت التهديد، لتزويجه بابنتها، بمباركة كاهن يجعل من هذا الزواج عقداً غير قابل للإلغاء. الأهل لجأوا إلى هذا الحل بسبب ارتفاع قيمة مهور الرجال، وليس الفتيات، حسب تقاليد الهندوس. ذلك أنّ الرجال في كلّ أنحاء العالم غَـــلا سعرهم، وزاد دلالهم، وتضاعفت شروطهم، بحُكم ما فَاضَت به السوق من إناث. وإذا كانت اثنتان من كلّ خمس نساء في فرنسا يعشن وينمن بمفردهنّ، وهو أمرٌ، حسب الصديق "زوربـــــا"، فيه إهانة لكلّ رجال الأرض وعـــار عليهم، فإنّ مسؤولية الرجال في أوروبا ستزداد في السنوات المقبلة، وكذلك عار لا مبالاتهم تجاه 38 في المئة من نساء تجاوزن سنّ الثلاثين، ولا رجل في حياتهن. وتؤكد الإحصاءات ارتفاع هذه النسبة ارتفاعاً مخيفاً بحلول القرن المقبل، إذ تُبشّرنا التنبؤات بأن أكثر من نصف النساء الأوروبيات سيكنّ عَوَانس. ولكي أرفع معنويات هذا الكمّ الهائل من الإنــاث الوحيدات، وأُخفّف من حسدهنّ لنا، نحنُ "المتزوّجات"، أُطمئنهنّ أنّ نصفنا يعشن مع رجال متزوّجين في النهار من وظائفهم ومشاغلهم، وفي المساء من أصدقائهم.. أو من التلفزيون. أمّا الأوفيــاء فيكتفون بإقامة علاقة مشبوهة مع "الإنترنت"، أي أنّ بين المتزوّجات أيضاً نساء يُعانين الطّلاق العاطفيّ، أو الطَّلاق السَّـريـريّ، أو الطَّلاق اللّغويّ. حتى إننا قرأنا مؤخَّــراً، خبراً عجيباً، عن زوج برازيلي أقسم على عدم مخاطبة زوجته إلى الأبد، بعدما شكّ في أُبوته لمولودهما.. السابع. العجيب أنّ هذا القَسَم يعود إلى خمسة وثلاثين عاماً بالضبط، والزوجة البالغة 65 عاماً، وفّــت بقَسَم زوجها، ولم تتبادل معه كلمة واحدة طوال هذه الأعوام، تاركة لأطفالها وأحفادها مهمة التحدُّث إليه نيابة عنها. الزوجة التي كانت بدءاً عصبيّة المزاج، ودائمة الصُّـراخ، تأقلمت تدريجياً مع وضعها الجديد، ودخلت في طور "الصّمت الزوجيّ". أمّا بعلُها، فصرّح بكثير من الجدّية، بأنه على الرغم من طول فترة الصَّمت بينهما، فقد استطاع أن ينجب منها خمسة أطفال. وهكـــذا، بفضل المؤسسة الزوجية، أصبح في إمكان الإنسان أن يُفاخر بأنه يتميّز عن الحيوان بكونه الكائن الوحيد الذي في مقدوره التناسل، من دون أن يتبادل كلمة واحدة مع شريكه أو يقوم بجهد الْمُلاطّفة والْمُغازلَة التي تأخذ طقوسها عند بعض الحيوانات، ساعات بأكملها. وقد أُضيف إلى الصّمت التقليدي للأزواج، إنهماكهم الجديد في متابعة الفضائيات، حتى إنّ زوجة مصرية طلبت من المحكمة الطّلاق، لأنّ زوجها لا يُعاشر إلاّ التلفزيون. أمّا المتزوجات من مرضى "الإنترنت"، فحتى خبر طلاقهنّ يقرأنه في بريد إلكتروني عاجل.. أرسل به زوج "مش فاضي للكلام مع حرمة" فليطمئنَنَّ مَن لم يتزوّجن بعد لبؤسنا. فمعظم المتزوّجات هــنّ في الواقع.. عَوَانس أنجبن أولاداً.
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
كن فصيحاً.. كحذاء

كن فصيحاً.. كحذاء

عـــاد الصيف، ومعه ذلك الهوس النسائي بالأحذية الأنيقة العارية، والأقدام الجميلة التي تمشي على الصفيح الساخن للرغبات الصيفية. مجلة نسائية فرنسية خَصّصت ملفاً لولع بعض النساء بالأحذية، مُستنجدة بمحلل نفسي، وجد على طريقة "فرويــد" أنّ الأمر يعود، حتماً، لشهوات نسائية مكبوتة، مستنداً إلى الشكل المستطيل للحذاء(!). وبرغم اعتقادي أنّ هذه التحليلات تشي بالتشوّهات النفسية للأطباء، أكثر مما تشي بعُقد مرضاهم، فقد ذكّرني الربط بين الحذاء والذكورة بطرافة ما قرأته ذات مرّة عن أنّ النقص في ذكور الضفادع دفع إناثها في منطقة من إنجلترا إلى "التزاوج" يأساً مع الأحذية المصنوعة من المطّاط الأخضر التي ينتعلها العاملون في الْبِرَك، حتى إنّ رجلاً اتصل بالمحميّة شاكياً الضفادع التي هاجمته مُتحرِّشة بحذائه المطّاطي الأخضر. تصوّروا هذه الآخرة. "أنا رضيت بالهمّ والهمّ ما رضاش بيَّ!". إناث الضفادع تقبل بالحذاء المطاطي الأخضر زوجاً.. لكن الحذاء لا يقبل بها ويشكوها للبوليس، كما في تلك الأغنية الجزائرية التي اشتهرت منذ سنوات وكان مطلعها: "إدِيوَهْ عليَّ للبوليسيّة!"، وهي أغنية عاطفيّة يستنجد فيها العاشق بالبوليس ليسوق حبيبته إلى المخفر، ويخلصه من حبّها، وكان أجدى به أن يستنجد بأبي مصعب الزرقاوي.. أو ابن عمه أبي مصعب السوري.. فلا أنفع منهما ولا أسرع في مهمّات كهذه. ولا لوم على الضفادع المسكينة، فالحيلة بنت الحاجة. وعلى المرء أن "يدبّر راسو"، ويتدبَّر أمره في انتظار الفرج. وانطلاقاً من هذا المنطق لا نعجب لأمر الكاتب الراحل محمد شكري، الذي في كتابه "الخبز الحافي"، وربما لأنّه كان حافياً وليس في متناوله أي حذاء مطاطي، أجاز للراوي التزاوج مع الحيوان، تماماً كما يتزاوج الحيوان عند الحاجة القصوى مع حذاء. وقبل أن يتطوّع لمهاجمتي المدافعون عن حقّ الكاتب في قول ما يشاء، ويُحاكمني أتباع بريجيت باردو، ومُناصرو حرية الحيوان في مُعاشرة "من".. و"ما" يشاء، أُوضّح لهؤلاء وأُولئك، أنني على علاقة طيبة مع الضفادع، حتى إنني لم أقبل يوماً التهام أفخاذها كلما عُرضت عليَّ في مطعم فاخر، مُجازفة بأن أبدو مُتخلّفة وبلا ذوق راقٍ. أمّا الكُتّاب، فلن أزيد على عداوات الأحياء منهم عداوات الأموات، ما يعنيني هنا هو الحذاء. ذلك أنني لم أكن أعرف له "رمزاً" كهذا، قبل أن يفتي في أمره فقهاء علم النفس، ولا عرفت له "وظيفة" كهذه مثل هذا الخبر. فما ظننت اللون الأخضر فاتحاً للشهيّة الجنسية للضفادع، وهو اللون "الفاتح" في كلّ الثورات، حتى إنه عُرف عن والدة فيكتور هيغو انتعالها أحذية خضراء كي تدوس الأرض بلون الإمبراطورية. وأتمنى ألاّ يقرأ هذا المقال مَن بقي حيّاً من مُشرّدي المعارضة العربية، فيقتدون بوالدة فيكتور هيغو، وينتعل كل منهم حذاءً في لون رفضه، فأكون سبباً في اغتيالهم واصطيادهم بعدما يستدل عليهم المخبرون من أحذيتهم. وبرغم شعار "قُلها بالورود" الذي ربما كان باعة الورود هم مَن أطلقوه لإقناعنا أن في إمكان الورود أن تنوب عنا في التعبير عن كل أحاسيسنا، أعتقد أنه في إمكاننا توفير ثمن الزهور، والاستعاضة عنها في معظم الحالات بالحذاء، الذي يبدو لي في زمن كاتم الصوت السياسي والجنسي، أكثر فصاحة وصراحة، وأحياناً وقاحة.. من مُنتعله. تريد أن تقول لامرأة إنك تحبّها، أو إنك تريدها زوجة، لا تشتري ورداً ولا خاتماً، اهدها قبقاباً صغيراً من الفضّة، كذلك الذي يُباع في أسواق تونس. ستفهم أنها ضرورية لحياتك، وأنكما كفردتي حذاء، لا يمكن لأحدكما الانفصال عن الآخر. تريد أن تختصر كلّ غضبك في كلمة.. تريد أن تُذكِّر العالم بأنّك أكبر من ألاّ يُسمع صوتك، وأنّ عليه أن يُنصت لك ويَحْذَرُكَ حتى في صمتك.. لا تلقِ خطاباً، لا تشكُ ولا تُهدِّد أو تُندِّد. لقد ابتدع "خروتشوف" في الستينات طريقة جديدة للتحاور، عندما خلع حذاءه وهو على منصّة مجلس الأُمم، وضرب به على الطاولة". أحيانـــاً، لا أكثر فصاحة من حذاء.. شرط ألاّ يكون صاحبه حافي الصوت!
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
حقُّهم القوّة.. قوّتنا الحق

إذن.. المجرمون الذين فجّروا أنفاق لندن، كانوا قَتَلَة بسمعة حسنة، أنجبتهم عائلات إسلامية "هادئـــة"، "كانوا حسب أحد الصحافيين البريطانيين، بريطانيين، مثل وجبة السمك والبطاطا. وُلِدُوا هنا، في مستشفيات الضمان الاجتماعي، وذهبوا إلى مدارس "ليدز" وتعلّموا "شكسبير"، وأحدهم كان أستاذ مدرسة ابتدائية، والثاني كان يدور المدينة بحثاً عن آخر نكتة". النكتة قرأناها بعد موته. فقد كان الرجل يدور المدينة دارساً شِعَابها وأنفاقها ليُفجِّر ذات صباح دامٍ مع رفاقه "المجاهدين" قاطراتها المكتظة وقت الذروة بالأبرياء القاصدين أعمالهم. صباح آخر للذهول، استيقظ فيه العالم غير مُصدِّق ما حدث. إنه الموت مرة أُخرى، في وقته وفي غير وقته. وأنّـى وأين لا نتوقّعه. لكن له الاسم إيّــاه دوماً: إنّه الموت الإسلامي الإرهابي المتوحش. غَدَا إذن للندن أيضاً صباحها الدَّامي، الذي يؤهلها لدخول نادي مدريد ونيويورك للموت الصباحي الجامعي. "أُمسيات.. أُمسيات. كم من مساء لصباح واحد"، إنها "وحدة الصباحات" على الرغم من اختلاف الأماسي والمآسي والمسار. فما كانت كل تلك المدن تضمر لنا العداء، ولا ميّزتنا بعضها عن أبنائها، أو أهانتنا في مطاراتها بتهمة ديننا أو هويتنا. لكن الإرهاب لم يُبقِ لنا من صديق. في إمكان لندن التي ناهضت دون هوادة الحرب على العراق، وخرجت أكثر من مرّة في أكبر مظاهرات عرفها الغرب، منذ انتهاء الحرب العالمية، مُندِّدة بتورُّط حكومتها في دمّ العراقيين، أن تُحْصي ضحاياها وقتلاها. وفي إمكاننا أثناء ذلك، أن نُجري جردة لخسائرنا. فبالأحزمة الْمُفخّخة والمتفجرات المزروعة، فجرنا كل الطرق الموصلة إلى قلوب مَن تعاطفوا معنا.. أو كانوا سيفعلون. وكأنّ هدر المستقبل لا يكفي، ذهبنا حتى تفجير مجدنا الأندلسي، المنسوف هباءً في قطار مدريد الصباحي. لا ذريعة للقتلة. لا علل لا أسباب لا شرف. وكلُّ مَن يجد عُـذراً لقتلهم الأبرياء الْمُسالمين من دون سبب، هو شريكهم في القتل. أيّ مجد أهدونا إيّاه؟ القَتَلَة المؤمنون الأتقياء، الذين ألحقوا بالإسلام أذى لم يُلحقه به أعداؤه، وما وفّروا إهانة أو شُبهة إلاّ ألصقوها بنا. ثم كم يلزمنا من السنوات الضوئية، ومن الجهد والمال، لكي نغسل سمعتنا ممّا عَلِقَ بها من دمٍ ودمار تناوب إرهابيو العرب والمسلمين على صنعها مذبحة ومجرزة بعد أُخرى. ووجد فيها قَتَلَتُنَا صكّ براءتهم وحجّة حقّهم في الاستفراد بنا وإبادتنا في فلسطين والبوسنة والعراق والشيشان وأفغانستان، بصفتنا السبب في كلِّ الشرور الكونيّة. فقهاء الإرهاب ومشايخ الإجرام وأُمراء الموت الْمُبارَك، الذين يتوضأون بدم الأبرياء طمعاً في جنّة موعودة، كيف لا يُخيفهم الوقوف بين يدي اللّه وقد ادَّعوا القَتل بيده وقطع الرؤس بسيفه، وفتح دكاكين للفتوى كوكلاء حصريين له. إنّ على العرب والمسلمين أن يتظاهروا ضد الجرائم التي تُرتكب باسمهم، ليكون لهم حق التنديد بما يُرتكب في حقهم من جرائم، ما عاد العالم معنياً بها. ضاع حقنا باعتدائنا على حق الآخرين في الحياة، ورخص دمنا لفرط استرخاصنا دم الآخرين والتباهي بسفكه. فمادمنا على هذا القدر من الاحتقار للحياة الإنسانية، علينا ألاّ نتوقّع من العالَم أي احترام لإنسانيتنا، ولا لوم عليه إن هو دنّس مقدّساتنا وأهان كرامتنا، وأفتى بحجرنا في ضواحي التاريخ.. وحظيرة الحيوانات المسعورة. نُريد أُمَّــة عربيّة إسلاميّة راقية يتشرّف بها الإسلام وتُباهي بها العروبة. أُمّــة شعارها "حقُّهم القوّة قوّتنا الحقّ"، ذلك أنّ أُمَّــة صغيرة على حق.. أقوى من قوّة كبيرة على باطل.
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
في الذكرى الأُولى لغياب المغفور له الشيخ زايـد

واللّه غيرك قلبي ما حسد
في الذكرى الأُولى لغياب المغفور له الشيخ زايـد

في العَشْرِ الأواخِر نذكُركْ
يُهادِنُنَا الحزنُ بعدكَ
ثمّ يُباغتُنا رمضانْ
فنفتقدُكْ
كما العيدُ يفتقِدُ لأحد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كم أحسُدُكْ
واللّه غيرك قلبي ما حسَدْ
مكفّناً بالدَّعواتِ
ما أخفّ نعشَكَ
زايدَ الحسناتِ
زاهدَ الكَفَن
كفّك الجودُ
أَنَّى مضيتَ تسبِقُك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرتابُ في موتك
وبالحياة تدينُ لكَ هذي الحياة
لكأنكَ النّبع الذي
من قبله لم يوجدِ الخيرُ
ولا الماء وُجد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تباركت يدُكَ التي
ليسَ عليْها دمُ أحَد
مِن غَيْثها
نخلُ العروبةِ يَرتوِي
كالأولياءْ
ما خَاب مَن نادَاكَ
لا عند ثَراكَ ضاعَ قصدْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بكَ تستجيرُ جِنينُ من أهوالِهَا
فيردُّ من مثواهُ قلبُكَ
هذي يدي
تَبْنِي بيوتَكِ
لا تنادي يا جِنينُ على أحد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَن غيرُكَ صاحَ بهم
"لا نَفطَ أغلَى مِن دمٍ
كيف يهُونُ دمُ العرب!"
أنت الذي ما جِئتَ تنهبُ
بل تَهَبْ
لا بات تحت خيمتِك
على ظلمٍ بريءٌ
(ولا جُناةَ عنهُمُ عَفوْتَ من دونِ سبب!)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كم أذكُرك
واللّه كمْ
إذا بنا خطبٌ ألمّ
مَنْ غيرُ قلبك نسندُ القلب إليه
ولا سواكَ لخيمةِ العُربِ وتدْ
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
الحِذَاء الضَّيِّق للسعادة

لا يمكن لشخص أن يحظى بكل النِّعم، فلكلِّ نعمة ما يُعادلها من ضريبة، حتى لتَـبْـدُو النِّعمة حين تتجاوز حدّها، لعنَة وقصاصاً، لا يُحسَد صاحبها عليها·
فالجَمَال الصَارخ، صَنَع تعاسة مارلين مونرو، وأوصلها، تماماً كما أوصل داليدا ورومي شنايدر، إلى الانتحار·

والوسامة والجاه والثراء الفاحش، أدّت "بفتى أميركا الذهبي" جون جون كيندي، ابن الرئيس الراحل جون كيندي، إلى الموت في حادث مُريع، إثر سقوط طائرته الخاصة التي كان يقودها بنفسه·

والشهرة التي تستبيح الحياة كلَّ لحظة، قَضَت على أميرة القلوب ديــانــا، وحرمتها من أن تعيش قصّة حبّها الكبير، وتهنأ أخيراً مع رجل·

لذا، يخشى العقلاء طفرة النعمة، ويدفعون البَلاء بعدم الإفراط في النِّعَم، بل وبالتقشُّف في السعادة الماديّة، حفاظاً على نِعَم الصحة والبنين والأمَان، التي من دونها لا هَنَاء لإنسان·

شخصيــاً، تُصيبني النِّعَم الماديّة كأولادي أو موهبتي مثلاً، بالذُّعـر، خشية أن يأخذ اللّه مُقابلها ما هو أهم، أو الحبّ الذي ما استطاعت صديقاتي شراءه، على الرغم من ثرائهنّ الفاحش، فأفسد فقدانه عليهنّ كلِّ مَبَاهِج الحياة·

قرأتُ مرّة، أن كازنتازكي، الذي حتماً لا يختلف عن بطل روايته زوربا في تعامله مع الحياة، بتلك الطريقة الفلسفيّة النادرة، التي خلقت له ملايين الأتْبَاع بين قرّائه في العالم، كتب في سيرته الذاتيّة، أنه كان يزور أثينا، المدينة التي ملأته بالدَّهشة والحُبُور، وقد سَعِد يومها سعادة بالغة، أوصلته إلى الذُّعـر، لشعوره بأنّ الشياطين أخذت تُراقبه وتترصَّده· ولأنّه يُؤمِن بأنّ لكلِّ سَعَادَة ثَمَنَاً، هُرِع إلى السوق واشترى حذاءً ضيقاً وانتعله ليضغط على قدميه بشدّة، فيتألَّم أثناء تجواله في المدينة·

الكاتب الذي علّمنا أنّ نحتاط من السعادة، ونحتفي بالفجائع حدَّ الرقص، فضَّل بذلك الحذاء الضيِّق الذي انتعله، أن يدفع ثمناً يعرفه لهذه السعادة التي يعيشها، بدل أن يَتَرقَّـب ثَمَنَـاً غيبيّاً سيهبط على رأسه، كوارث ومصائب من حيث لا يحتسب·

أُعجبتُ بهذا المنطق الذي يليق بزوربا، الكائن الحبريّ الذي كان أوّل مَن أحببت من أبطال الروايات، ثمّ ضحكت· أتكون النعمة الحقيقية في النهاية هي في أن تستطيع اختيار مصائبك، ومصدر ألمك، فتشتري سريراً لا ترتاح في النوم عليه، كي تكفّر عن إثم سعادتك في النهار، وتنتَعِل في النهار حذاءً أضيَق من قدميك، تكفيراً عن عناوين السعادة التي يُوصلك إليها، وتشقَى في القيام بالأشغال المنزلية في بيتك، أكثر من شقاء شغّالة هي في متناول جيبك، كي تحلّ البركة في ذلك البيت، ولا يأتي يوم يُسلِّط اللّه فيه عليك سيداً، أو تستيقظ يوماً، ولا بيت لك؟

والمثل واقعيٌّ جداً· فأحد أقارب العائلة كان حتى وقت قريب يملك، ما لا يمكن حصره من ثروة، واستيقظ قبل شهرين مُفلساً، فلا يخــت ولا قصور ولا شركات، وقد لا يستطيع الحفاظ حتى على البيت الذي يسكنه· عندما زارنا مؤخراً، بحثاً عن المواساة، ما كنت لأتنبَّه للحذاء الذي كان ينتعله، لولا أن جلده الفاخر الطريّ وتصميمه الراقي لفَتَا انتباهي، فتمنيته لزوجي الذي لم يوفّق يوماً في شراء حذاء يُريح قدميه، المهددتين بأعراض مرض السكريّ، لأنه، مثلي، بخيل على نفسه، سخيٌّ على سواه، ما اشتريت له بدلة أو قميصاً، فاخراً إلاّ وتركه لغسّان"، ابني المقيم في لندن، بذريعة أنّه يحتاج إليه أكثر، مذ أصبح موظفاً مهماً في البنك! أيكون في أحذية زوجي البائسة سرُّ سعادته·· وطمأنينته، وذلك الأمان الذي يشعر به كلُّ مَن يُجالسه؟

وهل في الأحذية الفاخرة فوق المعقول لعنة تُطارد أصحابها، كتلك التي كان ينتعلها صدام حسين، حسب شهادة مصمم أحذيته الإيطالي؟

قرأت أنّ ملكة جَمَال بريطانيا 2006، فَقَدَت مؤخراً تاجها، بعد أن تمّ اكتشاف العلاقة التي كانت تُقيمها مع لاعب الكرة شرينغهام، الذي كان أحد الحكام في المنافسة· افتُضح أمرها بسبب الحذاء الذي اشتراه لها قبل ذلك، وكان ثمنه سبعة آلاف جنيه إسترليني، أي ما يعادل خمسة عشر ألف دولار·

وهذا الأسبوع، يتمّ في مانيلا عرض مجوهرات وأحذية السيدة الأُولى السابقة إيميلدا ماركوس من قِبَل ابنتها، التي تصرُّ على أن يرى "الجيل الجديد" الـ2600 زوج من الأحذية، التي حملتها والدتها إلى منفاها في جزيرة هاواي، بعد أن دفعت ثمنها كرسيّ زوجها، واتِّهامها بنهب 10 مليارات دولار من خزينة البلاد، انتعلتها على مرأى من جياع الفلبين·
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
ليس مُهمَّاً أن تعرف

قِيل: تزوَّج مُغنٍّ بنائِحَة، فسمعها تقول "اللَّـهمَّ أوسِع لنا في الرزق" فقال لها: "يا هذه، إنَّما الدنيا فرح وحزن، وقد أخذنا بطرفي ذلك فإن كان فرح دعوني وإن كان حزن دعوك"

مَن يُقيم في بيروت هذه الأيام، أوسَع اللَّه في رزقه، بكاءً أو غناءً فضائيَّة تستبق ساعة الحشر وتعدك بكلِّ هول، ولا توفّر عليك مَنَاحَة وأُخرى، لا صوت عندها يعلو فوق صوت الغناء، مهما كبر المصاب وزاد البَلاء

إنه بلد تتعايش فيه الأضداد أين في غير لبنان في إمكانك في يوم واحد، أن تشارك في مأتم شعبيّ مهول لأوّل شهيد للمعارضة، بينما بمحاذاتك تنطلق أفواج العدَّائِين و22 ألف مشارك في ماراثون بيروت السنوي، تحت شعار "كرمالَك يا لبنان"؟ وفي المساء ستخفي بيروت شعاراتها وأعلام أحزابها، وتخلَع ثياب الرياضة وتذهب في كلِّ أناقتها، مع ستة آلاف شخص، للاستماع لفيروز، وهي تُغني في "البيال" في الكيلومتر المقابل لخيام الاعتصام

بيروت ليست فقط "ستّ الدنيا"، بل المدينة التي أخذت بطرفي الدنيا حزناً وبَهْجَـة!

***

ما عاد الموت في لبنان رصَاصَاً وسيَّارة مُتفجِّرة إنه طلقات خطابيّة تنفجر فيك حال فتحك جهاز التلفزيون قبضة الموت تُمسك بالمشاهدين، ثمَّة موت بكاتم صوت، وآخر بملء الصوت، أثناء تحاور الفرقاء بالذخيرة الحيَّة للشتائم، شيء منك يموت بالرصاص الطائش للكلمات إنه الحلم، حلمك بمعجزة عربيّة كان اسمها: لبنـــان

***

لا جدوَى من انتظار تنبوءات ميشيل حايك وماغي فَرَح الخطباء يقرأون لنا الفنجان - المقلوب أصلاً - أكثر من مرَّة في اليوم على كل القَنَوات، مُنجِّمـو السياسة يُقدِّمون لنا طالِع السنة المقبلة

أيَّــاً كان بُرجنا ويوم مولدنا وساعة مجيئنا إلى العالم، أيّاً كان مذهبنا وفصيلة دمنا وعنوان إقامتنا، ثَمَّة إجمَاع على أنّ ساعة لبنــان قد جاءت "أكبَر القَـتَـلَـة قَاتِـل الأمَل" وثَـمَّـة مَن عَـزم أن يُضيف الأمل إلى قائمة شُهداء لبنـــان

لمــاذا؟

وبــأي حــق؟

وكيف تسنَّى لهم ذلك؟

ولمصلحَة مَن يُغتَال لبنان؟

لا تسأل: للجَوَاب زِنَـاد ورصَاصَات احتياطيَّـة

في كتابه "أسبوع رديء آخر" للكاتب السعودي حمد العيسى، أثناء زيارته لـ"الهايد بارك" في لندن، يرى الراوي وهو يسير دَهِشَــاً بين حشود الخُطباء والمحتجِّين مُختَلِفي الجنسيات، شخط يرفع لوحة كُتب عليها "سوف تزداد الأُمور سوءاً"

فيسأله: "ما هي هذه الأُمور؟"

فيردُّ عليه الرجل: "ليس مُهمَّاً أن تعرف"!
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
اعترافات كرسي في صالون حلاقة نسائي


ما قصدتُ صالون حلاقة نسائياً، إلاّ وحَضَرَتنِي أغنية اشتُهِرت في الجزائر قبل عامين لـ"أمازيغ"، ابن الكاتب الجزائري الشهير كاتب ياسين. ولأن "أمازيغ" تعني في اللغة البربرية "الرجل الحرّ" كان الرجل وفيّـاً لإرث الحرية الذي تركه له أبوه. فقد أعلن بحرية لم نعهدها من المطربين العرب: "أريد أن أكون مقعداً في صالون حلاقة للنساء"!
أعجَب ألاّ يكون رجل قبله امتلك شجاعة إعلان أمنية على هذا القدر من التلقائية، فمن الأرجح أنها راوَدَت رجالاً غيره، خاصة في بلادٍ ذهب بعض المتطرّفين فيها، كما في مصر، إلى حدِّ الإفتاء بتحريم جلوس رجل في الحافلة أو في قطار على مقعد جلست عليه امرأة.. قبل مرور نصف ساعة! تصوّروا حافلة مكتظة بالرجال وقوفاً يدققون في ساعاتهم.. ويوجد مقعد شاغر في انتظار مرور الوقت الضروري ليبرد.. تفادياً لانتقال "ذبذبات الأنوثة" إليهم!
حسب هذا المنطق، أرْيَح وأمتَع لكَ أن تكون مقعداً تتناوب عليه النساء، على أن تكون رجلاً يسافر واقفاً لأنّ مقعداً يتحكّم فيك
وتصحيحــاً لمقولــة ساشـا غيتـري: "لا أحد يسمع الحَمَاقَات أكثر من لوحة مُعلَّقة في معرض"، أقول إنّ أكثر الحماقات غَـرَابَـة حتماً، تسمعها المقاعد التي تجلس عليها النساء في صالونات الحلاقة، حيث غالباً ما يبدو المقعد كأنه كرسي للاعتراف، ما إن تجلس عليه المرأة حتى تُباشر البَـوح بأسرارها ومشروعاتها وخلافاتها العائليّة.
أغرب ما رَوَته ألسِنَـة المقاعد النسائية لدَى الحلاّق، تلك الحادثة التي نقلها التاريخ عن الكاتبة "جورج صاند"، التي جمعتها في بداية القرن التاسع عشر، قصّة حُــب عنيفة، مع الكاتب "ألفريد دي موسيه"، وكذلك مع الموسيقار الشهير "شُـوبَــان"، الذي أحبَّها بِوَلَــع وشَـغَـف، وتعذّب كثيراً بسبب كَوكَبَة العشّاق الذين أحاطوا بها على الدوام.
ويُحكَـى أنّ خبر موت "شُـوبَـان"، بلغها وهي تُزيِّن شعرها عند الحلاق، فدُهِشَت، وبَـدَا عليها شيء من الألم، ثمّ توجّهت ببرودة دم إلى حلاّقها قائلة: "كان شوبان عظيماً ومات عظيماً، وموت العُظَمَاء أكبر من الحُزن عليهم!". لكأنَّ المرأة مهما كانت مهمّة أو موهوبة أو عاشقة، تصبح غبيَّة ومن دون عقل، في حال جلوسها بين يدي حلاّق.
بالنسبة إلى "جورج صاند"، ربما كان عنفها العشقيّ يعود إلى جانبها الذكوري. فقد كانت تحمل اسماً رجالياً، وترتدي ثياباً رجالية، كثيراً ما تكون للرجل الذي تحبّه، من يكون قد ترك عليها آثار "فحولة عاطفيّة". فقد حاولت أن تضاهي الرجال وتتماهَى معهم، لكنها فشلت على الأقل، لكونها ظلّت تتردّد على الحلاق. وهو ما يُذكِّر بقولٍ ساخر للممثلة جاكلين مايان: "لن تصبح النساء مُساويات للرجال، إلاّ عندما يتقبّلن الصَّلع ويعتبرنه علامة من علامات الوسامة والاعتبار!".
والخــوف إن قبلت النساء بالمساواة في الصلع، أن يصبحن أقرب إلى أســود "تسافو" سيئة السمعة، منهنّ إلى الرجال. فقد اشتهرت هذه الأسود بضراوتها غير العادية، وافتراسها البشر. إذالتهمت في القرن الماضي 130 شخصاً، حيث تعيش في شرقي كينيا.
أما ضراوتها التي تفوق العادة، فتعود، حسب العلماء، إلى كونها تمتاز عن باقي الأُسود، بأنّ ذكورها ليس لديها الشعر الكثيف المميِّز لذكر الأسود من الأنواع الأخرى، ويعود هذا إلى المستويات المرتفعة لهرمون الذكورة الزائد فيها، وهو الهرمون ذاته الذي يُسبِّب الصلع لدى الرجال، ويزيد، حسب العلماء، من السلوك العدواني والنزعة، للحفاظ على المكان بأي ثمن!
ومادمنا لا نملك سوى هذه المعلومة العلمية، لاكتشاف ما قد يخفيه لنا بعض الرجال، فإنني أنصح الشعوب العربية بألاّ تختار حكّامها من بين الذين تركت هذه الهرمونات آثاراً على صلعتهم، وأن يكون لها حق إخضاع أي مرشّح للسلطة، لفحص هرمون "التستوستيرون"، وهذا أضعف الإيمان، مقارنة بما وصلت إليه شعوب أخرى، أصبحت تطالب حكامها بإثبات أنهم لا يصبغون شعورهم. ذلك أن عند هؤلاء، خدعة الصبغة تشي بما هو أكبر. فإذا صبغت شعرك فأنت تقصد إخفاء شيء ما، ومهيّأ لتُزيِّف أي شيء، بالتالي لست أهلاً للثقة.
وربما كان رئيس الوزراء الإيطالي السابق بيرلسكوني، قد تعلَّم الدرس من المستشار الألماني السابق شرودر، الذي تحوّل موضوع صبغه شَعره إلى قضية انتخابية، بعد أن صرّح أحد النواب بـ"أن مستشاراً فيدرالياً يصبغ شعره، يمكن أن يُلوِّن الإحصاءات أيضاً"، فلم يبقَ أمام المسكين إلاّ اللجوء إلى القضاء لمنع الصحافة من الخوض مجدداً في هذا الموضوع.
كإيطاليّ قح.. أعلن بيرلسكوني أنه مُصرٌّ على أن يبقى شاباً ووسيماً، وجَاهَــر بأنه لجأ إلى زرع الشعر، وأن عمليته تلك، اكتسبت شهرة عالمية حسده عليها الكثيرون من نظرائه. وزاد مؤخراً وهو في السبعين.. أنه خلال الصيف الماضي "عَاشَــر" 84 امرأة (!) ما أغضب زوجته فيرونيكا.. وجعل الرجال، كما النساء، يتساءلون: هل في الصّلع أم في الشعر تكمن الفُحولة؟!
سؤال يعنينا جميعاً!
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
في عصمة قُبلة لم تحدث


قالت
بي شوق إلى الساعة الواحدة
ذات الخامس من خريف كان
قبل سنتين وقبلة من الآن
بي شوق أن أصفها
قبلتنا التي لم تحدث
وسأظل أكتبها
كي أبلغ شفتيك
من قبل أن تُقبّلاني
كي أطال فمك
من قبل أن يقول
"لا امرأة سواك"
**
قبلتك التي لم تكن
ما تركت لي يداً لكتابتها
لكأنّها بدأت بتقبيل أصابعي
ثمّ التهمتني
وهي على ركبتيها تطلب يدي!

قال
الوردة تسأل:
لِمَن أقدّم عطري؟
العنب يسأل:
لِمَن تمّ عصري؟
الغيوم المسافرة:
لِمَن أهدي مطري؟
الدواة:
لِمَن يسيل حبري؟
**
وحدي أدري
فاجعة الأجوبة
عندما لا تكون للكائنات
قرابة بك.

شفتاك عباءتي
الرجلُ المترقّبُ هاتفي
القلقُ في انتظار صوتي
هاتف جوال في جيبه
وقلبه في جيبي
**
رجل لا يدري
أنّ حبّه معطفي
يسأل:
"ماذا ترتدين حين تخلعين شفاهي؟"
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
فـي تأبين تلك الأحلام الكبيرة


استوقفني قول للكاتبة كارولين أهيم: "الحصول على دماغ يستطيع الكتابة، معناه الحصول على دماغ يعذّبك" ولو أنها خبرت لعنة امتلاك دماغ عربيّ، لأدركت نعمة عذابها، ولَقَاسَت بمقياس "ريختر" للألم فاجعة أن تكون كاتبة عربية في زمن كهذا.
ذلك أنّ الكاتب العربي يشهد اليوم تأبين أحلامه.
شيء ما يموت فينا، ويُشعرنا بخواء النهايات ثمّة عالم جميل ينتهي ونحن نستشعر ذلك، وننتظر مذهولين حلول الكارثة.
زمن انتهى بأحلامه ومثالياته ونضالاته، وقضاياه المفلسة.
نشعر بخفّة الألم، لا خفّة مَن أزاح عن كاهله مشكلات حملها عُمراً بكامله، بعدما عثر لها أخيراً على حلول، وإنما خفّة من تخلّص أخيراً من أوهامه.
سعادتنا تكمن في فاجعة اكتشافنا أنه لم يعد في إمكان أحد أن يبيعنا بعد الآن قضيّة جديدة، مقابل أن يسرق من عمر أبنائنا جيلاً أو جيلين آخرين. فالشعارات المعلَّبَة، الجاهزة للاستهلاك، التي عشنا عليها، انتهت مدّة صلاحيتها، وأصبحنا نعرف من أي "سوبرماركت" استوردها من روّجها، وكم تقاضى بعضهم ولايزال، مقابل تسميمنا ومنع نموّنا الطبيعي، واختراع حروب وكوارث، لإبقائنا أذلاء، فقراء.. ومرعوبين.
رحم اللّه محمد الماغوط نيابة عن كلّ المبدعين العرب، اختصر في جملة واحدة سيرة حياتنا: "وُلدتُ مذعوراً.. وسأموت مذعوراً". فالمبدع العربيّ، لايزال لا يشعر بالأمان في بلد عربي. وإذا كان بعض الأنظمة يتردّد اليوم قبل سجن كاتب أو اغتياله، فليس هذا كرماً أو نبلاً منه، وإنما لأن العالم تغيّر وأصبحت الجرائم في حق المبدعين لا تمرُّ بسرية، بل تدخل ضمن الحسابات التي على الطاغية أن يراجعها، إذا أراد أن يقبل من جانب الغرب.
كيف في إمكان الكاتب العربي أن يكون ضمير الأمة، ولسان حقّها، وهو منذور لمزاجية بعض الحكام، ومزاج الرقيب وأهواء القارئ، الذي أصبح بدوره رقيباً يعمل لحسابه الشخصيّ، وقد يتكفل بإصدار فتوى تكفرك أو تخوّنك، محرّضاً الشارع عليك، فتخرج مظاهرات تطالب بسفك دمك وكسر قلمك، وتُدخلك القرن الحادي والعشرين من بوابة المحاكم والسجون.
كثيراً ما أضحكنا برنارد شو بتعليقاته الساخرة. لكنه حين قال "الوطن ليس هو فقط المكان الذي يعيش فيه الإنسان، بل هو المكان الذي تُكفَلُ فيه كرامته وتُصان حقوقه" كاد يُبكينا نحن العرب، عند اكتشافنا ما نعانيه من يُتم أوطان لسنا مواطنين فيها. فكيف نكون فيها كتّاباً، ونحنُ نقيم في ضواحي الأدب وضواحي الحرية، خارجين لتوّنا مذعورين من زمن ثقافة الشارب العريض، والقصائد التي تلمّع حذاء الحاكم، وتُبيِّض جرائم قطّاع طرق التاريخ، لنقع في فخّ العولمة.. فريسة للثقافات المهيمنة ولطُغَاة من نوع جديد، لا يأتونك على ظهر دبّابة، إنّما يهدونك مع رغيف البنك الدولي مسدساً ذهبياً لإطلاق النار على ماضيك!
الذين يروّجون لثقافة النسيان، ما سمعوا بقول أبو الطالب الدمستاني "إنّ أطلقت نيران مسدسك على الماضي، أطلَق المستقبل نيران مدافعه عليك". ولا أدري كيف في إمكاننا إنقاذ المستقبل، من دون أن نعي الواجب التأمُّلي للمبدع ودوره في حماية الهوية العربية، ذلك أن معركة الألفية الثالثة ستكون ثقافية في الدرجة الأولى، وعلينا ألاّ نكون مغفّلين ولا مستغفلين أمام هيمنة ثقافية لا يمكن أن تكون بريئة.
إنّ المبدع والمثقف العربي، هو آخر صرح بقي واقفاً في وجه بعض الحكام، الذين لا ينتظرون إلاّ غفوة أو غفلة منه ليسلّمونا شعوباً وقبائل إلى الغرب، على طبق العولمة أو التطبيع.
هذا المبدع الذي حدّد نفسه منذ أجيال "مبدع الضد"، أتعبته القضايا المفلسة، والمشي في جنازة أحلامه. وقد يأتي يوم لا يجد فيه قضية عربية تستحق منه مشقّة النضال. ويومها ليس وحده مَن سيبلغ عمق الكارثة.. بل الأُمّـة كلّها!
__________________
 

آلبتول

أدميرال

إنضم
Jul 5, 2008
المشاركات
10,067
مستوى التفاعل
172
المطرح
من جزيرة العرب وبقايا بخور فرنسي !!
رسايل :

قد أكون ... فراشة تحلق في السماء ولكن في الحقيقة ... ألسع كالنحلة!

يعطيك الف عافيه:25:
وتم التثبيت :24:
 

اميرة التوليب

بيلساني شهم

إنضم
Jan 21, 2009
المشاركات
217
مستوى التفاعل
3
قطرة روح ... أنت رائع جداً
شكرا لك من أعماق القلب .
أتمنى المزيد لاحلام وغادة السمان ايضاُ
شكرا مرة ثانية
 

احلى دنيا

بيلساني لواء

إنضم
Mar 30, 2009
المشاركات
3,904
مستوى التفاعل
44
المطرح
بالاردن

هالموضوع وين كان غايب عني
انا من معجبين احلام
لهيك الي رجعه لاقراهن كلهن
يعطيك الف الف عافيه :24:
 

آلبتول

أدميرال

إنضم
Jul 5, 2008
المشاركات
10,067
مستوى التفاعل
172
المطرح
من جزيرة العرب وبقايا بخور فرنسي !!
رسايل :

قد أكون ... فراشة تحلق في السماء ولكن في الحقيقة ... ألسع كالنحلة!

تعُيش في بلدٍ يحترمُ موهبتكَ ويرفض جُروحك
وتنتمي لوطناً يحترم جرِاحك ويرفضك أنت!
فيهما تختار؟
وأنت الرجل والجريح في آن واحد
وأنت الذاكرة المعطوبة الذي ليس هذا الجسد المعطوب سوى واجهتاً له
 

عشتار

بيلساني مجند

إنضم
Dec 18, 2009
المشاركات
1,197
مستوى التفاعل
31
المطرح
دمشق
موضوع في منتهى الروعة ..

شكرا ً لـ " نبشه " من صندوق الجواهر صديقتي

وردة*
 
أعلى