رؤوس احلام ... تحية لأحلام مستغانمي

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
هاتف الحب.. أنقذني من الموت


ربما كنت مدينة للهاتف بوجودي بينكم على قيد الحياة. وعيت في ما بعد أنه كان يمكن لي أن أقضي في ذلك الحادث، الذي ذهب بحياة الفقيد الرئيس رفيق الحريري، وبعض مَن وضعتهم الْمُصادَفة يومها في طريقه، لولا أنني انشغلت ذلك الصباح بمكالمة طويلة وصلتني في "عيد العشّاق"، كسلَّة ورد صباحية، وحجزني شذاها في غرفتي ساعتين، ما جعلني أتأخر عن موعد نزولي من جبل برمّانا إلى بيروت. في الطريق، تذكّرت أنني، من سعادتي بذلك الصوت الذي يبتكر لي عيداً كلّ صباح، عابراً قارّات الاشتياق، نسيت سبب نزولي إلى بيروت. إذ كنت أقصد الغالية لطيفة لأُقدِّم لها هدية بمناسبة "عيد الحبّ". وعندما تنبّهت إلى نسياني الهدية التي قضيت يوماً قبل ذلك في اختيارها، واختيار طريقة لفّها والورود والفراشات التي تطوّعت البائعة بنثرها عليها عندما عرفت لِمَن سأُقدّمها، حزنت، وطلبت من ابني ونحن في الطريق، أن نعود إلى البيت لإحضارها، فراح، عن كسل، يقنعني بأن أُقدّمها لها في الغد. وعندما استسلمت لإرادته سلك طريقاً جبلياً آخر، بعدما لم يجد من ضرورة لسلوك الطريق البحريّ الذي نعبره كلّما نزلنا إلى بيروت، حيث منطقة الفنادق البحرية كانت ممرّاً حتمياً لنا. فجــأة، دقّ هاتفي الجوّال. كانت "مصاريت"، شغالتي الإثيوبية، تهمس لي مذعورة كَمَن استرق هاتفاً ليُكلّمني "مدام.. انتِ وين.. ما تروحي ع بيروت، في بومب.. ارجعي پليز حبيبتي". طبعاً، كانت أوّل مَن عرف بالخبر، بحُكم قضائها اليوم أمام التلفزيون، وصوتها كان يحادثني كما اعتاد مُحادثة صديقتها خلسة من هاتف البيت. ولم أفهم ماذا حدث، ولا كوني أخلفت طريق الموت المبكِّر، إلاّ عندما هاتفت لطيفة لأعتذر لها عن تأخري، وإذا بها تخبرني مذعورة أنّ الانفجار حدث مقابلاً لفندقها، وأن كل شيء اهتز وتطاير، والناس من حولها خرجوا بثياب النوم من غرفهم، وتجمعوا في بهو الفندق. وبعدما وجد نزلاء الفنادق الفخمة أنفسهم في ضيافة الموت، غادر بعضهم إلى بلده في أوّل طائرة، بينما توزّع آخرون على الفنادق الجبلية الفخمة. وهكذا، انطبقت علينا النكتة المصرية غداة حرب 67: "اللي كنّا رايحين لُـهُم.. جُونا". جاءت لطيفة لتقيم على بعد أمتار من بيتي. فقد كان عليها البقاء في بيروت لمواصلة تقديم دورها "ست الحُسن" في مسرحية "حُكم الرعيان" لمنصور الرحباني. كان القمر جاري لبعضة أيام، ووجدتني أنا التي كنت سأقضي معها صباح الحبّ، أقضي معها مساءه، فنتعشّى أنا وهي وأُختها منيرة عشاء "عيد العشّاق" على طاولة محاطة بباقات ورود، لم أفهم سرّها إلاّ عندما جاء قالب الحلوى الصغير ليشي لي بأنه "عيد ميلاد" لطيفة. ببساطتها، تقاسمت لطيفة قالبها الصغير، وقلبها الكبير، مع طاولة لسيدات خليجيات هربن معها من الفندق الآخر، قبّلت طويلاً أطفالهن، ورفضت أن تأخذ صورة مع معجب بها، ما كان مرفوقاً بزوجته. بعد ذلك رافقتُها حتى جناحها لأحمل معها باقات الورود، وبعض أحزانها في يوم غير عادي، ولم أقبل دعوتها إلى مزيد من السهر. في سهرات أُخرى بعد ذلك، كانت تُهاتفني مساء وأنا في ثياب النوم، فتصيح بي باللهجة التونسية "إبقاي كيما إنتِ.. إحنا وحدنا أنا ومنيرة وهديل.. قومي يامراة يزّيك من الكسل". وعندما تلحُّ ألبسُ أول شيء أعثر عليه وأقصدها. نتحدّث كثيراً، نضحك، نغني، نخطّط لمشروعات سينمائية ربما ننجزها معاً. تسألني فجأة: "كيف استطعت العيش في برمّانا؟ أنا لا أطمئن إلى مدينة لا يُرفع فيها الأذان". في لقاء سابق لنا، أُعجبتُ بمصحف إلكتروني، سمعيٍّ بصريٍّ، لا يفارقها جهازه الصغير، فأحضرته هديّة لي. لطيفة، الابنة الشرعية للحب، تُخفي امرأة مؤمنة تخاف اللّه وتذكره كلّ لحظة، إلى حدّ إرباكي. سخيّة معطاء، تشهر بهجة كاذبة، وغناءً يغطي أحياناً على نُواحها الداخلي. هاتفتني تطلب مني في الغد معطفاً أسود وشالاً تذهب بهما إلى عزاء عائلة الحريري. قالت إنها لا تملك شيئاً أسود في حقيبتها. سألتني أن أُرافقها. اعتذرت لأنني لا أحب زحمة التعازي، وواجبات الحزن، وأُفضِّل أن أُعزِّي صديقتي بهيّة الحريري لاحقاً، إنْ أنا صادفتها. أرسلت إلى لطيفة تشكيلة ما في خزانتي من سواد، واثقة بأنّ الأسود يليق بها. فـ"ست الحسن" التي تملأ مسرحية "حكم الرعيان" بهجة، وتملأ حقائبها، حيث حلّت، بالأوسمة، تحتاج إلى أن تكون "سيدة الحزن" كي تكون رائعة.
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
أن تكون كاتباً جزائرياً
" ألقيت هذه الشهادة في مؤتمر الروائيين العرب في القاهرة 1998 "


عندما تكون كاتباً جزائرياً, وتأتيك الجزائر يومياً بقوافل قتلاها, بين اغتيالاتها الفردية, ومذابحها الجماعية, وأخبار الموت الوحشي في تفاصيله المرعبة, وقصص أناسه البسطاء في مواجهة أقدار ظالمة. لا بد أن تسأل نفسك ما جدوى الكتابة؟ وهل الحياة في حاجة حقاً الى كتّاب وروائيين؟ ما دام ما تكتبه في هذه الحالات ليس سوى اعتذار لمن ماتوا كي تبقى على قيد الحياة.
وما دامت النصوص الأهم, هي ليست تلك التي توقّعها أنت باسم كبير, بل تلك التي يكتبها بدمهم الكتاب والصحافيون المعرفون منهم والذكرة, الصامدون في الجزائر. والواقفون دون انحناء بين ناري السلطة والإرهاب والذين دفعوا حتى الآن ستين قتيلاً.. مقابل الحقيقة وحفنة من الكلمات.
عندما تكون كاتباً جزائرياً مغترباً, وتكتب عن الجزائر, لا بد أن تكتب عنها بكثير من الحياء, بكثير من التواضع, حتى لا تتطاول دون قصد على قامة الواقفين هناك. أو على أولئك البسطاء الذين فرشوا بجثثهم سجاداً للوطن. كي تواصل أجيالاً أخرى المشي نحو حلم سميناه الجزائر. والذين على بساطتهم, وعلى أهميتك, لن يرفعك سوى الموت من أجل الجزائر الى مرتبتهم.
الجزائر التي لم تكن مسقط رأسي بل مسقط قلبي وقلمي, ها هي ذي تصبح مسقط دمي. والأرض التي يقتل عليها بعضي بعضي, فكيف يمكنني مواصلة الكتابة عنها ولها. واقفة على مسافة وسطية بين القاتل والقتيل.
لقد فقدنا في الجزائر خلال السنوات الأخيرة أكثر من ستين كاتب ومبدع. هم أكثر من نصف ثروتنا الإعلامية. ولم يبق لنا من الروائيين أكثر من عدد أصابع اليدين في بلد يفوق سكانه الثلاثين مليون نسمة, أي انه لا يوجد في مقابل كل مليون جزائري, كاتب واحد ينطق ويكتب ويحلم ويفكر باسم مليون شخص.
فأي نزيف فكري هو هذا؟.. وأيّة فاجعة وطنية هي هذه! ولذا كلما دعيت الى ملتقى حول الكتابة بدأ لي الجدل حول بعض المواضيع النقدية أو الفنية أمراً يقارب في طرحه مسرح العبث.. عندما يتعلّق الأمر ببلد يشكل فيه الكاتب في حد ذاته نوعاً بشرياً على وشك الإنقراض, وتشكّل فيه الكتابة في حد ذاتها تهمة لم يعد الكاتب يدري كيف يتبرّأ منها.. وذنباً لم يعد يدري كيف يجب أن يعلن توبته عنه أمام الملأ ليتمكن أخيراً من العيش بأمان.
فما الذي حلّ بنا اليوم؟
منذ الأزل نكتب وندري أن في آخر كل صفحة ينتظرنا رقيب ينبش بين سطورنا, يراقب صمتنا وأنفاسنا, ويتربص بنا بين جملتين.
كنا نعرف الرقيب ونتحايل عليه. ولكن الجديد في الكتابة اليوم أننا لا ندري من يراقب من.. وما هي المقاييس الجديدة للكتابة.
الجديد في الكتابة اليوم, أنّ أحلامنا تواضعت في بضع سنوات. فقد كنا نحلم أن نعيش يوماً بما نكتب.. فأصبحنا نحلم ألا نموت يوماً بسبب ما نكتب.
كنا نحلم في بدايتنا أن نغادر الوطن ونصبح كتاباً مشهورين في الخارج. اليوم وقد أصبحنا كذلك أصبح حلمنا أن نعود الى وطننا ونعيش فيه نكرات لبضعة أيام.
كنا نحلم بكتابة كتب جديدة.. أصبحنا نحلم بإعادة طبع كتبنا القديمة ليس أكثر .. فالذي كتبناه منذ عشرين سنة لم نعد نجرؤ على كتابته اليوم.
عندما تكون كاتباً جزائرياً. كيف لك اليوم أن تجلس لتكتب شيئاً في أي موضوع كان دون أن تسند ظهرك الى قبر.
في زمن العنف العدميّ, والموت العبثي, كم مرة تسأل نفسك. ماذا تكتب؟ ولمن؟ داخلاً في كل موت في حالة صمت حتى تكاد تصدّق أنّ في صمت الكاتب عنفاً أيضاً.
ماذا تكتب أيّها الروائي المتذاكي.. ما دام أيّ مجرم صغير هو أكثر خيالاً منك. وما دامت الروايات اكثر عجائبية وإدهاشاً تكتبها الحياة.. هناك.
سواء أكانت تريد أن تكتب قصة تاريخية, أم عاطفية أو بوليسية. رواية عن الرعب أ عن المنفى. عن الخيبة, عن المهزلة, عن الجنون.. عن الذعر.. عن العشق.. عن التفكك.. عن التشتت عن الموت الملفّق.. عن الأحلام المعطوبة.. عن الثروات المنهوبة أثناء ذلك بالملايين بين مذبحتين.
لا تتعب نفسك, لقد سبقتك جزائر الأكاذيب والخوف وكتبتها.
الحياة هي الروائي الأول في الجزائر. وأنت, أيّها الروائي الذي تملك العالم بالوكالة, وتدير شؤونه في كتاب. الذي يكتب قطعاً ليس أنت. ما دمت تكتب بقلم قصصاً يشاركك القدر في كتابتها بالدم.
كنا نحلم بوطن نموت من أجله.. فأصبح لنا وطن نموت على يده.
فلماذا تكتب؟ ولمن؟ وكيف يمكن فضّ الاشتباك بينك ككاتب والوطن؟ وهل المنفى هو المكان الأمثل لطرح تلك الأسئلة الموجعة أكثر من أجوبتها.
أراغون الذي قال صدقتها "الرواية أي مفتاح الغرف الممنوعة في بيتنا" لم يكن عربياً. وإلا لكان قال "إن الرواية هي مفتاح الأوطان المغلقة في وجهنا.
إنه التعريف الأنسب للرواية المعاصرة, التي منذ جيلين أكثر تولد في المنافي القسرية أو الإختيارية. موزعة على الخرائط العربية والغربية. هناك حيث ينتظر عشرات المبدعين العرب موتهم. حالمين أن يثأروا يوماً لغربتهم بالعودة في صناديق مفخخة بالكتب, فيحدثوا أخيراً ذلك الدوي الذي عاشوا دون أن يسمعوه: دويّ ارتطامهم بالوطن.
إنه زمن الشتات الجزائري إذن. وطن يفرغ ليتبعثر كتّابه ومثقفوه بين المقابر والمنافي ليواصلوا الميراث التراجيدي للكتابة العربية, وينضمّوا للشتات الفلسطيني وللشتات العراقي.. والشتات غير المعلن لأكثر من بلد عربي, تنفى منه شعوب بأكملها, وتنكسر فيه أجيال من الأقلام إكراماً لرجل أو لحفنة من الرجال, يفكرون بطريقة مختلفة ولا يغفرون لك ان تكون مختلفاً.
ذلك ان الكتابة أصبحت الآن أخطر مهنة. والتفكير أصبح أكبر تهمة, حتى أنه يشترك مع التكفير في كل حروفه ويبدو أمامه مجرد زلة لسان.
فلماذا نصرّ إذن على التفكير؟ ولماذا نصرّ على الكتابة؟ وهل يستحق أولئك الذين نكتب من أجلهم كل هذه المجازفة؟
إن وطناً أذلّنا أحياء لا يعنينا أن يكرّمنا امواتاً. ووطناً لا تقوم فيه الدولة سوى بجهد تأمين علم وطني تلف به جثماننا, هو وطن لا تصبح فيه مواطناً إلا عندما تموت.
يبقى أن الذين يتحملّون جريمة الحبر الجزائري ليسوا القتلة. والذين يحملون على يدهم آثار دم لما يقارب المائة ألف شخص كانوا يعيشون آمنين.. ليسوا التقلة. وإنما أولئك الذين لم تمنعهم كلّ فجائعنا من مواصلة الحياة بالطمأنينة والرخاء نفسه, والذين استرخصوا دمنا.. حتى أصبح الذبح والقتل أمراً عادياً لا يستوقف في بشاعته حتى المثقفين العرب أنفسهم.
والذين تفرّجوا خلال السنوات الأخيرة بلا مبالاة مدهشة على جثتنا. والذين جعلوننا نصدق ذلك الكاتب الذي قال:
"لا تخش أعداءك, ففي أسوأ الحالات يمكنهم قتلك
لاتخش أصدقاءك ففي أسوأ الحالات يمكنهم خيانتك
إخش اللامبالين فصمتهم يجيز الجريمة والخيانة".
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
شهادة في الكتابة
" قدمّت هذه الشهادة في معهد العالم العربي في باريس سنة 1997 "


ككّل مرة يطلب مني ان أتحدث عن تجربتي في الكتابة أجدني أنا التي احترف الكلمات, لا أدري كيف ألخّص عمري على ورق. ولا أعرف متى كان مولدي بالتحديد.
فالكاتب يولد فجأة, ولكن غالباً في غير التاريخ الذي يتوّقعه.
هناك من يعتقد انه كاتباً منذ الأزل. وهناك من ولد أمام أول كتاب أصدره. وآخر لم يولد إلا في الأربعين, أمام نصّه الأخير.
لكن, أن تسوّد عشرات الأوراق, لا يعني أنك مبدع. وأن تصدر أكثر من كتاب لا يعني أنك كاتب. "همنغواي" كان يقول "الكاتب هو من له قراء" وربما كان يعني من له معجبون وأعداء. وحسب هذا المفهوم, يمكنني أن أقول أنني كاتبة.
فأن تكتب يعني تفكّر ضدّ نفسك. أن تجادل أن تعارض أن تجازف, أن تعي منذ البداية, أن لا أدب خارج المحظور, ولا إبداع خارج الممنوع, ولا خارج الأسئلة الكبيرة التي لا جواب لها. ولو كانت الكتابة غير هذا, لاكتفت البشريّة بالكتب السماوية وانتهى الأمر. ولكن, خطر الكتابة ومتعها يكمنان في كونها إعادة نظر, ومساءلة دائمة للذات. أي كونها مجازفة دائمة. ألهذا, كلما تقدمت بي الكتابة, غادرت عمر القناعات, ودخلت سنّ الشك. ربما لأنّ الكتابة لا يمكن أن تتم على أرض ثابتة, حتى أنك تنتقل فيها من صنف أدبيّ الى آخر دون سابق قرار.
في البدء, كنت شاعرة, وربما جئت الى الشعر في لحظة تحد. أتوّقع أن أكون ولدت في السابعة عشرة من عمري. عندما وقفت لألقي شعراً في الجزائر على جهور متحمّس وشرس. جاء نصفه ليصفق لي. ونصفه الآخر ليحاكمني بتهمة أنوثتي, والكتابة عن الحب, في زمن لم ينته فيه الأخرون من دفن الشهداء على صفحات الجرائد والكتب. أعتقد ذلك, لأن الشاعر يولد دائماً في لحظة مواجهة.
وكهامش لهذه الحادثة التي تناقلت الصحافة الجزائرية آنذاك تفاصيلها. بما في ذلك تدخّل والدي نيابة عني للرد على الجمهور, نظراً لصغر سني وعدم قدرتي على مواجهة قاعة بأكملها.
أذكر الآن بألم, أن أمسيتي الشعرية تلك كانت في إطار موسم شعري سنة 1973 أقيم في قاعة "الموغار". أخذ فيه شعر الشباب باللغتين الحيّز الأكبر. وهكذا فقد جاءت بين أمسيتين للشاعرين الشهيدين الطاهر جعوط ويوسف سبتي, اللذين كانا يكتبان باللغة الفرنسية. وبدآ مشوارهما الشعري معي في ذلك الموسم نفسه. وحتماً كانا يجهلان آنذاك أنه برغم الهدوء والفتور الذين قوبلا بهما من طرف الجمهور, ورغم الزوبعة الإعلامية التي حسداني عليها. سيأتي يوم بعد عشرين سنة يتصدران فيه جميع الجرائد العربية والأجنبية كشهيدين للشعر الجزائري, سقطا ذبحاً.. ورمياً بالرصاص.. بتهمة الكتابة.
كان ذلك زمن التحدي الجميل. ورغم أنني كنت الفتاة الوحيدة التي تكتب آنذاك بين شعراء اللغتين, فقد كنت أشعر دائماً ان انتمائي لأحلام ذلك الجيل من الشباب يفوق انتمائي لأنوثتي, وأن الشعر والوطن هما قضيتي الأولى. وأما الأنوثة فهي مشكلتي وحدي.
تأكّد لي ذلك بعد عدّة سنوات, عندما غادرت الجزائر لأقيم في فرنسا وأدخل دوّامة الحياة الزوجية والأمومة والإلتزامات الإجتماعية.
ذات صباح استيقظت وإذا بي زوجة وأمّ لثلاثة صبيان ودكتورة في السوربون وباحثة في علم الاجتماع وطبّاخة وغسّالة وجلاّية ومربيّة في كل ساعات النهار. كان لي أكثر من لقب وأكثر من مهنة. غير أني كنت قد فقدت لقب "شاعرة".
أعتقد أنني أنا التي أخذت قرار التخلي عن الشعر. خشية أن أصبح أدنى منه.
أن تحترم الشعر, حدّ الإعتراف في أول خيانة له بأنك لم تعد شاعراً. هي الطريقة الوحيدة لتحافظ على لقب شاعر, ولو بينك وبين نفسك.
فإذا كان لا شيء أكثر سطوة ووجاهة من لقب شاعر. فلا شيء أيضاً أثقل حملاً ولا أسرع عطباً من هذا اللقب.
فإن تكون شاعراً يعني أن تكون إنساناً حراً, حريّة مطلقة. ولا أقصد فقط أن تكون حراً في الإدلاء برأيك أو حراً في الذهاب بجنونك حيث شئت قولاً وفعلاً. بل يتطلّب أيضاً أن تكون حراً في وقتك. أن تكون شاعراً يعني أن تكون بتصرّف الشعر وكأنك نذرت نفسك له. فهو ككل حالات الإبداع يأتيك متى شاء, فيلغي لك موعداً ويأخذ لك آخر. ويحجزك ساعات أمام ورقة. ويخرجك من طورك لأيام. ولذا الشعر ترف ليس في متناول أمرأة عندنا. إنه يذكرني بذلك التعبير الجميل (لمورياك) عندما يقول "أنا حصان الشعر الجامح.. لكنني مشدود الى عربة المحراث".
وأن أكتشف أن الشعر قد غادرني لم يخفني, بقدر ما خفت أن يغادرني الحبر أيضاً, وتخونني الكلمات. فأنا إمرأة من ورق. تعوّدت أن أعيش بين دفتي الكتب. أن أحب وأكره وأفرح وأحزن وأقترف كل خطاياي على ورق. تعلّمت ان أكون كائناً حبرياً, ألآ أخاف من رؤية نفسي عارية مرتجفة على ورق.
فأنا أحب عُريي هذا. أحب قشعريرة جسدي العاري أمام بركة حبر. وأؤمن أن الكلمات التي تعرينا هي وحدها التي تشبهنا. أمّا تلك التي تكسونا فهي تشوهنا. ولذا كان عنوان ديواني الثاني منذ عشرين سنة "الكتابة في لحظة عري".
وربما كان لحياة الأمومة والبيت التي عشتها خمس عشرة سنة متتالية أثر في تغيير مزاجي الحبري, ونظرني الى الكتابة. ذلك ان الكتابة لم تعد كل حياتي. بل حياة مسروقة من حياتي الشرعيّة . أصبحتْ أشهى وأصبحتْ أخطر. أصبحتْ حالة مرضية. وعكة حبر, وحالة خوف وذعر من شيء لا يمكن تحديده. أصبحتْ حالة تعددية وقدرة على أن أعيش داخل أكثر من امرأة. أن يكون لي أكثر من نشرة جويّة في اليوم. وأكثر من جسد كل ليلّة. وأكثر من مزاج عشقي, وأن تكون لي يد واحدة لا أكثر أكتب بها كل هذا.. وأسرق بها كل هذا.
(جان جنيه) كان يقول "كنت من قبل أسرق, اليوم صرت أكتب الكتب" وبإمكاني أن أقول العكس: فلقد بدأت كاتبة, وانتهيت سارقة. فالكتابة بالنسبة لي مواجهة مع الواقع المضاد. إنّها نهب وسطو دائم. فأنا أسرق الوقت لأكتب. وأسطو على مكتب إبني لأكتب, وأتحايل على من حولي لأخذ موعداً مع الورق.
وسأظل أنهب الكلمات كما ينهب بعضهم السعادة. ذلك أنّ الكتابة هي المغامرة النسائية الوحيدة التي تستحق المجازفة. وعلي أن أعيشها بشراسة الفقدان كمتعة مهددة.
لقد عشت عدة سنوات دون مكتب ودون غرفة للكتابة. أنقل أوراقي من غرفة الى أخرى. الأن كل الغرف من حولي كانت محجوزة, تعوّدت أن أسكن ذاتي. ولأن كل الأبواب كانت مغلقة حولي فتحت يوماً خطأ باباً كان لا بد ألا أفتحه. وإذا بي أمام نفسي. وإذا بي روائية.
لأراغون مقولة جميلة "الرواية هي مفتاح الغرف الممنوعة في بيتنا" يوم قرأتها أدركت أنني دخلت الرواية دون أن أدري. وأنا أفتح ذلك الباب بحشريّة وفضول. وإذا بي أصاب بالدوار والذهول وانا أقع على امرأة توقعتها غيري.. وإذا بطوفان الكلمات يذهب بي نحو نصّ مفتوح ومخيف في نزيفه. لم يكن إلا رواية سيكون حجمها أربع مئة صفحة ويكون إسمها "ذاكرة الجسد".
عن هذه الرواية التي كان لها قدر أكبر مما توقعت, لن أقول لكم شيئاً. فأنا لست هنا لأروج لها. إنني اعتبر صمت الكاتب بعد كل كتاب جزءاً من إبداعه.
فالكاتب عليه أن يقول كل شيء في كتابه وليس بعد صدوره. وليس عليه أن يقول أكثر مما كتب ليشرح للآخرين ما كان ينوي قوله. كل كتابة لا بد أن تؤدي الى الصمت. ولذا الأجمل أن يصمت الكاتب بعد كل كتاب أحتراماً لذكاء القارىء. ولأبطال لم يعودوا في حاجة إليه بعد الآن.
ولكن ما أريد قوله, هو أن الكتابة مشروع شخصي. ورحلة لا يقوم بها المسافر إلا وحده. لسبب وحده معني به.
وحتماً إن رحلة على هذا القدر من المجازفة والمواجهة تكون شاقة أكثر بالنسبة الى المرأة التي تدفع مقابلها ثمناً مزدوجاً. هو ثمن الكتابة.. وثمن الأنوثة.
أمّا إذا كانت جزائرية وتكتب باللغة العربية, فهي معرّضة لمخالفتين إضافيتين, الأولى أن تدفع ثمن هويّتها والثانية ثمن اختيارها الكتابة بلغة محفوفة بالمخاطر أكثر من غيرها.
فهل نعجب بعد هذا, أن لا يكون لنا في الجزائر شاعرات أو روائيات باللغة العربية. على ألأقلّ بما يعادل باللغة الفرنسية على قلّتهن. وهل نعجب أن يكون ديواني الصادر سنة 1973 في الجزائر أوّل ديوان شعري نسائي باللغة العربية. وأن تكون روايتي (ذاكرة الجسد) الصادرة بعد ذلك بعشرين سنة تماماً. هي أيضاً أول عمل روائي نسائي باللغة العربية. وكأن الأدب الجزائري المكتوب باللّغة العربية لم يكن ينتظر غيري طوال عشرين سنة. في بلد تتخرّج عن جامعاته كلّ سنة آلاف الطالبات, بإتقان للغة العربية.
إن اكتشافاً كهذا لا يملأني زهواً فأنا أعي أن وجاهتي الأدبية تعود لمصادفة تاريخية وجغرافية, ليس أكثر.
بقدر ما يملأني بإحساس غامض بالخوف على اجيال لن تعرف متعة الكتابة بهذه اللغة. بل وقد لا تعرف متعة الكتابة على الإطلاق. بعد أن حرمها البعض من متعة القراءة أيضاً. وأقنعها أن الكتاب صديق سوء. وأن هناك كتباً مفخّخة تنفجر في قارئها. وأن الكتّاب قطاع طرق يتربصون بالقارىء بين صفحتين, ومجرمون يتنقلون وفي حوزتهم أوراقاً وأقلاماً. وأنهم صنف بشري لا يستحق الحياة.
في زمن ما زالت فيه الحدود مغلقة أمام ما تبقى واقفاً من أقلام. وما زال فيه أنظمة عربية من الجهل, بحيث تخاف حتى من عناوين كتبنا. وتمنع مؤلفاتنا من قبل حتى أن تقرأنا. وثمّة أخرى استرخص فيها دم وشرف الكتاب بحيث يموتون كل يوم مقابل حفنة من الكلمات. نحن نطمح أن تعيش كتبنا.. لا ان نعيش منها. نطمح أن تسافر كتبنا لا أن نسافر على حسابها. نطمح أن لا يشتري القارىء كتبنا على حساب لقمته. لأنه لن يزيدنا ثراءاً.. وإنما يزيد من عقدة ذنبنا.
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
أدب الشغّالات

حتمـاً، ثـمَّـة سرٌّ ما. ذلك أني ما أحضرت شغّالة، من أيّ جنسية كانت، إلاّ وبدت عليها أعراض الكتابة، بدءاً بتلك
الفتاة المغربية القروية، التي كانت تقيم عندي في باريس، لتساعدني على تربية الأولاد، فوجدتُ نفسي أُساعدها على كتابة رسائل حبّ لحبيبها. ومن أجل عيون الحبّ، لا من أجل عينيها، كنت أُنفق كثيراً من وقتي لأجعل منها فتاة "شاعرة" ومُشتهاة، حتى انتهى بي الأمر، إلى العمل "زنجيّة" لديها، بكتابة رسائل حبّ لحبيبها نيابة عنها! خديجــة، التي كنت "زنجيتها"، حسب التعبير الفرنسي، والكاتبة التي تختفي خلف أحاسيسها وقلمها، كانت في الواقع فأرتي البيضاء، ومختبراً لتأمُّلاتي الروائية. أُمِّـي كانت تحلف بأغلظ الأَيمَان بأنّ الفتاة سَحَرَتني، حتى إنني منحتها أجمل ثيابي، وكنت أعيرها مصوغاتي وحقائب يدي لمواعيدها العشقية، وأبذل من الجهد والعناء في تحويلها من فتاة كانت قبلي تغسل ثيابها على ضفاف النهر، إلى فتاة من هذا العصر، أكثر مما كانت تُنفق هي من وقت في الاهتمام بأَولادي. ذلك أنَّ البنت ذات الضفائر البدائية الغليظة، ظهرت عليها مع عوارض حُـبٍّ باريسي لشاب سوري، أعراض الكتابة الوجدانية في سذاجة تدفُّقها الأوّل. وأخشى إنْ اعترفت بأنني كنت أيام إقامتها عندي أكتب "ذاكــرة الجســد"، أن يستند أحدهم إلى مقالي هذا، مُلمِّحاً إلى احتمال أن تكون شغّالتي مَن كَتَبَت تلك الرواية، نظراً إلى كونها الوحيدة التي لم تنسب إليها الرواية حتى الآن.
عندما انتقلت إلى بيــــــروت، بَعَثَ لي اللَّــه، سيِّـدة طيِّبة وجميلة، من عمري تقريباً، جَمَعَت، على الرغم من مظهرها الجميل، إلى مُصيبة الفقــر، لعنة انقطاعها باكراً عن التعلُّم. لـــــذا، ما جالستها إلاّ وتنهَّدت قائلــة: "كم أتمنَّى لو كنت كاتبة لأَكتُب قصَّتي". وراحـــت تقصُّ علـيَّ مآسيها، عساني أستفيد منها روائياً، وربما سينمائياً، نظراً إلى ما تزخر به حياتها من مُفاجآت ومُفاجعات مكسيكية. ماري، التي كانت تَجمَع كل ما فاض به بيتي من مجلات، وواظبت على القراءة النسائية بفضلي، مازالت منذ سنوات عـدَّة تتردَّد علـيَّ في المناسبات، ولا تُفوِّت عيــداً للحُبِّ إلاَّ وتأتيني بهدية. في آخر عيــد للحب أهدتني دفتـراً ورديـاً جميلاً لكتابة المذكرات، مرفوقاً بقلم له غطاء على شكل قلب، وكتبت على صفحته الأُولى كلمات مؤثِّـرة، بشَّـرنـي زوجي عند اطِّلاعه عليها بميلاد كاتبة جديدة!
جاءت "روبــا"، وهو اسم شغّالتي السريلانكية التي عرف البيت على أيامها، العصر الذهبي لكتابة الرسائل واليوميات. فقد استهلكت تلك المخلوقة من الأوراق والأقلام، أكثر ممّا استهلكنا عائلياً جميعنا، كتّابـاً وصحافيين.. وتلاميذ. وكنت كلَّما فردت أوراقي وجرائدي على طاولة السفرة، جاءت "روبـــا" بأوراقها وجلست مقابلة لي تكتب(!)، وكان أولادي يَعجبون من وقاحتها، ويتذمّرون من صبري عليها، بينما كنت، على انزعاجي، أجد الْمَشهد جميلاً في طرافته. ففي بيت عجيب كبيتنا، بدل أن تتعلَّم الشغّالة من سيدة البيت طريقة "حفر الكوسة" و"لف الملفوف" وإعداد "الفتُّوش"، تلتحق بـ"ورشة الكتابة" وتجلس بجوار سيِّدتها، مُنهمكة بدورها في خربشة الأوراق.
وعلى الرغم من جهل زوجي للغة "الأوردو" و"السنسكريتية"، فقد كان أوّل مَن باركَ موهبة الشغّالة، واعترف بنبوغها الأدبي، إلى حدِّ تساهله معها في ما لا تقوم به من شؤون البيت، بحُكم وجودها معنا، على ما يبدو، لإنجاز كتابها، واعتبار بيتنا فندقاً للكتابة من تلك الفنادق التي تستضيف الكُتّاب على حساب مؤسسات لإنجاز أعمالهم الأدبيّة. حتى إنه أصبح يناديها "كوماري"، على اسم الكاتبة السريلانكية الشهيرة "كوماري جوديتا"، التي كانت آنــذاك مُرشَّحة لرئاسة "اليونسكو"، وراح يُحذِّرني مازحـــاً من أن تكون البنت مُنهمكة في كتابة مُذكّراتها عندنا، وقد تفشي بكثير من أسراري، وتصدر كتابها قبل كتابي، وقد تصرُّ على توقيعه في معرض بيروت للكتاب، أُسوة بالشغّالة السريلانكية التي تعمل عند الفنان الراحل عارف الريس، التي كانت تقوم نهاراً بأشغال البيت، وترسم سرّاً في الليل، مستفيدة من المواد المتوافرة في مرسم سيِّدها. و كانت عَظَمَة عـــــارف الريس، في تبنِّي موهبة شغّالته، بدل مُقَاصصتها بدل سرقة بعض أدواته، بل ذهب إلى حدِّ إقامة معرض فني لها، تـمَّ افتتاحه برعاية سفير سريلانكا في لبنان.
ولو أنّ أُمِّـي سمعت بتهديدات زوجي لي، بأن تسبقني الشغّالة بإنجاز كتابها، لردَّدت مَثَلَها الجزائري الْمُفضّل "العود اللي تحقــرُو هـــو اللّــي يعميــك". وهو ما كان يعتقده إبراهيــم الكونــي، حين قال "خُلق الْخَدَم ليثأروا منَّا، لا ليخدمونا".
أمَّـا مناسبة هذا الحديــث، فعودة ظهور الأعراض إيّاها، على شغّالتي الإثيوبية، التي لا تكتفي بتقليد ملابسي وثيابي، ومُتابعة نظام حميتي، واستعمال كريماتي، بل وتأخذ من غرفتي أوراقي وأقلامي، وتختفي في غرفتها ساعات طويلة، لتكتب.
أخشى أن تكون مُنهمكة في كتابة: "الأَسوَد يَليق بكِ"!
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
مطلوب "شرطة آداب"

كان لابد أن أُدعى إلى المشاركة في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، حيث العالم العربي ضيف الشرف هذا العام، كي أتنبَّــه إلى كوني غير مُترجَمة إلى اللغة الألمانية.
حتى إنني كدت أعتذر لفريق العاملين على ترجمة النصوص الْمُقدَّمة في هذا اللقاء، لكوني كاتبة محدودة الألسن، مقارنة بقائمة اللغات التي يشهرها في وجهك كتّاب مدجّجون بجيش من المترجمين، قصد الذهاب لمنازلة اللغات الأجنبية، في معركة قد يتغيّب عنها القارئ الغربي الْمُطارد بكل الوسائل الْمُتاحة في ظرف كهذا.
ولولا العناية الإلهية التي وضعت جائزة نجيب محفوظ في طريقي، وجعلت بالتالي من الجامعة الأميركية في القاهرة وكيلي الأدبي، لربما كنت مــتُّ من قبلِ أن أرى أعمالي مترجمة إلى لغة أجنبية. وما كان أمر الترجمة ليؤرِّقني، أو يهزّ مضجعي الأدبي، فأنا أكتب للقارئ العربي، وهو الذي كرّسني باقتناء ما يقارب الثلاثمئة ألف نسخة من مجمل أعمالي (عدا النُّسخ الْمُقرصنة). وثمَّة زهو لا يعادله زهو، أن تكون مقروءاً أولاً بلغتك ومن أبناء أُمتك، وأن تصرَّ على الكتابة بهذه اللغة المحفوفة بالمخاطر، المسيّجة بالنوايا المبيّتة والسكاكين المشحوذة، وأن تكون جاهزاً إن اقتضى الأمر للموت، مقابل حفنة من الكلمات.. العربية.
ذلك أنّ عليك أنْ تختار منذ البدء، لمن أنت تكتب؟ ولماذا؟ حتى لا تفقد بوصلة الكتابة أثناء مطاردتك قارئين نقيضين.
بل إنك لا تنجح في ملامسة وجدان نقيضك الآخر، إلاّ بقدر ذهابك نحو الأعمق في ذاتك وفي خصوصيتك، من دون الحاجة إلى أن تبيعه عيوباً مُلفّقة لعروبتك، وعُقداً وفضائح يملك الغرب ما يفوقها.
غير أنّ البعض أدرك، أنه لا يمكن اختراق الحصون الثقافيّة الأوروبية بقامة عربية شامخة، وأن عليه خلع قناعاته القومية، ودهن جلده بشعارات التسامح، ومناهضة العنف ومباركة عولمة المهانة، ليتمكّن من الانزلاق إلى رفوف المكتبات الأوروبية، كنموذج عن العربي الخيِّر.. غير الهمجي ولا الدموي كأبناء جلدته من المجرمين.
في زمن النزوح إلى اللغات الأجنبية، بحثاً عن ملاذ آمن ومكسب سريع وجوائز سمينة، ثمّة عشرات الكتّاب العرب الذين يقاومون، على حسابهم، النداء السحري لحوريات الفرانكوفونية
والأنجلوساكسونية وغيرهما، دفاعاً عن لغة أضحت كأبنائها متّهمة بكونها لغة الدم، وحاضنة جينات الإرهاب، وسبباً لِمَا حلّ بنا من مآسٍ، حسب تصريح حديث لكاتبين فرانكوفونيين من المغرب العربي، أدلى أحدهما بتصريحه هذا في معرض الجزائر للكتاب، أمّا الثاني، بما عُرف عنه من انتهازية أدبية وتوظيف قلمه لمسح أحذية الأقدام الغربية والإسرائيلية، فقد شنّ في الصحافة الألمانية هجوماً على الأدب العربي وكتّابه، من قبلِ أن يُفتتح معرض فرانكفورت، في مقال له بالألمانية عنوانه سيرك العرب في فرانكفورت. ولقد حضرت لهذا الكاتب قراءات من روايته الجديدة، التي تدور (أيضاً وأيضاً) حول سنوات الظُّلم والتعذيب في السجون المغربيّة منذ أكثر من ربع قرن، ولم أستطع الاستماع إليه أكثر من عشر دقائق، لفرط غيظي، ولفرط تقمُّصه بطولة متأخِّرة، بعد أن فرغت السجون المغربيّة من أسراها، وامتلأت جيوبه من استثمار مآسيهم.
البعض عثر على أوطان جاهزة للتصدير في كتاب. وثمّة أسماء نسائية ورجالية مكرّسة غربياً، لأنها كرّست الصورة التي يحلو للغرب أن يرانا عليها.. أسماء بنت مجدها على نهشنا، وفي أحسن الحالات، على بيع صورة فلكلورية أُعيد طبخها أدبياً، لمجتمعات ما عادت تُشبهنا، بل توقّف بها الزمن، حيث توقّفت ذاكرة أُولئك الكتّاب مع أوطانهم.. منذ ثلاثة عقود.
ذلك أنّ ثمَّة مَن أُصيب بهَوَس العالمية والانتشار، إلى حدِّ نسيان قضيته الأُولى ككاتب عربي، واستبدالها بمهمّة إلقاء القبض على القارئ الغربي، بذريعة أنه بحكم سطوة اسمه غدا وكيلنا الحصري لتقديم صورتنا للغرب.
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
برنامج خليك بالبيت تلفزيون المستقبل

برنامج خليك بالبيت تلفزيون المستقبل
الثلاثاء 2 /12/2003
بعض ما قالت السيدة أحلام مستغانمي خلال اللقاء مع الإعلامي زاهي وهبي:

 هذه إحدى معجزات الكتابة بإمكان كاتب أن يخترق كل هذه الحدود .. أنا أحلم أن أذهب إلى فلسطين و لكن كتبي تجاوزت ليس فقط الحدود بل دخلت الزنزانات.

 يوم كنت أقترف الشعر قلت : أنا المرأة الزوبعة فقل للنخيل يطأطأ حتى أمر .

 حتى لا أحرض الغبار عليّ أنا لم أختر أن أكون زوبعة و لكنني ولدت في عين الإعصار ثم أن أكون زوبعة لا يعني أن أكون امرأة مدججة.

 أنا امرأة عزلاء لا أملك إلا ورقة و قلم و لكن كما يقول أدونيس :الريح عزلاء و لكنها تنتصر في كل الحروب.

 النجاح اعتداء على الآخرين لأنه يفضح فشلهم.

 أنا لا أريد مكاسب صغيرة أفضّل عنها الخسائر الكبيرة.

 نحن لا نكتب كتب لنقضي حياتنا في الدفاع عنها بل لتدافع هي عنّا حتى بعد مواتنا.

 مأساتي أنني لا أتوقع الشر من أحد.

 المبدع يرد على كل فاجعة بكتاب لا يرد بمعارك .

 كنت أبحث عن أعداء شرفاء عن معارك فيها نبل .

 خادمتي كانت بالنسبة لي أكثر شرفاً ممن يدعون حمل راية الشعر و النضال.

 أنا أشفق على الكاتب الذي ليس له أعداء تصور كاتب ليس له أعداء .

 يعتقد النقاد أنهم هم من يحاكمون العمل الإبداعي بينما العمل الإبداعي هو من يحاكمهم .

 الشبهة مؤنثة و الخطيئة مؤنثة .

 حرضني الماضي و حرضتني ذاكرتي .

 تقول والدة الرئيس أحمد بن بللة : الطير الحر ما يتمسكش و عندما يتمسك ما يتخبطش .

 الرواية هي آخر حقيبة لتهريب التاريخ .

 كيف أتحايل على الرقابة العربية .. على نقاط التفتيش .. كيف أهرّب هذا التاريخ المتآمر عليه .

 أفضّل الشعر على الشعراء كما يفضل الناس الحب على الحبيب .

 أريد أن أوصل رسائل مشفرة إلى القارئ ..أن أحرضه أحرضه على الثورة على الحياة على الحب على الأشياء الجميلة .

 أنا عندي كبرياء ما عندي تكبر .

 أحتاج إلى كبريائي ككاتبة و أحتاج إلى كبريائي لأواجه الورقة البيضاء و أحتاج كبريائي بالنسبة للناس الذين عندهم سلطة .

 أنا لست كاتبة بنزعات إجرامية و لكن ثمة أبطال لا بد أن أقتلهم دفاعاً عن النفس .

 سأكتب رواية عن الحب أريد أن اكتب حب أريد أن أرتاح أنا في الواقع الأحداث العربية أتعبتني .. أنا بلغت سن الفاجعة سآخذ إجازة نفسية أكتب فيها عمل عاطفي لكن الأعمال العاطفية لا تنجو من السياسة و لكن الحب يطغى الحب بقى و اجمل .
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
الاثنين 7/6/2004
برنامج نلتقي مع بروين حبيب على قناة دبي الفضائية
بعض اقوال أحلام مستغانمي في لقاء خصت به البرنامج في حلقته الأولى:


 كل ترويج لكتاب هو مضيعة لكتاب آخر.

 هناك قصاص أن تولد كبيراً ...لكل كاتب الحق في أن يخطأ أما أنا ليس من حقي لأن ثمة من يتربص بي.

 يقول بورخيس : بإمكان المبدع أن يخترع أسطورة و لكن ليس بإمكانه أن يشرحها.

 الكاتب يذهب إلى الكتابة لأنه لا يملك أجوبة.

 أريد أن أكسب القارئ الذي صمد في وجهي.

 من أجل إرضاء قارئ واحد تحدث معجزات.

 الكتابة تحدث بين حبين و الحرمان هو حبر الكتابة و الأدب يتغذى من هذه الفاجعة.... الحب أكبر خطر على المبدع.

 إن حباً كبيراً و هو يموت أجمل من حب صغير و هو يولد.

 أبحث عن مكان أطل فيه على نفسي.

 محظوظة برجالي بدءاً من أبي لأنه كان بالإمكان أن انطفئ منذ البدء.

 سندي الأول هو زوجي...صعب أن تواجهي المجتمع وحيدة ككاتبة.

 زوجي لا يقرأ النصوص قبل أن تنشر لذا أنا متحررة من الرقابة الزوجية.

 أنا آخر إنسان يجيب عن سبب انتشار رواية ذاكرة الجسد.

 أحب عناقيد المعاني و العنوان المفتوح على احتمالات أخرى.

 جرائم الشرف الأدبية لا يغسل دمها إلا الحبر و مزيد من الكتابة.

 داخل كل مبدع كائن هش سريع العطب.

 أحتاج إلى عزلتي... لا أحب الضوء لأنه يحرق شيئاً في داخلي.

 الاجتياح العاطفي يخيفني.

 الكاتب يتواجد بغيابه لا بحضوره مكانه بين دفتي كتاب ليس أكثر.

 على الكاتب الذي لا يجعلنا نغير رأينا بعد قراءته أن يغير مهنته.

 نحن نحتاج إلى عدة رجال في الحياة لصنع بطل حقيقي في رواية.

 رجالي أنا اخترعهم ثم أذهب ضحية أبطالي.

 كنت بحاجة لقتل خالد ( بطل رواية ذاكرة الجسد ) حتى أشفى منه.

 أنا لا أقرأ روايات ...أقرأ ما يحوم حول الرواية.

 لتكتب رواية يجب أن نتغذى من كل شئ.

 الكتاب ينجح عندما ينسبه القارئ إلى نفسه.

 أنا متصالحة مع الرجل ... ليس عندي تصفية حساب مع الرجل.

 الرجل جميل في رواياتي و هذا سر إعجاب الرجال برواياتي.

 رواياتي ليست تصفية حساب مع الرجال بل مع ذاكرتي و مع التاريخ.

 الشعوب تخلق طغاتها و تنادي عليهم.

 قانا إن لم أدخلها شهيدة أستحي أن أدخلها سائحة.

 أنا شرفي جواز سفري ... هناك دول لا أزورها.

 أنا امرأة لا تحسد أنا لا أغار من أشخاص بل أغار من أوطان.

 يقول أستاذي جاك: لا وجود لدول متخلفة بل لأوطان تخلف أبناؤها عن حبها.
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
لقاء السيدة احلام مستغانمي مع جريدة البيان:


احلام مستغانمي لـ (البيان) : القصيدة للحبيب والرواية للوطن

عندما كانت الشاعرة الجزائرية المقيمة في لبنان أحلام مستغانمي تفقد حبيباً (وهذا افتراض) كانت تكتب قصيدة, وعندما فقدت الوطن او تكاد
, كتبت الرواية, وأبرزها روايتها (ذاكرة الجسد) , ثم (فوضى الحواس) حملنا اليها بعضاً من أسئلتنا في الحوار التالي:
لماذا الشعر للحبيب, والرواية للوطن؟ ــ تقول مستغانمي:(محطاتي الادبية الاولى كانت شعرية, انتقالي الى الرواية تم دون أن أدري فالشعر مرتبط الى حد ما بالمراهقة الأولى, اذا فقدنا حبيباً (نكتب شعراً) , لكن عندما نفقد وطناً (نكتب رواية) .
لماذا؟ ــ (لانه تصبح لدينا أسئلة أكبر من الشعر فالرواية ترتبط بوعي كبير وتحتاج الى رصيد من الحياة, لنتمكن من انجازها, وهكذا انتقلت الى الرواية ولم أغادر الشعر, ما زلت أكتب روايات فيها النفس الشعري) .
هل من صعوبات واجهت عملية الانتقال أدباً والتنقل جغرافياً بين الجزائر وباريس وبيروت؟ ــ (قبل أي شيء بالنسبة للصعوبات اقول انه بالرغم من انني حاصلة على ليسانس آداب من الجزائر, إلا أنني بصراحة لا أعرف كيف تكتب رواية ولهذا كتبت روايتي بصيغة الرسالة وبالرغم من ذلك نجحت (ذاكرة الجسد) . لكن ثمة صعوبات على المستوى الشخصي, فهذا اول عمل قمت به بعد صمت دام حوالي خمس عشرة سنة, فالعودة مجدداً الى الكتابة صعوبة في حد ذاتها, مع العلم ان الانقطاع كان لظروف الزواج والأمومة ولأنني كنت أقدم آنذاك أطروحتي في جامعة السوربون (باريس) عن الأدب الجزائري, استغرقت خمس سنوات من العمل. اضافة الى ان الجو في فرنسا لم يكن جواً للكتابة, كما هو الحال في بلادنا العربية, فكنت منقطعة تماماً عن العالم, ومتفرغة فقط للأمومة, وربما لهذا بدأت أعتقد ان الترف والحياة المريحة جداً والرفاهية لا تعطينا أدباً بل يجب ان نستقيه من شيء آخر كنت اريد ان اكتب نصاً عربياً جميلاً, وأعلن انني لم امت ككاتبة, واني سأعود بنص عشقي جديد للجزائر, مليء بالحنين والشوق. كل هذه الامور تداخلت وولدت نصاً كبيراً.

صنعت رجلاً لروايتي
لماذا كتبت (ذاكرة الجسد) على لسان الرجل الذي برز فيها في أدق المشاعر الوطنية والثورية والعاطفية؟ ــ (ليس صعباً) ان اتقمص شخصية رجل, فأنا محاطة برجال, وأعرف عنهم الكثير بوجود أولادي وأخوتي وزوجي وقد عبرت في روايتي عن أعماق هذا الرجل بلسانه, لان هذا الوجع بالذات لا يمكن ان اتحدث عنه كإمرأة فخمسون سنة من الخيبات لا يمكن نقلها الا بلسان رجل كما ان القارىء لن يأنس الى ان تكون هناك امرأة تركت حياتها بكل تفاصيلها الأنثوية الطبيعية وتفرغت للانتصارات العربية والقضايا السياسية والقومية, ان رصيد هذا الوجع ومصداقيته يفرضان ان يكون على لسان رجل بصفة المتكلم. لذلك (استنجدت) برجل في روايتي لأعبر عن كل ذلك ورغبت ايضاً ان أتبرأ من (تهمة) الأدب النسائي, فعملت على أن اثبت من النص الاول انه بإمكاني التحدث كرجل, ومن بعد تقديمي لهذه الشهادة اصبح بإمكاني العودة الى أنوثتي. اذن كان من المهم ان اصنع رجلاً لان تاريخ الخمسين سنة الذي مر على الجزائر لا بد ان يحكيه شخص معني به, شخص لا يكون كالبطلة عمره 25 سنة بل يجب ان يكون عمره على الأقل 50 او 65 عاماً, وعندما اخترته اصبحت متورطة معه, بجسده وبكونه معطوباً, تورطت بكل ذاكرته وأعتقد أنني نجحت في وصف الرجولة بشكل جميل ومعبر.
هل جعلت رجلاً (ذاكرة الجسد) يعيش الصراع في حبه ايضاً؟ ــ (ليكون هناك عمل أدبي عظيم يجب ان يكون هناك حب أكبر منه يجعل ملكة الكتابة تتحرك فينا فتشتعل هذه الرغبة في كتابة ما نريد التعبير عنه لأن العواطف المسطحة لا تصنع أدباً, لكن هذا الكلام ليس من الضروري ان يكون منطبقاً تماماً علي وعلى خالد بطل الرواية, فكما قلت سابقاً ان خالداً هو بطل خيالي, وهو الرجل العربي المثالي الذي أردت ايصال صورته الى العالم أجمع, ولكن هذا لا ينكر وجود الحب في حياتي والعذاب الذي أصاب من أحبوني سابقا) .

اناس سريعو العطب
وهل استطاع ذلك الرجل ان يجمع بين الثأر والغضب من جهة والحب والحنين من جهة اخرى وكيف؟ ــ (هذه هي لعبة الكتابة, فلا يستطيع احد ان يزعم انه كاتب وليس بمقدوره ان يوقف بين عاطفتين متناقضتين, وايضاً لأن الأدب لا يصنع الا بالغضب, والحب جزء من الألغاز الجميلة التي يبنى عليها الأدب وروايتي مبنية على لغزين: الموت والحب فنحن لا نعرف لم نحب ولا لم نموت.. وبالرغم من أنني أحاول أن أوفق بين العاطفتين إلا ان الغضب يبقى هاجسي وهاجس المواطن العربي هذا بالاضافة الى ضعفه تجاه الحب وأخذه بالحالة العشقية كإنسان عربي ايضاً, وهاتان العاطفتان توصلانني الى الحالة الشعرية ولهذا فاللغة الشعرية موجودة في رواياتي ولا نعبر عن الحب وحده بلغة جميلة انما عن الغضب ايضاً, وأفضل مثال على ذلك الشاعر نزار قباني الذي هو أفضل من نقل الغضب العربي بشراسة اللغة وجماليتها. وأنا هنا لا أدعي مضاهاته بل أفسر كيف يمكن ان تكون اللغة هي القاطرة التي تحمل العواطف وان متناقضة ففي النهاية نحن مسكونون بهذه الحالات التي تتناوب علينا ولسنا في حالة ثبات دائم ولكن قدرنا نحن العرب ان نعيش بين الخيبات العربية والحب. هذا بالاضافة الى الحالة العشقية حيث ان كل عربي يبحث عن الحب والذي هو بحاجة اليه اكثر من أي جنس بشري آخر, لاننا اناس سريعو العطب من الداخل, شاعريين وحالمين, نملك احلاماً كبيرة فتنكسر بسرعة وندخل بسرعة في حالة خيبة ونراهن كثيراً على من نحب ثم نصدم كثيراً بمن أحببنا, وهذا كله يخلف لدينا هذه المشاعر المتناقضة.

باقية على قيد الكتابة
أين ترى احلام مستغانمي (جزائرها وجزائريتها) في رواياتها؟ ــ (طبعاً) أنا معنية بما يحدث في الجزائر, معنية كمواطنة جزائرية فلا يمكن ان اشفى من هويتي, ومعنية لان في الجزائر ستون صحافياً وكاتباً اغتيلوا بتهمة الكتابة, فأنا اشعر دائماً انني أثأر لهؤلاء ببقائي على قيد الكتابة وليس فقط على قيد الحياة. ولا بد ان اؤرخ لما يحدث, حيث ان كل هذه الاحداث والتغيرات حصلت في عشر سنوات بالنسبة لتاريخ أمة, ففي هذا الظرف القليل دخلت الجزائر المتاهة الدستورية والتاريخية وهذا يتطلب مني الكتابة للأجيال القادمة. (ذاكرة الجسد) تحكي عما قبل الثورة وانتفاضة الشعب حيث قتل 45 ألف جزائري في العام 1945 اي قبل حرب التحرير وفي مظاهرة واحدة ثم جاءت حرب التحرير التي قتل فيها مليون ونصف مليون مواطن, ثم الآن حوالي 100 الف شهيد قتلوا في مذابح لا اسم ولا صفة لها فيجب ان نصف ونشرح كيف وصلنا الى هذا الدم, كيف مشى بنا التاريخ, كيف ذهبنا بأحلام كبيرة ثم تواضعت هذه الاحلام, هذا كله يورط الكاتب في التاريخ لأنه لا يمكن ان نفهم كل هذا الا بالعودة الى الوراء وهكذا فإن روايتي لديها بعد تاريخي عاطفي حيث ان القارىء لا يعنيه ان يقرأ فقط تاريخ أمة او بلد ما.
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
لقاء السيدة احلام مستغانمي مع جريدة البيان
بتاريخ 30 / يونيو / 2000


استنكرت الخبطات الصحفية ودعت لمناظرة مع سعدي يوسف،
أحلام مستغانمي: أحتاج إلى أعداء شرفاء
.


أعربت الروائية الجزائرية احلام مستغانمي عن استيائها الشديد من المقالات الصحفية التي اشارت الى ان الشاعر العراقي سعدي يوسف هو الذي كتب روايتها الاولى (ذاكرة الجسد) داعية الشاعر الى لقاء تلفزيوني (لازالة اللبس) . وقالت مستغانمي في حديث لوكالة فرانس برس من منزلها في كان جنوب فرنسا (رغم نفي سعدي يوسف لما نقل

وكانت صحيفة (الخبر الاسبوعي) الجزائرية ذكرت اخيرا ان الشاعر العراقي اسر الى اصدقاء له بانه الكاتب الحقيقي للرواية. ورغم نفي سعيد يوسف في احاديث صحفية ان يكون وراء رواية مستغانمي فان الموضوع اصبح مادة دسمة في وسائل الاعلام العربية التي تناولته باستفاضة. واوضحت مستغانمي علاقة الشاعر بالرواية قائلة (التقيت بسعدي يوسف في باريس عام 1988 إثر انتهائي من كتابة الرواية, وكان يعمل في مجلة يصدرها زوجي) مضيفة (كنت في حالة ذعر عند فراغي من كتابي الأول وكنت بحاجة إلى أناس من خارج العمل ليقرأوه) . وتابعت خلال الحديث الهاتفي (أعطيت المخطوط لسعدي فتطوع بلطف وكرم منه وألقى نظرة على النص ووضع ملاحظاته التي أصابتني في الواقع باحباط, ولم أستفد منها. كما أفهمني أنه لا بد من إعادة كتابة كل النص, لأن وجهة نظره قريبة من الأدب الأمريكي, وأنا أكتب نصا مفتوحا ولا أعرف أن أكتب إلا بهذه الطريقة) . واضافت (طبعا استفدت من ملاحظاته في إعادة كتابتي للنص. لكن سعدي يوسف ليس له في هذه الرواية كلمة واحدة. وإلا فكيف كتبت روايتي الثانية (فوضى الحواس) إذن؟) . وتعكف أحلام مستغانمي حاليا على كتابة روايتها الثالثة التي ستحمل عنوان (سرير لرائحته) والتي (لا تزال تحتاج إلى الكثير من العمل) حسب تعبيرها. وتضيف الروائية الجزائرية (في البدء التزمت الصمت ووجدت في الأمر مزاحا بنوايا سوداء, فحاولت أن أهيمن بصمتي على جمهوريات الثرثرة) مضيفة (الا ان ثمة دائما من يحاول استدراجك إلى معارك لا نبل فيها ولا شرف لأصحابها, حتى إن أجبتهم خرجت ملطخا بوحل مستنقعاتهم وإن صمت ترفعا, وجدت في الناس من يصدقهم) . ردا على سؤال حول سبب اتساع نطاق المسألة في الاعلام العربي قالت مستغانمي ان (القضية كبرت فجأة وأخذت بعدا مذهلا وكأن البعض يستخسر في المرأة نجاحها ويستكثر على الجزائر كتابها) مضيفة (أفهم أن يجد البعض في نجاحي اعتداء شخصيا عليه, فالنجاح لدى العرب جريمة يقاصص عليها صاحبها وتقاصص عليها المرأة بالذات, لأنها وإن تكن اكتسبت حقها في العمل والكتابة, فهذا لا يعني أنها اكتسبت حقها في النجاح والتفوق على الرجال) . واضافت مستغانمي (أنا لا أعرض كتابي على شخص آخر ليكتب لي وإنما ليشطب لي, حتى الناشر سهيل إدريس (صاحب دار الاداب البيروتية), لم أقبل بأن يزيد كلمة على الكتاب ولم أقبل حتى ببعض ملاحظاته اللغوية, والكتاب حذفت منه خمسون صفحة ولم يتم زيادة أية كلمة عليه. إدريس شاهد على ذلك) . واضافت (فجيعتي أخلاقية وليست أدبية. أنا أبحث عن أعداء شرفاء, عن معارك فيها نبل, عن أناس يهدوني أخطائي لا أخطاءهم, فأنا لست مسئولة عن فشل الآخرين) . وتابعت (لا أنتظر من هذه الأمة (العربية) التي أوصلت مي زيادة إلى الجنون وباحثة البادية إلى الانتحار وسعاد الصباح إلى السكوت, ودفعت بمعظم الكاتبات العربيات إلى الهجرة, لا أنتظر أن تنصفني, الكاتب لا ينصفه إلا الموت) . واضافت مهاجمة بعض الصحافة العربية والنقاد (نحن نحتاج إلى موتنا لنعرف إذا ما كنا كتابا حقا, نحتاج إلى الوقت ليحكم لنا أو علينا, بعيدا عن الضوضاء, ومخطوطاتي موجودة في متناول تاريخ الأدب والنقاد الحقيقيين الذين يوثقون لكلامهم ولا يستقون أخبارهم من الحانات والسهرات بهدف التسلق على قامة المبدعين في خبطة صحفية عابرة) . وقالت في اشارة الى كتابتها بالعربية وليس بالفرنسية التي تتقنها تماما (أنا أعاقب لأني باقية على قيد العروبة ولم أعمد كغالبية الكتاب الجزائريين الى الكتابة بالفرنسية حيث يحصدون الكثير من التقدير والعديد من الجوائز العالمية)
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
أحلام مستغانمي في حوار لـ المستقبل:
هذه المرة سأخرج عن الجزائر إبداعا


إلتقينا بالروائية والأديبة احلام مستغانمي التي أشرفت على جائزة مالك حداد للعام الماضي، حدثتنا عن هذه الرحلة من سوريا الى الجزائر مرورا بباريس، وعن ولوجها لعالم الكتابة الروائية والأدبية مؤخرا وعن روايتها الجديدة "الحب الخاص" وعن الترجمة التي رصدتها كتاباتها وأشياء حميمية أخرى كصداقتها بأنعام بيوض مثلا.

المستقبل:
من سوريا الى الجزائر، كيف كانت طفولتك وفترة المراهقة وماذا عن صداقتك بأنعام بيوض

أحلام مستغانمي: ولدت في تونس من أب ذو جنسية جزائرية كان أبي يهوى الأدب الفرنسي وتعرض للسجن بسبب نشاطه السياسي، ونشأت في محيط عائلي وطني التوجه، وبعد الاستقلال عدت الى الجزائر لأدرس في مدرسة الثعالبية للبنات ومن ثم ثانوية عائشة أم المؤمنين لأتخرج سنة 71 من كلية الآداب ضمن أول دفعة معربة تتخرج بعد الاستقلال من جامعات الجزائر، وطبعا الطفولة ليست كلها سعيدة، هذا يكون طبعا في القصص الخرافية، فوصولي الى الجزائر كان فعلا مؤشرا، كان اكتشافا، أن أقوم بأول رحلة مضطربة وعمري 10 سنوات، وسوف يكون طبعا لهذه النقلة أن تعلمت لهجتين وأصبحت لي مرجعيتان، وطبعا لا نشعر بذلك إلا في الكبر، حيث يشعر بذلك التزاوج، درست في المدرسة الثعالبية ثم ثانوية عائشة أم المؤمنين وهناك التقيت بأنعام بيوض في الصف الأول والثاني والثالث، فكنت في النظام الخارجي وكانت أنعام بيوض في الصف الداخلي، كنت في القسم الأدبي، بينما كانت هي في القسم العلمي، جمعنا هذا التزاوج الثقافي، لأنها ولدت في تونس وربما الذي يجمعنا ميولنا الأدبية، فكنت أكتب قصائد في سن السادسة عشر وأول قصيدة أو أول ديوان صدر لي "على مرفأ الأيام" عام 1971.

ماذا تعني لك الكتابة؟

هي نوع من الانهماك السري في الحياة، هي في البداية مناجاة والكتابة لغة مختزلة، وبعد أن كتبت الشعر، كتبت الرواية التي جاءت متأخرة، جاءت نتيجة لمعايشة أشياء صعبة عجز الشعر عن معايشتها، فبحثت عن فضاء أكبر، لم أكن أنوي النشر في البداية، فعلت ذلك لأخلق وادا أنفخ فيه صراخاتي وميولاتي وكذا كل الأحاسيس التي تخالجني والتي لا يعجز البوح عنها الا القلم والكلمة.

صدرت لك مؤخرا ثلاثيتك المشهورة "عابر سرير" "ذاكرة الجسد" و"فوضى الحواس"، فيما تتلخص أحداث الروايات؟
أحداث الرواية أن خالد الشاب ابن الخامسة والعشرين، يقاتل في احدى جبهات الثورة تحت قيادة "سي الطاهر عبد المولى" وكلاهما من قسنطينة ويصاب في احدى المعارك، فينقل مع عدد من الجرحى الى تونس محملا بوصية من سي الطاهر الى عائلته المقيمة هناك والمؤلفة منه وزوجته وطفله ناصر وطفلة وليدة يسمونها حياة، وهذا يشكل خلفية لأحداث الرواية من خلال تداعيات خالد.

أما الأحداث الحقيقية للرواية بعد 25 سنة من خروج خالد من الجبهة، فيقيم معرضا في باريس وتزوره حياة ويقع خالد في حب حياة بصورة ميلودرامية، حيث بالمصادفة تعرّفه ابنة سي الشريف ابنة عم حياة على نفسها بأنها الآنسة عبد المولى، فترتد ذاكرته الى الوراء فجأة، 25 سنة، ويأمل في أن تكون الأخرى هي الطفلة التي سجلها باسم احلام وليست من تعرفه ويقع حبه لها فورا، هذه باختصار أحداث الرواية.

كيف تمكنت من تحقيق معادلة التعبير عن أحاسيسك بالرسم والكتابة الشعرية والروائية؟

هي محاولة بالأزل، فأنا لا أقوم بجهد حين أرسم، فهي ليست أزرار، هي كالخلية الدموية، والظروف هي التي تجعلنا نشعر بالزخم الشعري، فنحن مثلا لا نطبخ اليوم وغدا نقوم بالأشغال المنزلية، الكتابة والرسم هي ردود فعل لمعايشات.

على ذكر الرسم كيف ولجت لعالمه؟

أعتقد أنني أهوى ذلك منذ الصغر، وهي موهبة نماها أبي الذي اكتشفني، ففي الـ 15 رسمت وجوها وأتذكر أن أول معرض للرسم أقمته كان في المدرسة الابتدائية، وعلاقتي بالرسم لم تكن مزاجية بقدر ما كانت علاقة وجود، لأنني أشعر بنفس القلق، وان أشياء ما تود الخروج مني ولن أكف عن خوض تجربة الرسم حتى تكف أناملي عن الحك، فهناك أشياء أودها أن تخرج.

ما هي أهم الجوائز التي تحصلت عليها أحلام مستغانمي طيلة مشوارها الأدبي؟

تحصلت سنة 1996 على جائزة نجيب محفوظ للرواية عن رواية ذاكرة الجسد التي تمت طباعتها 18 طبعة في مدة زمنية قياسية، وسنة 2001 انشئت جائزة مالك حداد للرواية الجزائرية بالتنسيق مع رابطة كتاب الاختلاف وكذا أكاذيب سمكة، على مرفأ الأيام عام 72، واستطعت عبر رواية واحدة أن أحقق النجومية في الوطن العربي الذي لا يقرأ كثيرا، وهذا مؤشر كبير من طرف الدول العربية على مدى ما استحوذته الرواية من اهتمام يفوق أي كتاب آخر، فرغم أن بداياتي كانت شعرية، لكنها بقيت في ذاكرة كل قاريء.

ما سر اللهجة الطيبة وطلاقة وعذب الصوت؟

عملت في الاذاعة الجزائرية لثلاث سنوات ونشرت قصائد ومقالات في الصحافة الجزائرية ثم تزوجت الصحفي اللبناني نصفي الثاني وعشت في سوريا وتعلمت اللهجة السورية التي اعتبرها ثاني لهجة اعتز بها بعد اللهجة الجزائرية.

هل تعرضت أحلام لانتقادات؟

أنا أعتقد ان الروائي أو الأديب أو الممثل أو أي كان لا يتعرض لانتقاد يعتبر عمله ناقصا، فالانتقاد طبعا البنّاء نوع من التحفيز الذي يساعد على رفع مستوى المنتوج أو العمل الذي نقدمه، فرغم الانتقادات اللاذعة التي تعرضت لها شخصيا والتي مست الروائية احلام مستغانمي من طرف الأدباء الجزائريين وحتى في الخارج، الا أنني اعتبر نفسي من الأقلام المعروفة على الساحة الأدبية، وقد عبر عن ذلك الكثير من الأدباء ليس فقط الجزائريون منهم وإنما حتى في الخارج الذين اعتبروا ثلاثيتي المشهورة من الروايات عرفت انتشارا وتوزيعا كبيرين في الساحة الأدبية.

عرفنا أن كل كتاباتك مركزة أو أحداثها تدور في الجزائر وكل شخصيات الرواية جزائريون، هل عملك الجديد سيكون كذلك؟

روايتي هذه المرة خارجة كليا عن الجزائر وعن الشخصيات الجزائرية، فهي رواية أبطالها لبنانيون وأحداثها تدور في لبنان، وسأحاول ان أعالج هذه المرة عبر هذه الرواية الحب في العالم العربي، وأهديها لكل العشاق في عيدهم "الفالونتيني"، غير أنني أشهد أن العنوان الجديد لم يستقر بعد في ذهني، لكن أعد جمهوري أن الرواية في طريق الانتهاء لأقدم قصة غرامية تسافر بالقارىء الى أجمل الأحاسيس والمشاعر في الحياة.

كلمة أخيرة لمحبي أحلام مستغانمي.

أنا جد سعيدة بتواجدي في الجزائر الحبيبة، ببلدي وسط أهلي والذي أشعر أنني لم أفارقهم أبدا وكل مرة ألتقي بهم أشعر وكأنني معهم دوما.

أجرت الحوار: ك. محيي الدين
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
بدوية.. في أميركا


لاحقاً، سأعود لأُحدثكم عن جولتي في أميركا، التي قصدتها ليس فقط لتلبية دعوة لثلاث جامعات شرّفتني باستضافتي، بل أيضاً لأُلبِّي نداءً مجنوناً داخلي، يتغذّى من قول النفري: "في المخاطرة جزء من النجاة". فقد بدت لي أميركا أأمَـن مكان في العالم، بعدما صدّرت إليه كلّ تشكيلة الأهوال والمخاطر. قلت، هذه بلاد فرغت من المجرمين والقتلة وخلدت إلى الراحة. ولا أرى، في زمن الذعر الكوني، من وجهة للأمان سواها، مستندة إلى نكتة عن ذلك اللبناني، الذي كان أيام الحرب الأهلية، دائم السؤال: "منين عم يطلع الضرب؟" وما يكاد يستدل على المكان، الذي ينطلق منه القصف حتى يركض نحو المدفع كي يضمن وجوده، حيث تنطلق "الضربات"، لا حيث تتساقط. طبعاً، الخطر قد لا يكون هنا ولا هناك، بل في المسافة الفاصلة بين المدفع.. والهدف. بالنسبة إلـيَّ، الْمُخاطرة تبدأ في الوصول إلى أيّ مطار من تلك المطارات الْمَتاهة، التي تمتدُّ نهاياتها كأُخطبوط في كلّ صوب بعدد أحرف الأبجدية، ثمّ تعود لتتفرّع إلى (Gates) وبوّابات، لكل منها منافذ جوية، قد تصل إلى المئة. في هذه المطارات، تُعاودني فطرتي البدوية، وأتحول إلى امرأة أُمِّية بكلّ اللغات، بما في ذلك الفرنسية. لذا حَدَث كثيراً أن تهت في مطار شارل ديغول. وكما يغرق البعض في كوب ماء، أتوه أنا بين حرف وآخر.. ورقم وآخر، سالكة السلالم الكهربائية نحو الاتجاه الخطأ، فلا ألحق الطائرة إلاّ وقد حفظ جميع المسافرين اسمي لفرط ما نادوا عليّ بالمايكروفونات. ولولا أنني سافرت إلى معرض فرانكفورت برفقة الوفد اللبناني، وغادرت المطار كما وصلته ممسكةً بتلابيب جمانة حداد، لاحقة بصلعة عبّاس بيضون، وسرب عبده وازن وعقل عويط، لعاد الكتّاب في العام المقبل ليجدوني كذلك الإيراني المشرّد، المقيم منذ سبع عشرة سنة في مطار شارل ديغول. وقد استوطنت المطار، وفردت أوراقي وألواح الشوكولاتة، وجلست أكتب روايتي، في انتظار أن يتنبّه رئيس التحرير إلى غيابي، فيبعث بفريق إنقاذ ليعود بي إلى بيروت. أولادي وجدوا في جهلي اللغة الإنجليزية، ومعاناتي من "رهاب المطارات"، وإصراري على البقاء قروية في عصر القرية الكونيّة، ذريعة للتطوّع جميعهم، على غير عادتهم، لخدمتي وعرضهم مرافقتي إلى أميركا، بمن فيهم غسّان، المقيم في لندن، الذي ذهب حدّ اقتراح أخذ إجازة من البنك الذي يعمل فيه، والحضور لملاقاتي في مطار باريس، بعد أن خفت أن أضيع منه في مطار لندن! ذلك أن جميعهم خرِّيجو الجامعات الأميركية، ويحلمون منذ الأزل بزيارة الجامعات التي دعتني، ولم أكن قد سمعت ببعضها قبل ذلك. وليد، أصغرهم (21 سنة)، صــاح بالفرنسية "واووو.. "يال" بتعرفي شو "يال" ماما؟ إنها جامعة عمرها 5 قرون، تتنافس مع جامعة "هارفرد" على الصدارة، معظم رؤساء أميركا تخرّجوا فيها". شعرت برغبة في إدهاشه، لعلمي أنه سيرسل ليلاً "إيميل" إلى غسان، لينقل إليه أخبار عجائبي، وأحياناً ليتشاورا في إدارة "مكاسبي"، كتمرين مصرفيٍّ لا يكلفهما أكثر من قُبلة، والاطمئنان على صحتي (ماما.. مارسي الرياضة.. وهل راجعت الطبيب، بالنسبة إلى وجع كتفك؟). قلت: "وأيضاً سأزور جامعة (MiT)، حيث لي محاضرتان". تأمَّلني غير مُصدِّق، وقال: "إنها أشهر جامعة تكنولوجية في أميركا.. عمَّ ستحدثينهم بربِّك يا ماما وأنتِ تستعينين بالشغّالة، كلّما أردتِ استعمال "ريموت كونترول" الفضائيات؟". واصلت لأُجنّنه أكثر: "ثمّ سأُعرِّج على جامعة "ميتشيغن"، وأعود عن طريق نيويورك". لأيام عدَّة، ظلّ وليد يُهاتفني مساءً، بذريعة السؤال عني. يُغازلني بين جملتين "ماما.. أنتِ جميلة هذه الأيام". يستدرك: "أنا لا أُريد شيئاً منكِ.. لكني حقّاً أجدكِ بالنسبة إلى عمركِ جميلة.. أجمل من أُمهات أصدقائي". أُخفي ضحكتي "أدري أنه سيختم المكالمة سائلاً بلطف: "ماما.. خذيني معكِ إلى نيويورك.. پليز إنها حلمي". بعد ذلك، علمت أن ابنة صديقتي ومُترجمتي بارعة الأحمر، التي فضّلتُ أن تُرافقني عوضاً عن الأولاد، الذين كانوا سيهيجون ويتخلُّوا عني في ولاية من الولايات، تعرّضت للابتزاز الأُمومي نفسه من قِبَل ابنتها، المقيمة في كندا، كي ترافقها في هذه الجولة الجامعية. بارعة ظلت ممسكة بيدي وأعصابي، حتى عودتنا إلى مطار نيويورك. وعلى الرغم من كونها تدبَّرت الأمر، كي نفترق، هي إلى مونتريال وأنا إلى باريس، من المطار نفسه، وفي رحلات متقاربة، ما كادت تودّعني وتختفي، حتى ضعت وأخلفت طائرتي.. وقضيت الليل في انتظار طائرة أُخـــرى!
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
أجرى الحوار : مؤيد صلاح اسكيف

ماذا لو خرجت حورية من البحر . . ؟
ماذا لو انسلت أنثى من الحبر . . ؟
لأنها هكذا دوما . . تقف الكلمات على مفترق الطرق . . عارية . . خائفة . . تتسكع ما بين ارتعاشات الليالي وصباحات الكلام, ومن ثم تهرب خوفا على نفسها من مهب الألفاظ , لتختبئ في رحم حبرها . .
هي . . سيدة الرواية شعرا . . سيدة لكل الاحتمالات , سيدة الأحاسيس العابرة للقارات , والانبهار الدائم بلقاء أول . . ووداع أول. .
هي . . سيدة الشعر حبرا . . تصنع منك جثة هامدة للحب دون أن تدري , وتغلق أمامك مطارها كي لا تحاول الإقلاع . . ثم تحيلك إلى براد الذاكرة .
هي سيدة الحب موتا . . إياك أن تمر من بساتينها وحقولها . . إنها ألغام تنفجر شوقا , تنفجر جنونا , ثم تصنع منك لوحة يتيمة , لتغادرك مسافرة نحو مينائها , وأنت تسبح بدهشتك تقضم خيبتك .
فيا صديقي المغامر ( انتبه . . . يمكن لزهرة من الكلام أن تخفي غابة من القتلى )
ولم لا ؟ أليست هي من وجه الصواريخ البالستية تلك التي تحترف الاجتياح . . ؟
ولم لا ؟ أليست هي من أعلن الزوبعة تلك التي تتقن الأعاصير. . ؟
نعم و هذا ما حدث في أول لقاءنا . .

- البداية معك شيء صعب سيدتي . . لذا اختاري البداية . .
- البداية معك شيء جميل سيدي . . لأنك جميل . . لذا أنت من يختار البداية . .
أليس هذا لغما وضعته لك تلك التي تحترف اللغة , وأنت الصحفي الذي يجب أن تكون سيد الألغام . . ؟
ولم لا ؟ فهي التي تقول في روايتها ( فوضى الحواس ) : السؤال خدعة ومباغتة للآخر في سره . . كالحرب تماما . . تصبح فيها المفاجأة هي العنصر الحاسم . .
تلك التي تكشف لك اللعبة الإذاعية التي ينبغي أن تجيب فيها عن الأسئلة , دون أن تستعمل كلمة ( لا ) أو كلمة ( نعم ) .
فتلك اللعبة تناسبها تماما لأنها تقف على حافة الشك , ويحلو لها أن تجيب
( ربما ) حتى عندما تعني ( نعم ) , و ( قد) عندما تقصد ( لن )
فهي تحب الصيغ الضبابية , الملتبسة , والجمل الواعدة , الحالمة , ولو كذبا , تلك التي لا تنتهي بنقطة , وإنما بعدة نقاط . . . . . .
لذا قررت صاحبة الحبر أن تسرق مني سؤالي , لتجبرني على طريقة غريبة في التحاور . . و أسلوب آخر في السرد . . .
هذه هي الحالة التي تركتنا بها بعد انتهاء محاضرتها في الخيمة الثقافية في أرض المعارض على هامش النشاطات الثقافية لمعرض الدوحة الدولي للكتاب , وهذه هي الحالة أيضا التي تركتنا بها بعد إجراء هذا الحوار الجريء . . .

بما أن لك كل هذا الانتشار . . . كيف تتعاملين مع قرائك ؟
إنها معجزة الكتابة , فكيف تكون لك كل هذه الشعبية دون سيف أو سلطة ؟ إنها نعمة حقا , وهذا الإحساس الجميل لا يزيدني إلا تواضعا أمام القارئ , فالكاتب تقاس موهبته بتواضعه , فليس من الممكن أن يكون الكاتب مغرورا ومترفعا عن اللذين يكتب لهم , وقد أدهشتني مشاعر الناس في كل الاماكن التي ألتقيهم فيها سواء في الشارع أو في المعارض أو المحاضرات .
فالأسلوب الذي أعتمده في كسب القارئ هو الإغراء خصوصا إذا لم يقتنع بك أو كان يشكك بك ( تضحك ) فأنا أشهر كل أسلحة الدمار الشامل
لكن كيف تفسري غيرة البعض من الكتاب بأنك أخذت أماكنهم . . . ؟
( نقوللك بصراحة ) إني أشعر تجاه هذا الموضوع بعقدة الذنب لأني أخذت الكثير من مساحة الآخرين , وبأني ظلمت كتابا آخرين , فعوضا عن أن يقوم القارئ بجهد البحث عن كتاب جديد أصبح لا يغامر . . . فهو يتجه نحو الكتاب الذي يعرفه أو سمع به .
وسبق فيما مضى حينما كنت على lbc اللبنانية في برامج صباحية عن الأدب أن بكيت وأنا أعتذر للكتاب أن يسامحوني , وأقول للقراء أتمنى أن تقرؤوا لكتاب آخرين , فهذه الأضواء المتجهة نحوي كثيرة علي , فثمة من أكثر مني موهبة , و ربما هذا ما خلق لي الأعداء والأصدقاء معا , و أدخلني في حروب
عديدة , لكني دوما كنت أبحث عن المعارك الشريفة النبيلة المملوءة بالأدب وليس قلة الأدب , وحينما ألجأ إلى الصمت كان يفسر بالضعف لأنهم لا يدركون بأنه القوة ذاتها .
وهناك مقولة للفنان يوسف شاهين بأن المبدع العربي يقضي 20% من وقته في الإبداع و 80 % منه في الدفاع عن هذا الإبداع . . . إنها مصيبة أن تتفاوض مع الرقيب ومع الموزع ومع المزور لأعمالك .
بمناسبة الحديث عن الرقيب , كيف تتعاملين مع الرقابة ؟
( تضحك ) أتفوق على شيطنة الرقباء , فالكاتب الناجح هو سارق محترف يعرف كيف يتعامل مع الرقيب ولا يقع في فخه , أما اللص الصغير فمن السهل أن يقع في الشرك .
وماذا عن أعمالك المزورة ؟
للحقيقة أن أعمالي مزورة في أكثر من بلد وهي منسوخة كما تنسخ الأشرطة بقصد الربح , وأنا لا أدافع عن حقوقي في الطبع وإنما عن حقوق القارئ الذي تسرق أمواله , فثمة دار للنشر أتت من الخارج إلى معرض الدوحة للكتاب وتبيع كتابي بمبلغ كبير قياسا مع السعر الحقيقي لكتابي وهذه النسخة مزورة , والخاسر الأكبر هنا هو القارئ , ففي فلسطين يباع كتابي بتسعة دولارات ! أليس هذا حراما ؟ فالمواطن الفلسطيني فقير و مهدورة حقوقه . ( تضيف . . عيب أن أقول هذا الكلام ) لكن جزء من دخلي لمساعدة الفلسطينيين , وأجازف بأمني وباسمي مقابل هذا , لأني أقول لا يمكن أن تدافع عن قضية ولا تدفع ثمن موقفك . . . فكيف أكتب عن القضية الفلسطينية وأكسب مال مقالي الأسبوعي مقابل هذه القضية ولا أدفع مبلغ للفلسطينيين ؟ أكون قد استغليتهم . . !
( لكن وللأسف لا أعرف أن كان لديك الشجاعة أن تدون هذا الكلام ) فالبنوك الفلسطينية تسرق الإنسان الفلسطيني , والمطابع الفلسطينية تسرق القارئ الفلسطيني . . . ! هل يمكن أن أحب هؤلاء الناس أكثر مما يحبهم أبناؤهم . . . ؟
حينما طلبوا منك أن تهدي كتبك الى الصحفيين لماذا رفضت ؟
أنا لا أهدي كتابا لأحد . . . فقط للقراء . . . فالكتاب الذي يهدى لا يقرأ , وحدث أن طلب مني أن أهدي كتابي لنزار قباني لكني رفضت وهل هناك أكثر من نزار وذلك لأني استحيت أن أفرض كتابي على أحد كي يقرأه . . . فهناك كتب تهدى وتترك في الفنادق , وحدث أن رأيت هذا في أحد المؤتمرات, تصور كم أهينت هذه الكتب ؟ فهناك كتاب لا يقرؤون لبعضهم البعض حتى .
أما من يحاول أن يهديك كتابه لتقرأه , فهو يعني بذلك أن يقول خذي كتابي اقرأ يني فأنا أشبهك . . . اكتشفيني .

إلى أي مدى تشعرين بأنك تمثلين المرأة العربية ؟
لعل نجاح الكاتب يكون مرهونا بأن ينسب القارئ الكتاب لنفسه ( سواء امرأة أو رجل ) , فحينما يحبه سوف يتبناه , وهذا ما يحصل عندما يرى أن الشعر مثلا يشبهه , فهو يقوم بحفظه , وليس غريبا علينا ما حصل مع الشاعر الكبير نزار قباني , فقد كان شعره يشبهنا جميعا إلى حد التطابق , أما عن المرأة العربية فكل شيء مشترك بيننا لأن الأفكار نفسها والمأساة واحدة والوجع واحد .

يقال عنك بأنك كاتبة رغبة وليس شهوة . . . ما تعليقك على ذلك ؟

صحيح تماما . . . لأني أحب أن أكون مشتعلة بالاشتهاء , جميلة هي مرحلة الرغبة . . الرغبة المكابرة , غير المعلنة , المواربة , الملتبسة , لأن الشهوة لا تقتل فقط شيئا فينا وإنما أيضا النص الأدبي . ولهذا لا يوجد في أعمالي إلا القبلة في كل رواية , فالقبلة تعطي قدرا كبيرا من المتعة لأنها تشعل الحواس الخمس , بينما الفعل الجنسي لا يحتاج ربما لكل هذا . . .
والأدب العربي لا يعطي القبلة حقها , وأنا أقول لا الحياء ولا الإباحية تصنع أدبا , فالحياء إنكار لمنطق الجسد والإباحية إهانة لإنسانيتنا

تتحدثين دوما عن النضال والموت لأجل القضية , ما هي استعداداتك لذلك ؟
أنا مستعدة وجاهزة للموت من أجل أي قضية عربية , طبعا ليس الموت كما يحدث في العراق ! فقد راجعت قناعاتي بعد أن كنت مهيأة للموت هناك , لكني اكتشفت غباء الموت مجانا , لكن إذا كان هناك قضية حقيقية وموت يفيد ؟ سوف أنسى أني كاتبة , وأكون فقط مواطنة عربية , وأتمنى أن تختبرني الحياة في امتحانات كهذه , فثمة موت تولد فيه , والكاتب حتى في موته يوقع نفسه إذا كان قدره أن يموت, لكن للأسف لا قدوة لنا , فنحن نحتاج إلى قدوة كي تكون مرجع لنا ككتاب , فأنت تتمنى أن تسمع بكاتب لم يشترى , أو كاتب رفض زيارة بلد ما لسبب ما . . . .

أين أنت وأعمالك من السينما والتلفزيون ؟

هناك توقيع بين تلفزيون أبو ظبي والتلفزيون الجزائري , اللذين اشتريا حقوق رواياتي لتكون مسلسل تلفزيوني في رمضان , لكني في البداية كنت أفكر بأن تكون عمل سينمائي , ونور الشريف كان يدافع عن هذه الفكرة كي يصل العمل إلى لجان دولية وكي يكون ممثلا للجزائر دوليا , لكننا انتهينا بأن يكون عمل تلفزيوني وذلك كي تصل الرواية إلى أكبر قدر من المشاهدين في العالم العربي , فهناك الكثير من القراء لم يقرؤوها .
ما هي كلمتك الأخيرة . . . ؟
إن هذا الوطن العربي الكبير والجميل يستحق قدرا أجمل , وعلينا ألا نشارك في مذبحة الأمل العربي , وإنما بنائ
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
عرس في ماربيلا
يقول مثل جزائري كان القطّ مهنّي·· شرالو مولاه فّاد (كرش شاة)· ذلك القط، كان سعيداً ومتهنّي، يعيش على اصطياد الفئران، حتى ذلك اليوم الذي أراد صاحبه تدليله، فأحضر له كرشة خروف، أو كروش وقبوات، كما يقول اللبنانيون، فضاع المسكين بين أمعاء وأحشاء الشاة، وحار من أين يأتي تلك الوليمة، التي لا يعرف لها أوّلَ مِن آخر·
مثله كنتُ سعيدة بوحدتي، وبوجودي بمفردي في كـــــان· ولفرط ما انتظرت هذه العطلة التي نذرتها للكتابة، أعددتُ حقيبة تشي بزهدي في مباهج الصيف، حتى إنّ ما أحضرته معي من بيروت، من كتب ودفاتر ومسوّدات، يفوق ما أحضرته من ثياب ولوازم بحر ولوازم سهر·
لكن، كما في شرح صديقنا الأرمني قول الشاعر تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، بقوله هواء يروح هيك·· وبابور يروح هيك، وجدتني هيـــك، عندما ذَهَبَت بي الريح إلى ماربيلا، إثر هاتف من أحد الأصدقاء، يدعوني فيه إلى حضور زفاف أُخته·
ولأنني لا أعرف كيف أُقاوم النداء السرِّي لـماربيلا، فلقد سعدتُ بدعوته، وقَبِلتها من دون تفكير في مُتطلّباتها ولوازمها، قبل أن تبدأ أخبار الاستعدادات لذلك العرس الخرافيّ في الوصول إليَّ، ومعها أسماء الأثرياء والمشاهير الذين ضاقت بهم الفنادق الفاخرة للمدينة·
ومن وقتها وأنا مثل ذلك القط، حايصــــة وحائرة أمام وليمة فـــرح لم أُهيّــأ لها·
ذلك أنني لم أكتسب ثقافة الأعراس، ولا القدرة على تبذير أيام وأسابيع في الاستعداد لليلة واحدة، حتى إنْ كانت تلك الليلة ليلتي حسب أم كلثوم، وكان ذلك العرس عرسي·
بل إنّ عرسي الحقيقي، الذي تمّ عقد قراني فيه مَدنياً في الدائرة السادسة عشرة الراقية في باريس، أخذ مني الإعداد لأوراقه، أكثر ما أخذ مني شراء فستانه البسيط من وقت، لا يتجاوز لحظة رؤيته في واجهة· وأعتقد أنه بفضل ذلك الفستان، الذي كان ثمنه لا يتجاوز مئة دولار، صَمَدَ زواجي سبعاً وعشرين سنة· وأذكر أنّ الشاهدين اللبنانيين اللذين حضرا العرس، بصفتهما عاشقين متواطئين مع سرِّية زواجنا الانقلابيّ، كانـــا أكثر أناقة منا، لكنهما على الرغم من ذلك، لم يتزوجا حتى اليوم·

لابالي بهَوَس الأعراس، ولا أنفق من وقتي ومالي، استعداداً لأي عرس، أكثر ممّا أنفقت على عرسي، حتى لا أُصاب بجنون نساء أَراهــنَّ من حولي، يدخلن في حالة هَبَـل كلّما دُعين إلى عرس، وكأنهن في سباق مع العروس ليكنَّ أَجمَل منها·
وكنتُ سأقترح على مدير التحرير، أن يُخصِّص لي تحقيقاً مُصوَّراً، أُثبت لكم فيه بالعناوين والأسعار (وصور لي في حفل الزفاف الخرافي ذاك)، كيف أن في إمكانهم حتى في كــــان، شراء لوازم عرس كبير، قد تحضرونه في ماربيلا، بثمن أقلَّ مما كنتم ستدفعون في بيروت أو في الجزائر·
ذلك أنّ كـــــان، كما المدن الأُخرى، لها شِعابها وأحشاؤها، التي يعرفها أهلها، ومَن قضى فيها مثلي أكثر من عشرين صيفاً·
وعلى الرغم من ذاك، لم يكن سهلاً العثور صيفاً على فستان سهرة طويل في مدينة تحترف التعرِّي· لــــذا شهقتُ عندما رأيت ثوبــــاً من الساتان الورديّ المتموِّج بنصف كتف، لا يتعدّى ثمنه بعد التنزيلات الْمُذهلة، ثمن فستان عرسي منذ 27 سنة· فأخذته وركضت به بحثاً عن إكسسوارات· وقد وجدت في المحال بائعات تجندن بتواطؤ نسائي لمساعدتي، حالما حكيت لهنَّ ورطتي كضيفة مُندسَّــة في عرس كبير، ورحــن يتجادلن لإضفاء تفاصيل الأزياء الراقية عليه، حتى بدا بالورود العنقودية الْمُنسابة من كتفه، وبالشَّال ذي الألوان الْمُتماوجة، وكأنه من توقيع مُصمِّم كبير· واكتشفت أنّ البائعات يتعاطفن كثيراً مع النساء البسيطات، لأنهن يشبهنهن، ويصبح همُّهنَّ تحويلهن إلى سندريللا بأقل ثمن ممكن، بينما يستغبين النساء الثريات ويضحكن عليهنَّ، كلّما نصحنَهنَّ بشيء، سعيدات بتشليحهنَّ مالهنَّ ليثأرن بذلك لأحلامهنَّ وأجورهنَّ المحدودة·
إحداهـنَّ وجَّهتني إلى محل فاخر، ترتاده ضيفات مهرجان كان، مُتخصِّص في تقليد مُطابِق لأضخم تصاميم المجوهرات، فاشتريت خاتم ياقوت مُذهلاً في مصداقية أحجاره، بـ(40) يــــــورو، وأقراطاً من الفخامة، بحيث تكاد تُضاهي أقراط الألماس والياقوت التي أهدتني إيّـاهــا الغالية أسماء الصديق، باسم عضوات الملتقـــى في أبوظبـــي، (وتركتها في بيروت لصديقتي الأقرب، لكونها مَدعوَّة هذا الصيف إلى أكثر من عرس)·
لم أحتج إلى شراء حذاء جديد· فلطول الفستان اكتفيت بانتعال قبقاب فضيّ بـكعب عالٍ·
ولأنّ هذه الدوشة أخذت مني يومين، فإني أحتاج إلى عرسٍ ثانٍ لاستثمار مُقتنياتي·
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
جوارب الشرف العربيّ


لا مفرّ لك من الخنجر العربيّ، حيث أوليت صدرك، أو وجّهت نظرك. عَبَثاً تُقاطِع الصحافة، وتُعرِض عن التلفزيون ونشرات الأخبار بكلّ اللغات حتى لا تُدمي قلبك.
ستأتيك الإهانة هذه المرّة من صحيفة عربية، انفردت بسبق تخصيص ثلثي صفحتها الأُولى لصورة صدّام وهو يغسل ملابسه.
بعد ذلك، ستكتشف أنّ ثَـمَّـة صوراً أُخرى للقائد المخلوع بملابسه الداخلية، نشرتها صحيفة إنجليزية لطاغية كَرِهْ، لا يستحقّ مجاملة إنسانية واحدة، اختفى 300 ألف شخص في ظلّ حكمه.
الصحيفة التي تُباهي بتوجيهها ضربة للمقاومة كي ترى زعيمها الأكبر مُهاناً، تُهِينكَ مع 300 مليون عربيّ، على الرغم من كونك لا تقاوم الاحتلال الأميركي للعراق إلاّ بقلمك.. وقريباً بقلبك لا غير، لا لضعف إيمانك، بل لأنهم سيكونون قد أخرسوا لسانك. هؤلاء، بإسكات صوتك، وأولئك بتفجير حجّتك ونسف منطقك مع كلِّ سيارة مفخخة.
تنتابك تلك المشاعر الْمُعقَّدة أمام صورة القائد الصنم، الذي استجاب اللّه لدعاء شعبه وحفظه من دون أن يحفظ ماء وجهه. وها هو في السبعين من عمره، وبعد جيلين من الْمَوتَى والْمُشرَّدين والْمُعاقِين، وبعد بضعة آلاف من التماثيل والصور الجداريّة، وكعكات الميلاد الخرافيّة، والقصور ذات الحنفيّات الذهبيّة، يجلس في زنزانة مُرتدياً جلباباً أبيض، مُنهمِكاً في غسل أسمال ماضيه وجواربه القذرة.
مشهد حميميّ، يكاد يُذكّرك بـكليب نانسي عجرم، في جلبابها الصعيدي، وجلستها العربيّة تلك، تغسل الثياب في إنــاء بين رجليهــا، وهي تغني بفائض أُنوثتها وغنجها أَخاصمَــك آه.. أسيبـــك. ففي المشهدين شيء من صورة عروبتك. وصدّام بجلبابه وملامحه العزلاء تلك، مُجرّداً من سلطته، وثياب غطرسته، غدا يُشبهك، يُشبه أبَــــاك، أخـــاك.. أو جنســك، وهذا ما يزعجك، لعلمك أنّ هذا الكليب الْمُعدّ إخراجه مَشهَدِيـــاً بنيّــة إذلالكَ، ليس من إخراج ناديـــن لبكــي، بل الإعلام العسكري الأميركيّ.
الطّاغيــة الذي وُلِد برتبة قاتل، ما كانت له سيرة إنسانية تمنحك حقّ الدِّفاع عن احترام خصوصيته، وشرح مظلمته. لكنه كثيراً ما أربَككَ بطلّته العربيّة تلك. لـــذا، كلُّ مرَّة، تلوَّثَ شيءٌ منكَ وأنتَ تراه يقطع مُكرَهاً أشواطاً في التواضُع الإنساني، مُنحدراً من مجرى التاريخ.. إلى مجاريــه.
الذين لم يلتقطوا صوراً لجرائمه، يوم كان، على مدى 35 سنة، يرتكبها في وضح النهار، على مرأى من ضمير العالَم، محوّلاً أرض العراق إلى مقبرة جَمَاعية في مساحة وطن، وسماءه إلى غيوم كيماوية مُنهطلة على آلاف المخلوقات، لإبادة الحشرات البشرية، يجدون اليوم من الوقت، ومن الإمكانات التكنولوجيّة المتقدمة، ما يتيح لهم التجسس عليه في عقر زنزانته، والتلصُّص عليه ومراقبته حتى عندما يُغيِّـر ملابسه الداخلية.
في إمكان كوريا أَلاّ تخلع ثيابها النووية، ويحق لإسرائيل أن تُشمِّر عن ترسانتها. العالَم مشغول عنهما بآخر ورقة توت عربيّة تُغطِّي عـــورة صـــدّام. حتى إنّ الخبر بدا مُفرحاً ومُفاجئاً للبعض، حــدّ اقتراح أحد الأصدقاء كاريكاتيراً يبدو فيه حكّام عُــــراة يتلصصون من ثقب الزنزانة على صدّام وهو يرتدي قطعة ثيابه الداخلية. فقد غدا للطاغية حلفاؤه عندما أصبح إنساناً يرتدي ثيابه الداخلية ويغسل جواربه. بدا للبعض أنظف من أقرانه الطُّغاة المنهمكين في غسل سجلاتهم وتبييض ماضيهم.. تصريحاً بعد آخر، في سباق العري العربيّ.
أنا التي فَاخَرتُ دومَــاً بكوني لم أُلـــوِّث يــدي يوماً بمصافحة صدّام، ولا وطأت العراق في مرابــد الْمَديــح وسوق شراء الذِّمم وإذلال الهِمَم، تَمَنَّيتُ لو أنني أخذتُ عنه ذلك الإنـــاء الطافح بالذلّ، وغسلت عنه، بيدي الْمُكابِـرَة تلك، جوارب الشّرف العربيّ الْمَعرُوض للفرجـــــة.
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
على مرفأ الأيّام

صدر هذا الديوان سنة 1972
وكتبت هذه الأشعار بين سنتي 1969و 1970


الإهــــــــداء..

إلى الذي علمني عبادة الكلمة

وبارك كلماتي الأولى

إلى أبي

أحلام

**********************

مختارات من الديوان


تحدّي


لأني رفضت الدروب القصيرة

وأعلنت رغم الجميع التحدي

وأني سأمضي

لأعماق بحر بدون قرار

لعلني يوماً

أحطم عاجية الشهريار

أحرر من قبضتيه الجواري

لعلني يا موطني رغم قهرك

أعود بلؤلؤة من بحاري

لأني صرخت أريد الحياة

لأني وقفت أمام الغزاة

قراصنة البحر ثارت عليّ

تحاصر كل سبيل إليّ

تمزّق كل شراع لديّ

لأني جهلت دروب النفاق

وأهملت عند ابتداء الطريق

سبيل التجارة باسم القيم

وكنت أناشيد أعلى القمم

يحاصرني كل يوم قزم

لأغدو شراعاً بدون هوية

لأن الكواليس تغتال صوتي

وأني أنادي بدون صدى

لأني ..

ولكني رغم كل اغترابي

سأبقى على مهرة من عذابي

وأزرع في العمر ضوء الشباب

وعند بداية كل احتراق

أموت أنا ويظل الحريق ...

****************

بلا قلب.. بلا عمر


وأحيي خلف ذكرانا

أنا أجري

ولا أدري

أنّ الحبّ يا حبّي

بلا قلب.. بل عمر

أحنّ إليك

في الإيمان في الكفر

أحنّ إليك

من ذعري

أحنّ إليك

لأنك مثلي تحيي

بلا قلب.. بلا عمر..!

****************

الرسالة الثانية

لا حلم يا حبيب

لا شمس مُذ رحلت لا سلام

لا موعدا يزهو به الغمام

لا قبلة يسرقهاالحمام

فكيف يا حبيب

من بعد ما بذّرت في قلوبنا الهناء

بذّرتنا هباء

سرقت من عيوننا الضياء

وأنت في حياتنا أساور الربيع

لكننا

من يوم أن رحلت دون ماء

نخاف يا ربيع

نخاف إن نسيت أن نضيع...

****************

حتى أنت


وتبقى تناشدني كي أبوح

لماذا بعينيّ يغفو الوجود

وذاك الشرود

تراه ارتعاشة حبٍّ كبير ؟

وينتحر اللحن في أضلعي

وأبكي

وتبكي القوافي معي

وأبكي أمامك دون دموع

أفتّش عن فارس ليس يأتي

ويعصف بي الصمت في شفتيك

وذاك البرود

يمزّق أعصابي المنهكة

فيا أسفي يا صديقي الأخير

ظللت بعيداً عن المعركة

ولم تغفُ يوماً بجفن الضياع

ولم تغتسل مرّة يا صديقي

بطوفان نوح

فماذا عساني أبوح ؟
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
المذكرة الأولى

قال لي يوماً صديق
لقد تكأدت أخيرا دون ريبة
أن ما من شاعر يُولد إلا
يوم مأساة غرام ... بعد خيبة
وتوقفت أمام القول حيرى
أصحيحا صار عمري اليوم عام ؟
...

المذكرة الثانية

اليوم في حقيبتي مجموعة البريد
رسائل أزهو بها
بلونها ، بخطها ، بنوعها الفريد
فواحد بنيّة المراسلة
وواحد يهوى هنا المغازلة
وثالث يحتال كي يراني
لأنه من همستي أصبح لا ينام ...
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
المذكرة الثالثة

وساءلني .. القمر الأحمر
تراه يعود
وردّدت الطير عند الغروب
بأن هزار الربوع اختفى

المذكرة الرابعة

الريح والثلوج والأمطار
تعرّت الأشجار
واختفت الطيور والأطفال
لكنني سآتي حبيبي
فحبـــك معطفي الوحيد ..

المذكرة الخامسة

قُتِلت مرّتين
هناك في المغارة
لأنني رفضت أن أموت كلّ يوم
في عش عنكبوت
وشئتَ أن أموت

المذكرة السادسة

الكل أقسم أن ينام
يا أنت يا مدن المدافن قد سئمت من النيام
فأنا أجوب بحيرتي كالطيف حي الميّتين
وإلى متى
سأظل أبحث في انتظار
وجه يطلّ من النيام
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
سفينتي

مازلت يا رفيقتي

أصارع المياه

منهوكة سفينتي

لكنها

بقوةالإله

ستقطع البحار

وتهزم المؤامرة

اشرعتي ممزقة

ليس لها جناح

تسخر منها العاصفة

تهزّها الرياح

لأنها أشرعة

نشيدها جراح

لأنها حديثة

لا تعرف الكفاح

بحارتي

على السطوح باهتة

يصارعون قوّة الدوار

ويقطعون أبحراً

ليس لها قرار

ويبحثون

في الدروب المقفرة عن جوهرة

يضمها محار

يسائلون أنجماً

بعيدة المدار

عن لؤلؤة

أضاها بحّار

تهزّ كف بحرنا

تغيّر الأقدار
....
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
كولمبو يُشاطرني بيتي


كان لي أكثر من موضوع للكتابة يليق بوجبات الأخبار الدّسمة، التي يقدّمها لنا المطبخ العربيّ، حيث يتبارى أكثر من شيف، أين منهم الشيف رمزي، في إعداد موائد عُسر هضمنا وسمِّ بدننا اليوميّ.
لكن، أعذروا بَلبلتي، فمن عادتي ألاّ أكتب هذا المقال إلاّ ساعة الحشر، قبل نفاد صبر رئيس التحرير بقليل، لولا أنّ خبراً مُفاجئاً أسعدني بقدر ما أربكني، ووضعني أنا ومصاريت، شغّالتي الإثيوبيّة، في حالة استنفار منزليّ، ما عاد يمكن معه التركيز على أيّ موضوع أدبيّ أو صحافي.
جاءت أُمي من الجزائر لتزورني. هكذا دون سابق إعلان، كما كان المفتشون الدوليون يزورون المنشآت العراقيّة بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل من دون سابق إنذار. فلولا أنني التقيت مُصادفة المسؤولة عن الخطوط الجزائرية في بيروت، التي أخبرتني أنّ أُمي موجودة ضمن قائمة القادمين إلى بيروت، ما كنت عرفت بهذا الخبر العاجل من أحد، لحبِّ أُمي عنصر المفاجـــأة، وأحياناً المفاجعـــة، على طريقة كولمبو في مباغتة المشبوهين.
لأنّ المرء، حسب أحدهم، لا يمكن أن يتنبأ بموعد هبوب العاصفة أو هبوب العاطفة، ما كان لي أن أتنبأ بحدث كهذا، على الرغم ممّا فاضت به عواطف أُمي من أشواق لرؤيــة أحفادها.. وزيارة بيروت. فخلال الأربع سنوات الماضية، كنت أنا مَن يزورها في الجزائر، أكثر من مرّة في السنة، مستفيدة من سخاء أُمومتها، ووفرة خدماتها. فهي تضع سائقها في تصرّفي، وتتفرّغ لتدليلي وإلباسي وإطعامي لأيام على ذوقها، مقابل أن أُجالس صديقاتها أو أُرافقها إلى زيارتهن، ثمّ تُعيدني إلى بيروت، وقد زاد وزني وتضاعف حملي بما حشت به أمتعتي من كسكسي وعراجين تمر، وما حمّلتني من لوحات سيراميك، قامت هي برسمها، بإتقان أذهل محترفي السيراميك من زملاء أختي، صوفيا، بعدما تولّت أمي إدارة محترف صوفيا، عندما تزوجت هذه الأخيرة وغادرت الجزائر.
أمي باختصار، رائعة عندما تكون في بيتها، لكنها ما تكاد تدخل بيتي حتى تقلب حياتي رأساً على عقب. وما أن تضع حقائبها أرضاً حتى تقوم، بعين رجل تحرٍّ، بجولة في البيت لتفقُّد هيئته ومستجداته. وقبل مرور أربع وعشرين ساعة، تكون قد أجرت جردة لِمَا قد زاد فيه أو نقص، وشرعت في استجوابي عن مقتنياتي التي اختفت، لعلمها أنني قد أُهدي، في لحظة انجراف عاطفيّ، ثيابي أو مصوغاتي أو تحف بيتي. وعندما أرى شكوكها تذهب نحو الشغّالة، أُدافع عن المسكينة بالوشاية بنفسي.
مصاريـــت، التي تعرف مزاج أُمي، قضت أربعاً وعشرين ساعة في تمشيط البيت ونفضه، وكأننا سنستقبل البرادعي، رئيس هيأة الطاقة الذريّة، للإقامة عندنا، وقامت بإخفاء أقلامها وكُتبها ودفاترها حتى لا تصرخ أُمي، وهي تلقي نظرة مهذّبة على غرفتها: ما هذا؟
أجئت بخادمة أم كاتبة؟ بدل أن تُشمِّر عن ساعديها وتصعد لتنظيف الثريات تقضي وقتها مغلقة غرفتها تخربش؟. أُتمتم لكنها قد تسقط من السلَّم، تصيح بي: ولماذا لا أسقط أنا منه وعمري سبعون سنة؟. وخزائن الأولاد، لماذا لا توضّبها؟، أردُّ: لا يسمحون لها بدخول غرفتهم.
منذ أربع سنوات، عندما زارتني أمي لتصوم معنا رمضان، غادرتني مُتذمّرة إلى أختي الأكثر ترتيباً. وحدث أن أخرجتها يومها صوفيا بعد الإفطار للتجوّل في بيروت، فاستوقفتها صحافية ربما لفت انتباهها عباءة أُمي، فسألتها في إطار مسابقة رمضانية بهدف الترويج السياحي، عن اسميِّ المنطقتين، اللتين يربط بينها بيريفيريك لبنان. وعندما أجابتها أختي ساخرة: كيف لها أن تعرف وقد وصلت لتوّها من الجزائر، ردّت الصحافية بفرح: كاتبتي المفضّلة جزائرية اسمها....، وعندما قالت أُمي بزهو: إنها ابنتي!، فما كان من الصحافية المدهوشة إلاّ أن قبّلتها بحرارة وتحايلت لتُربحها الجائزة، وهي دعوة مجانية إلى مطعم.
سعدت أمي كثيراً، على الرغم من كونها لم تذهب إلى ذلك المطعم، برفقة ثلاثة أشخاص للإفطار، وسعدت أكثر منها، لأنها بدأت تقمع نزعاتها الإرهابية تجاهي.
اليوم، ذهبت لانتظارها، أنا وابني مروان، مُحمَّلين بباقة ورد طلباً للهدنة. سألتها كيف كانت سفرتها؟ أجابت بزهو مستتر: سألني رجل الأمن في مطار بيروت أين سأُقيم؟، أجبته عند ابنتي. وعندما قرأ اسمك قال: هيدي اللّي بتكتب؟. أخفيت فرحتي، ودعوت في سرّي أن يضع اللّه كثيراً من قرّائي في طريق أُمي، عساها تتنبّه إلى أنني كاتبة، وتكفّ عن مداهمة غرفتي وخزائني وجواريري.
يا ناس.. أعذروني مسبقاً عمّا سأكتبه في الأسابيع المقبلة. فأنا لا أعرف الجلوس إلى أوراقي وكولمبو يُشاطرني بيتي.
__________________
 

قطرة روح

بيلساني سنة رابعة

إنضم
Jun 20, 2009
المشاركات
729
مستوى التفاعل
8
أَكلّ هَذَا الدَّم.. لإسكات قَلَم؟

أعذر مَن لم يسمع منكم بسمير قصير قبل الخبر الْمُدوِّي لموته. فسمير ما كان نجم الشاشات، ولا ديك الفضائيات. لم يُشارك في مسابقة للغناء، لم يصل بعد حملة (sms) إلى التصفيات النهائية في ستار أكاديمي. كان أكاديمياً مُتعدِّد الهواجس والثقافات. كان أستاذاً جامعياً يُحرِّض الأجيال الناشئة على الانتماء إلى حزب الحقيقة. لذا، أزعجتهم حِبَالُــه الصوتيّة.
لم يحاول أن يكون يوماً سوبر ستار العرب. هو الفلسطينيُّ الأب، السوري الأُم، اللبنانيّ الْمَذهَب والقلب، ما كان ليدخل منافسة تلفزيونيّة تحت رايــة واحدة، فلم يؤمن بغير العُروبـــة علماً وقَدَراً. لـــــذا، لم يترصّد أخباره المعجبون، بل المخبرون، ولم تتدافع الْمُراهقات للاقتراب منه وأخذ صور له حيثما حلَّ، بل كانت أجهزة الأمن تتكفّل بكلّ ذلك. الفتى العربي الْمُتَّقد الذكاء، الذاهب عُمقاً في فهم التاريخ، ما كان حنجرة، كان ضميراً. لــــذا، لم يقف أمام لجنة تحكم على صوتــه، بل كان يدري منذ البدء أنّ رجالاً في الظَّلام يحاكمونه كظاهرة صوتيّة في زمن الهمس والهمهمات.
الفتى العربي الوسيم، النقيّ، النبيل، المستقيم، في كل ما كتب، ما كان حبره الذي يسيل، بل دمه.
اعتاد أن يرفع صوته على نحو لا رجعة عنه، على الرغم من علمه أنّ للصوت العالي عندما يرتفع خارج الطبقات الصوتيّة للطرب ثمناً باهظاً. ففي حوار المسدّس والقلم، المقالات الناريّة يردُّ عليها بالنار.
كان عليك أن تُغنِّي يا صديقي.. فتَغنَى، وتستغني عمّا عرفت من ذُعر الكاتب الْمُطارَد، أن تكون هدفاً إعلامياً بدل أن تغدو رجلاً مُستهدَفاً، أن تستخدم وسامتكَ في طلّة إعلانيّة لبيع رغـــوة للحلاقة، أو الترويج لعطر جديد، بدل استخدام أدواتك الثقافية والْمَعرفيّة لِمُقارعــة القَتَلَــة. تأخَّــر الوقت لأقنعك ألاَّ تبصم بدمك على كلّ ما تكتب، فتسقط مُضرجاً بحبرك. يا هذا الحصان الجَامح لا حصانة لك. الكاتب كائن أعزل لا يحتمي سوى بقلم.
أَكلّ هَذَا الدَّم.. لإسكات قلم؟ وكلّ هذه المتفجرات المزروعة تحت مقعدكَ.. فقط لأنكَ رفضت أن تجلس يوماً على المبــــادئ؟
صاحــب القلم الوسيم سقط في موكب من مواكب الموت اللبناني.
سَقَطَ، وما نَفع كلُّ هذا المجد الْمُتأخِّـــر، لموت يغطِّي الصفحات الأُولى للصحافة العالمية؟ ما زهو صور لم يجفّ دم صاحبها، تتقاسم على جدران بيروت حيِّـزاً كان محجوزاً للمطربين، وغَـدَا حكراً على الْمُنْتَخبِين والْمُقَاولِين السياسيين وصائــــدي الصّفقَــات؟
هو صائــد الكلمات، ماذا يفعل بينهم، وهو الذي عندما كان حيَّــاً ما كان ليمد يده ليُصافح بعضهم؟ وما نفع إكليل البطولة على رأس ما عاد رأسه مذ ركب سيارته وأدار ذلك الْمُحرِّك، فتطاير دمه، وتناثرت أجزاؤه لتتبعثَر فينا؟
القَتَلَـــة يقرأون الآن أخبار نَـعْـيِـهِ بعدما أسكتوه، وصنعوا من جثته عِبْـرَة انتخابية لنصرة حزب الصّمت، يبتسمون لكلّ هذا الرثــــاء أثناء حشو مسدّساتهم بـكاتم الصوت. صَمَتَ القلم الوسيم، تاركاً لنا عالماً من البشاعة والذعر من المجهول، بينما نحنُ منهمكون في الْمُطالَبَـة بحقيقة جديدة تحمل رقم الشهيد الجديد. القَتَلَة يبتسمون مستخفِّين بمطالبنا، واثقين بجبننا.
ذلك أنّ للحقيقة كلاب حراسة تسهر على سرّها. وحدهم حرّاس القيم لا حارس لهم إلاّ الضمير، الضمير الذي كان سبباً في استشهاد سميــر قصيــر.
__________________
 
أعلى