اسم الله الحفيظ
اسم الله الحفيظ
المعنى الأول : حفيظ بمعنى عليم :
فالله لا ينسى ، حفيظ لا ينسى ، كُلُ أعمالك وكل أقوالك وكل مواقفك وكل عطاءاتك وكل منعك وكل الصِراعات التي في ذهنك كل ما أنت فيه محفوظ عند الله عزّ وجل
المعنى الثاني: الحفيظ أيْ ضِدُّ التضييع :
الأول ضد النسيان والثاني ضد التضييع ،
فمعنى حفيظ أيّ الله عزّ وجل لا يُضيّع المؤمن بل يَحفَظ له عملَه ويكافئه عليه في الدنيا والآخرة.
الإنسان كما تعلمون مفطور على حُب وجوده ، وعلى سلامة وجوده ، فكم من التدابير التي يتخذها للحِفاظ على ماله ، أو للحِفاظ على صحته ، أو للحِفاظ على أولاده ؟
فالحِفاظ على الشيء لا يَقِلُّ عن تحصيله ، فأنت في الأصل تُحصّل شيئاً وتُحافظ عليه ، فنشاط الحِفاظ على ما أنت فيه لا يقل عن نشاط تحصيل هذا الذي بين يديك ،
فالإنسان حينما يحاول أن يُحافظ على حياته أو على سلامته أو على صحته أو على أولاده في حياته أو بعد مماته ، فهو يعمل وفق غرائزه ودوافعه .
# " فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا "، حينما يأخذ الإنسان بأسباب الحِفظ المادية وينسى أن مُسبب الأسباب هو الله عزّ وجل ، حينما يأخذ بالأسباب المادية للحِفظ ويأتيه بأس الله من حيث لا يحتسب مما يجعل حياته كلها جحيماً لعِلّة تُصيب جسده ،
# فمثلاً شخص حصّلَ دكتوراه وتزوج امرأةً غربية تروق له وعاد بها إلى بلده ووصل إلى أرفع المناصب ثم فَقَدَ بصره فزاره صديق له ، فقال له : والله يا فلان أتمنى ألاّ أحمل هذه الشهادة وألاّ أكون في هذا المنصب وألاّ أكون متزوجاً وأن أقوم على قارعة الطريق أتكفف الناس وأن يردَّ الله إليّ بصري !
# " فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا " ، الإنسان عُرضةٌ لأخطار لا تنتهي في الدنيا والوقائع بين أيديكم ، تجد إنسانا بأعلى درجات الذكاء ، لكن غلطة بسيطة مثل أن يكون السائق نائمًا وأنت ماشٍ على اليمين فصدمته السيارة وأُصيب في عموده الفقري أدى إلى شللٍ كامل طول حياته فمن يحميه ويحفظه من الغوائل ؟ الله خير حافظا ، فلا بد من التوكل حقا .
اسم الحفيظ أنه مهما أخذ الإنسان بأسباب الحِفظ فقد يُؤتى الحذر من مأمنه ، مثلاً كيف يُحصّن المال ؟ يجب أن يُحصَّن المال لا بِوضع أقفال والأقفال ذات الأرقام ...لا ، " حصنوا أموالكم بالزكاة " .
# # أنا سمعت عن رجلٍ يعمل في الصياغة استورد صندوقَ حديدٍ من إحدى قارات الأرض، و له مواصفات تحتاج إلى كُتيِّب لوصفها واستطاع أُناس أن ينزلوا إلى دكانه بالليل وأن يثقبوا الصندوق من سقفه وأن يأخذوا كل ما فيه فقد اعتمد هو على هذا الصندوق في حِفظ ماله ونسي الله تعالى ،
طبعاً حِفظ المال بند من بنود هذا البحث ، وهناك حِفاظ على الصحة ...إلخ ، حينما ينسى اللهَ عزّ وجل ويأخذ بكل أسباب حِفظ الصحة ويعتمد عليها يأتي عَطَب غير متوقع
و الحديث الشريف التالي فيه عبرة ناطقة : " أن يوم القيامة يقف رجلان أمام رب العزة يقول لأحدهما:عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه يقول يا ربي لم أُنفق منه شيئا على أحدٍ مخافة الفقر على أولادي فيقول الله له ألم تعلم أني أنا الرزاق ذو القوة المتين " .
إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم فقد جعل ثقته بالمال دون الله تعالى، فأردى أولاده ،
لذلك أكرر على سمع القارئ الكريم هاتين الكلمتين : من آثر دنياه على آخرته خسرهُما معاً ، ومن آثر آخرته على دنياه ربحهُما معاً ، لكن حتى أكون واقعيًا تعامل رب العزة مع العباد أحياناً يُغلِق لك كلَّ الأبواب إلا طريقاً واحداً مسموحاً وهو غير مشروع ،
هُنا الامتحان إذْ كُلُ الأبواب التي تُرضيه مغلقة وبابٌ واحد لا يٌرضيه مفتوح على مِصرَاعيه ، فماذا تفعل ؟ هُنا الامتحان. فإن قلت لن أعصي الله ولو قُطعت إرْباً إرْباً فأنت هكذا يا عبدي ؟ وأنا لن أتخلّى عنك وسأقلب لك كُلَّ الموازين بحيث سيغدو عدوك صديقك ، وسأُيَسّر لك أعمالك وستأتيك الدنيا وهي راغمة لأنك آثرت طاعتي على الدنيا ، عندئذ تأتيك الدنيا وهي راغمة
وليُصغِ عزيزي القارئ سمعه لهذه الكلمة : زوال الكون أهون على الله من أن تدع شيئاً مخافةً فيه ثم يُضيِّعك الله عزّ وجل ، واللهِ زوال الكون أهون على الله من أن تقف موقفاً فيه مرضاة الله عزّ وجل ويتخلى عن نصرتك . يا رب أنا لا أعصيك ومهما بلغ الثمن لن أعصيَك . أتفعل هذا عن طيبِ خاطر وتضيع ؟ لا والله ،
## لذلك توجد قوانين مُستنبطة من التعامُل اليومي ، فهذا الذي توهّم أن بقاءه في هذا المكان مَنوط بإرضاء فُلان وفُلان ، وجعلت إرضاءه عن طريق معصية الله عزّ وجل ، فهذا الذي أرضيتَه وأسخطتَ الله عز وجل فلابُدَّ من أن يَسخَط الله عليك ويُسخِط ذاك الإنسان عليك ، وإذا أغضبت إنساناً من أجل طاعة الله فلابُدَّ من أن يرضى الله عنك وأن يُرضِي عنك هذا الإنسان ، ومن آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً ، ومن آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً ،
إذاً : " فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا " ، الأب دائما حريص على أولاده حرصًا لا حدود له لكن لو حصل خلل بالخلايا الداخلية و نمت هذه الخلايا نمواً عشوائياً ، فالأب ماذا بيده أن يفعل ؟ بيده أن يتألم فقط ، أما الإله كل شيء بيده ،
" فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا " فالذي يحفظ هو الله عزّ وجل .
** أقسم لي رجل بالله يقود سيارته في طريق طويل ونام وهو بسرعة عالية ورأى مناماً ، واستيقظ في الوقت المناسب قبل أن يواجه حادثًا مُروِّعًا مُدمِّرًا ، إذا أنقذه الله من التردي في الهاوية .
(سورة يوسف)
فإذا كان الله معك فمن عليك ، وإذا كان الله عليك فمن معك ؟
وأخيرا من أحد معاني الحفيظ أن يحفظ الله لكَ دينك ، أن تَسلَم عقيدتك من الشُبُهات ومن الشِرك الخفيّ ومن عقيدةٍ زائغة ، وأن تسلم لك جوارحك من المعاصي و الآثام ، أن يسلم لك دخْلك من الشبهات ، لهذا سيدنا يوسف قال :
(سورة يوسف)
محمد راتب النابلسي تفسير اسم الله الحفيظ